على مرأى العالم.. التجويع الإسرائيلي يفتك بجسد الطفلة دانا

على مرأى العالم.. التجويع الإسرائيلي يفتك بجسد الطفلة دانا

 

غزة/جمعة يونس/ الأناضول
في خيمة مهترئة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تجلس الطفلة دانا الحاج إلى جانب والدتها على أرضية خرسانية مغطاة بحصير، في وضع صحي وإنساني مزر، بعدما دمر الجيش الإسرائيلي منزلهم خلال الإبادة الجماعية المستمرة منذ 19 شهراً.
دانا (11 عامًا) تعاني من إعاقة ذهنية وسوء تغذية حاد، وتظهر عليها مؤشرات علامات سوء التغذية وتدهور صحي متسارع نظرا لغياب الرعاية الطبية وانعدام الأمن الغذائي، نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من شهرين، وفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق.
بجسد نحيل جدا لا يكسوه سوى طبقة رقيقة من الجلد، تجسّد دانا معاناة آلاف الأطفال في غزة، حيث تجلس في صمت يقطعه أنين خافت بين الحين والآخر، غير قادرة على تناول الطعام رغم محاولات والدتها المستمرة لإطعامها مما توفر من طعام تقدمة التكيات.
تقول والدتها لمراسل الأناضول، وهي تمسك قدم طفلتها: “دانا كانت شبه طبيعية، لكن مع المجاعة وقلة الطعام تدهورت حالتها بشكل مخيف”.
تشير السيدة الفلسطينية إلى أن طفلتها تعاني من إعاقة، وأنها لا تميّز الأكل الذي يقدم لها، وأنها ترفض تناول الطعام المحفوظ في معلبات.
وتتابع قائلة: “عمرها 11 سنة، لكن حجمها لا يوحي بذلك”، مشيرةً إلى أن دانا تبكي طوال اليوم بسبب الجوع، وأنهم عاجزين عن توفير ما تحتاجه حالتها الصحية من طعام.
الأسرة نزحت من خانيونس بعد تدمير منزلها ولجأت إلى دير البلح لتعيش في خيمة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.
توضح الأم أن ابنتها بحاجة إلى رعاية طبية وتغذية خاصة، وأنها بحاجة إلى أنواع معينة من الفيتامينات، في ظل انقطاع كافة الإمدادات بسبب التجويع الممنهج الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين.
في دير البلح كما في باقي مناطق غزة، ينام الناس ويصحون على أمل وصول شاحنة مساعدات أو كيس طحين.
باتت الطوابير مشهدًا يوميًا أمام التكيات التي تقدم طعاماً بسيطاً، فيما الأمهات يجتهدن بموارد شحيحة لإطعام الأطفال وجبة واحدة يوميًا، بالكاد تكفي لسد الرمق.
** أزمة تفترش الأرض
حالة دانا تعكس ما يعيشه عشرات آلاف الأطفال الغزيين ممن حوّلتهم الحرب إلى هياكل عظمية تنتظر الغذاء والدواء والنجدة، تحت وطأة شح المواد الغذائية وغياب المساعدات.
وباتت الأطعمة المحفوظة بالمعلبات المصدر الرئيسي لغذاء العائلات، وهو ما لا يناسب الحالات الصحية الخاصة.
تتابع الأم بالحديث عن دانا: “من شدة الضعف لا تستطيع الوقوف، جسمها صار عظما. قبل الحرب أجرينا لها عملية في الدماغ وتحسنت (..) لكن الحرب والمجاعة قضيا على كل شي”.
وتضيف: “لا يوجد فواكه ولا خضروات، والدواء غالي وغير موجود. أصلا، نحن نحاول أن نعيش لكن الحياة أصعب من أي وقت”.
والاثنين، سجلت وزارة الصحة وفاة 57 طفلًا نتيجة سوء التغذية والمضاعفات الصحية، في ظل النقص الحاد في الحليب العلاجي، وخاصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقال مدير المستشفيات الميدانية بالوزارة مروان الهمص، إن “الاعتماد على وجبة واحدة غير مكتملة يوميًا سبب لكثير من الأطفال الهزال وسوء التغذية، بينما حُرموا من مياه الشرب الآمنة والغذاء الصحي نتيجة استهداف الاحتلال للبنية التحتية ومنع دخول المساعدات”.
ومنذ 2 مارس/ آذار أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
** دعوة للإنقاذ
وفي كل يوم جديد، تتقلص فرص النجاة للأطفال أمثال دانا. فالمجاعة لا تفرق بين مريض وسليم، ولا تترك مجالًا للعائلات لاختيار الطعام أو العلاج.
كثير من الأمهات مثل والدة دانا يعشن في قلق دائم، حيث يتحول الليل إلى كابوس من بكاء الأطفال الجائعين، والنهار إلى رحلة بحث مرهقة عن لقمة عيش مفقودة.
ووسط هذه المعاناة، ترفع والدة دانا صوتها برسالة أخيرة: “إحنا مش طالبين رفاهية، بس بدنا حياة كريمة لبنتي، بدها أكل طبيعي، بدها علاج، بدها رعاية”.
وتطلق الأم الحزينة مناشدة للعالم بفتح المعابر، من أجل إنقاذ حياة ابنتها قبل فوات الأوان، قائلة: “هي بحاجة ماسة للغذاء والعلاج، ولا نملك شيئًا لنقدمه لها”.
والسبت، أعربت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز عن حسرتها تجاه المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة بسبب سياسات التجويع الإسرائيلية، قائلة: “جوعكم عار علينا”.
وذكرت أنه بالتزامن مع مرور 60 يوما على قرار إسرائيل غلق كافة معابر القطاع ووقف دخول الإمدادات والمساعدات الغذائية، مستخدمة الغذاء كأحد أسلحة حرب الإبادة التي تشنها ضد غزة.
ومطلع مارس 2025 انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين “حماس” وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن إسرائيل تنصلت منه، واستأنفت الإبادة في 18 من ذات الشهر.
ويعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 19 شهرا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وتأتي هذه الأزمة الإنسانية في ظل نزوح أكثر من 90 بالمئة من فلسطينيي القطاع من منازلهم، بعضهم مر بهذه التجربة لأكثر من مرة، حيث يعيشون في ملاجئ مكتظة أو في العراء دون مأوى، ما زاد من تفشي الأمراض والأوبئة.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 172 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل.