عارف عرفات: حروب الرأسمالية وسياسات التعرفة الجمركية 

عارف عرفات: حروب الرأسمالية وسياسات التعرفة الجمركية 

عارف عرفات
هي ليست حرب ترامب , إنما هي حروب الرأسماليه التي لا تعرف حدودا لطموحاتها وهيمنتها,  وإن كان هو المعلن عن بدءها , فهو ليس الا المتحدث الرسمي عن الرأسمالية الاميريكية المتوحشه التي لا تني عن اشعال الحروب العسكريه والاقتصاديه في كل مكان تجد الرأسمالية فيه مصالحها الاستراتيجيه ..
السياسه أقتصاد مكثف
لا يمكن فهم قرارات ترامب بفرض رسوم جمركيه بالجملة على مجموعة من الدول طالت الخصوم والاصدقاء على حد سواء وان كان الهدف الاساس هو دولة بعينها مثال الصين إلا في سياق مفهوم أن ” السياسة اقتصاد مكثف ” , فإذا تمعنا في طبيعة هذه القرارات التي احدثت صدمة في الاوساط السياسيه والاقتصادية العالميه , لادركنا بوضوح أن هذه القرارات هي إشارة البدء في اشعال حرب سياسية ذات طبيعة اقتصاديه بغطاء تجاري في مواجهة العالم من قبل الرأسمالية الاميركيه المنفلته من عقالها , فالحروب التجارية التاريخية هي حروب سياسيه بالمطلق امتدادا أو اختصارا لحروب عسكريه ..
وإذا كانت هذه القرارات تأخذ صبغة تجاريه واقتصاديه وتطال سلاسل الحركة التجاريه العالميه فهي في الواقع استجابة  لقرارات سياسيه مدروسه من قبل الاقطاب الاهم في الرأسمالية الامريكيه التي لها انعكاسات اقتصاديه وتجاريه وسياسيه ودبلوماسيه واجتماعيه تصب بالمحصلة لصالح الرأسمالية الامريكيه المتوحشه , فإشعال حرب بالضرورة سوف تمس مصالح الكثير من الدول , ويضر باقتصادياتها , وربما بعض الدول سوف تخسر من اقتصادها وتجارتها أكثر بكثير من خسارتها فيما لو شنت عليها حربا عسكريه مباشره , فقد خسر العالم اكثر من سبعة تريوليونات من الدولارات في غضون اقل من اسبوع على بدء هذه الحرب التجاريه بما يؤشر على أن هذه الحرب ليست أقل في خسائرها وضحاياها من الحرب العسكرية الفعليه .
إن مثل هذه الاجراءات تستهدف احداث تنازلات سياسيه واقتصاديه واجبار بعض الدول على التفاوض من جديد مع الولايات المتحده وتغيير بعض الاتفاقيات واستحداث اتفاقيات جديده تحسن فيها الولايات المتحده من شروطها التجاريه , وهي في ذات الوقت تعتبر اجراءات عقابيه على بعض الدول كالصين وجنوب افريقيا وفيتنام وكندا , وما من شك إن هذه الاجراءات قد أجبرت بعض الدول لسلوك خيار التفاوض , وقد ادركت بريطانيا الحليف للامريكي دوما أنها لا تستطيع أن تعزل نفسها عن حليفها وهي خارج الاتحاد الاوروبي فلجأت مباشرة الى خيار التفاوض فاعتمدت فريقا من الخبراء للتباحث والتفاوض مع الادارة الامريكيه , وهذا انصياع أمام هذا الضغط الامريكي , وكذلك الحال فقد لجأت الهند الى خيار نهج التصالح والتفاوض مع ترامب لعقد اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحده للتخفيف والحد من آثار العقوبات او التعريفات الجمركيه .
غيرأن الصين كان ردها بما أنها المستهدف الاساس من هذه العقوبات بأنها ” ستقاتل حتى النهايه  ” وأنها لا تخشى التهديد والابتزاز , وسوف تتخذ الاجراءات اللازمه لحماية حقوقها ومصالحها المشروعه , بما يشي أنها لن تستجيب لسياسات خراب الاقتصاد الصيني .
أقتصاد أمريكي متفوق وطموح لكنه يعاني
ومن الجدير بالذكر أن الاقتصاد الامريكي لا زال يمثل اكبر اقتصاد عالمي فهو يمثل اكثر من 26 بالمائة وفق المصادر المختصه , كما ويبلغ الناتج المحلي الاجمالي الامريكي ما يناهز 25 مليون تريليون دولار عام 2024 في الوقت الذي يبلغ الناتج المحلي العالمي 110 تريليون دولار .
إن الطغمة الراسمالية الامريكيه لا تنظر بعين الرضى على هذه النسبة من قوة الاقتصاد الامريكي مقارنة مع الاقتصاد العالمي الذي يتطور باضطراد سيما وأن هناك اقتصاديات تنمو وتحقق معدلات نمو مرتفعه تهدد جبروت الاقتصاد الامريكي وتؤثر على قوة الدولار الذي يتسيد على التجارة العالمية حتى الان رغم كل المحاولات التي تسعى لتقوية العملات المحلية في المعاملات التجارية العالميه , أن ضرب هيبة الدولار قد يعني سقوط الهيبة الامريكيه عالميا , ومن المعروف أن قوة الدولار هي من قوة الاقتصاد الامريكي , وأي اضعاف للاقتصاد الامريكي أو ثباته مع تقدم اقتصاديات اخرى سيعني أن الدولار لن يحظى بالثقة التاريخيه لدي العديد من دول العالم وشركاتها العالميه بما يؤثر على حجم التبادلات التجارية العالميه بالدولار , واذا كان صحيحا أن امريكا تحتل 22 بالمائة من التجارة العالميه الا ان الميزان التجاري العالمي لا يميل لمصلحتها فقد بلغت الصادرات الامريكيه في عام 2022 ما يعادل 3 ترليون دولار في حين ان واراداتها ناهزت 4 تريليون دولار بما يعني ان الميزان التجاري لغير صالح الولايات الامريكيه وهذا يضعف من هيمنتها على الاقتصاد العالمي في حركته التجاريه العالميه .كما أن هناك عجز تجاري مع الاتحاد الاوروبي يصل الى 213 مليار دولار عام 2024 والذي وصفة ترامب بالامر الفظيع . وكذلك الحال فإن الاقتصاد الامريكي يعاني من بطء معدلات النمو , حيث ظهرت بعض مواطن الضعف فيه مثال زيادة معدلات الانفاق الحكومي مع ضعف النمو السكاني , ولعل الاهم في مواطن الضعف الاقتصاي هي تلك المتعلقه بتوزيع الثروه والتي تعكس التوزيع الغير عادل او المتكافئ للثروة , حيث تشير المعطيات الى ان الاثرياء الامريكان الذين يشكلون 1 بالمائة من سكان امريكا  يشهد دخلهم نموا هائلا وتصل حصتهم الى 60 بالمائة من الخل القومي الامريكي بما يشي أن جشع الراسمالية لا يقف عند حدود معينه , وأن الاوليغارشية الماليه تستحوز على النسبة الاكبر من الدخل الامريكي , واذا اخذنا بعين الاعتبار بان الاقتصاد الامريكي لا يعتمد على الاقتصاد المحلي فحسب أنما يعتمد على اقتصاديات الدول الاخرى , وان أي ضعف في اقتصادياتها يعني ان الاقتصاد الامريكي سيعاني ايضا من الضعف والتباطؤ في مستقبل الايام .. وعليه فإن قوة الاقتصاد الامريكي ليست من المسلمات التاريخيه التي لا تهتز أمام التحولات في اقتصاديات العالم
أوليغارشيه القرن الحادي والعشرين وطموحاتها
إن غلاة الرأسماليه الاحتكاريه في الولايات المتحده ينظرون الى اهمية رسوخ الرأسمالية وهيمنتها في مستقبل امريكا ولا يكتفون بالهيمنة الحاليه على الاقتصاد العالمي بقدر ما يسعون الى ضمان الهيمنه المطلقه مستقبلا لتبقى امريكا العظمى , في ضؤ ذلك تقدم الاوليغارشية المالية الاقتصاديه في الولايات المتحده الى إعادة هيكلة الاقتصاد الامريكي بما يضمن تحديث الهيمنة الامريكيه عالميا ,  ففي مقابة للرئيس ترامب على شبكة فوكس نيوز مبررا تعريفاته الجمركية الفظه ” بالقول بأن ما يقوم به هو اعادة تشكيل الاقتصاد الامريكي بالكامل , وقد يكون هناك مرحلة انتقالية صعبه , ولكن ذلك ضروري لتحقيق المستقبل الاكثر ازدهارا ” والرئيس الامريكي ليس إلا واحدا من أهم الغلاة الرأسماليين وكذا فريقه في البيت الابيض أمثال الملياردير المتوحش ماسك الذ يقود وزارة الكفاءة الحكوميه والملياردير سكوت بيسنت الذي يشغل وزارة الخزانه الذي يملكون المليارات والعديد من الشركات الكبرى مثال شركة ” تسلا ”  و” سبيس إكس ” التي قلصت من دور الدوله العميقه لصالح هذه الفئة الاوليغارشيه  الماليه المتحكمه والحاكمه عبر زواج سياسي رأسمالي وأصبحت شريكا في صنع القرارات الاقتصاديه بما ينمي ويحقق مصالحها وهيمنتها على القرار السياسي ايضا . وكذلك الحال فإن ظهور الشركات التكنولوجية الكبرى والعملاقة أمثال شركة ” امازون ” و “غوغل ” وغيرها على المسرح الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي قد أدى الى احتكار التكنولوجيا وتنحية بعض القطاعات الاقتصادية  أو الشركات المتوسطه من تبوأ الهيمنه الاقتصاديه في عالم الاسواق وزاد من نفوذها السياسي واتفاقها مع التعريفات الجمركية التي تحقق قدرا من الحمائية للتكنولوجيا خاصتها واسواقها .
لقد قدم بعض المحللين إن هذة الفئة الراسمالية المتنفذه تدشن مرحلة جديدة انقلابيه على اسس النظام الراسمالي الامريكي التقليدي والذي يتمثل في مبدا ادم سميث “دعه يعمل دعه يمر ” وهذا يجافي الحقيقه فالراسماليه لا تخرج من جلدها ومن فرط مصالحها الخاصه ولا من تركيم ارباحها ولا من احتكارتها ونهبها لخيرات الشعوب , إنما هي تبدع في البحث عن انجع الوسائل لتحقيق مصالحها , وعليه فإن اجراءات ترامب وفريقه ليس إلا تعميقا للراسمالية الاحتكاريه وتسييدا للاولوغارشية المالية الحاكمة اليوم , عبر إجراءات حمائيه وضريبيه وعدوانيه على اقتصاديات دول العالم وفي المقدمة منها اقتصاد الصين العملاق الذي يتعاظم وينافس اليوم وغدا الاقتصاد الامريكي , هو ليس انقلابا على أسس الرأسمالية بقدر ما هو انقلابا على القوانين والاتفاقيات التجارية العالميه والتخلص من بعض القيود التي تفرضها منظمة التجارة الدوليه في سياق التعاملات التجارية الدوليه
هل يستطيع ترامب أن ينهي عصر العولمه ..؟؟
 والرأسماليه لا تتخلى عن وليدها الحلوب
لطالما تحدث ترامب عن كرهه للعولمه إنطلاقا من إيمانه بأن العولمة قد أضرت بالاقتصاد الامريكي أيما ضرر , وأنها أفسحت المجال لتعاظم اقتصاديات عالميه تحولت إلى منافس حقيقي لأقتصاد الولايات المتحده مما افقدها الرياده والهيمنه والسيطره , غير أن هذا الكراهيه  وهذا الايمان المسكون بحب السيطره لا ينطوي على فهم أعمق لسيرورة العولمه التي اجتاحت العالم طيلة نصف قرن تقريبا مخلفة بيئة عالميه ثقافيه واقتصاديه  واعلاميه واجتماعيه وأمنيه يصعب الارتداد عليها ,كونها ظاهرة موضوعية في مسارها مع تطور الرأسمالية الى أطوار متقدمه نحو نظام دولي رأسمالي اكتسب خصوصيات وملامح جديده , فهي لم تنشأ بقرار سياسي أو أقتصادي معزول عن تطور الرسماليه الموضوعي بل هي اختراع رأسمالي في سياق موضوعي , ولم تعد العولمة نشاط اقتصادي أو تجاري بقدر ما هي نظام كوكبي يشمل الاقتصاد والامن والاعلام والسياسه والسلوك الاجتماعي , كونها تحولت الى ظاهرة كليه بنيويه تغلغلت في ثقافات العالم  ودخلت في مسامات المجتمعات والشعوب المختلفه بصرف النظر عن ملامسة مخاطرها على الثقافات الوطنيه والهويات الثقافيه لهذه الدولة أو تلك .
وعلية لا يمكن لرئيس امريكا أو أي رئيس أو أي دولة بإمكانها أن تقضي أو تغادر فضاء العولمه بمجرد أخذها قرارات حمائية او تعريفات جمركيه لحماية اقتصادها وصناعاتها الوطنيه أو أن توقف تدفق رأس المال والسلع والخبرات والمعلومات والتكنولوجيا  والتبادل التجاري من مكان الى مكان , فحاجة الدولة الى العولمه تحولت الى حاجة وجوديه داخل  المسرح الاقليمي والدولي , سيما وأنها اصبحت صيغة متجدده من حياة الناس والامم والدول وفق نظام تواصلي معقد ومرغوب .
على هذا الاساس فإن القرارات الحمائية الامريكية المسقوفة بغايات سياسيه قد تحد من بعض الانشطة الاقتصادية وحرية التجارة لكنها لا تقضي عليها ولا تغادرها , حتى الدول الكارهة للعولمه ارتباطا من حرصها وتمسكها على هويتها الوطنيه وخصوصياتها الثقافيه والحضاريه ولغتها المحليه , مهما حاولت أن تنأى بنفسها عن مسار العولمه لن تستطيع صدها كليا كونها بحاجة الى الاندماج في اسواقها ومجالاتها , وكون العولمه تيار جارف لنهر متدفق يشق بتفرعاته مساحة الكرة الارضيه كلها بمهزل عن العوائق الوطنيه, وإلا ستبقى هذه الدول الكارهة للعولمه محاصرة وفاشله وعاجزة عن الاستفادة من افضليات العولمه  , وفي السياق فإن منظمة التجارة الجوليه وريثة ” منظمة القات ” قد فرضت قانونها واتفاقياتها مع الدول بضرورة عبور المنتجات والسلع والمعلومات وفتح الاسواق بحريه وانسياب طبيعي بأقل العوائق .
إن الفهم الاعمق والموضوعي للعقل الاقتصادي للرئيس ترامب وفريقه الرأسمالي يكسشف غريزته وطبيعته الرأسمالية الجشعة حيث يسعى بقرارته الى تجديد وتغيير في شروط العولمه بما يحقق لامريكا ألافضلية والفرص لتقوية اقتصادها وتبوأها الزعامة الاستراتيجسه  المطلقه اقتصاديا وسياسيا , ويمكن القول أن رؤية ترامب هي  “رؤية الامبرياليه للقرن الواحد والعشرين ” في سياق استراتيجية عولميه  رأسماليه بمقاييس امريكيه وقرارات حمائيه امريكيه داخليه , وبما لايسمح لأقتصاديات عالمية اخرى أن تنافس أو تتفوق على اقتصاد امريكا لا سيما وأن الصين الصاعده والاكثر استفادة من مفاعيل العولمه  ماثلة كخطر داهم في فضاء عالم الاقتصاد .
وومن دون شك فأن قرارات ترامب الجمركيه  ومحاولاته التحلل من العولمه ستفتح المجال  لمسار عولمي بين الدول الاخرى وآفاق جديده بين دول مختلفه عبر اتفاقات فيما بينها تمنح لبعضها معاملات تفضيليه وللشركات والمؤسسات الغير امريكيه , مما يضعف من تأثير وتداعيات قرارات ترامب الحمائيه على المستوى العالمي , ومن جهة اخرى فإن محاولة ترامب عل فك سلاسل التوريد العالميه والانتقال بها الى الولايات المتحده بالطريق التي يتصورها هي أمر في غاية الصعوبة في المدى المباشر بسبب تلك التكاليف  العاليه المترتبة على ذلك الانتقال وهي تكاليف فرط عاليه  وليس في قدرة بعض الشركات العولميه في المدى المباشر , ومثال ذلك ما أعلنته شركة أبل بأنها تحتاج الى استثمار  500 مليار دولار في الولايات المتحده في السنوات الاربعة القادمه كجزء من جهودها لتوسيع انتاجها ونقل البنية الصناعية التحتيه خارج الصين لتفادي الرسوم الجمركيه التي فرضها ترامب  , أي أن نقل البنية التحتيه الصناعيه الى موطنها الامريكي ستحتاج الى مبالغ طائله ومدى زمني ليس بالقليل , وأن عملية نقل  10 بالمائة من سلاسل التوريد والتوطين من جديد ستحتاج الى 30 مليار دولار بمباشرة بما يؤكد على صعوبة التحول والتوطين من جديد للصناعات والاستثمارات , ألامر الذي قد يشجع بعض الشركات الكبرى على قبول خيار التفاوض مع ترامب الرأسمالي وفريقه بإعتباره الاقل كلفة أو ضررا , وهذا ما دعى ترامب الى اعطاء فرصة تسعون يوما وتأجيل تنفيذ تلك التعريفات الجمركيه .
وعلى الرغم من الخسائر التي قد تتكبدها الصين المستهدفة اساسا من هذه التعريفات الجمركيه , إلا إنها لن تألو جهدا في استثمار هذه الفرصه في استخدام اسواقها لدى الاوربيين والدول الاسيويه مثال كوريا واليابان وغيرها من الدول الناميه بما يقلل من آثار هذه القرارات الترامبيه على اقتصادها.