سامر عبد الجبار المطلبي: الرئيس دونالد ترامب والنتائج السلبية لسياسته الاقتصادية

سامر عبد الجبار المطلبي: الرئيس دونالد ترامب والنتائج السلبية لسياسته الاقتصادية

 

سامر عبد الجبار المطلبي

المقدمة
سبق ان توقعنا  قيام الرئيس دونالد ترامب بإصدار سلسلة من القرارات الإدارية في مختلف مجالات الدولة الفيدرالية لكي تنسجم سياساته مع توصيات مؤسسة التراث. وفي هذا الصدد يمكن للقارئ الكريم مراجعة مقالي الموسوم ((الإطار الفكري للمرشح الجمهوري جي دي فانز)) و المنشور على صفحات هذا الموقع نفسه. وأساس ما جاء في توصيات مؤسسة التراث هو تقليص وإلغاء العديد من أقسام الدولة الفيدرالية، وهذا ما حدث بالفعل، فضلًا عن ذلك، فثمة جملة من الإجراءات التي تحقيق الأهداف السياسية  الخاصة باليمين المسيحي الجديد، أو كما اقترحت تسميته في مقالي السابق بالحركة الرجعية اليمينية الجديدة، وهي حركة تهدف إلى العودة إلى الفكر المحافظ القديم ، وإلغاء الكثير من منجزات الليبرالية الغربية المعاصرة، ليس على الصعيد الفردي فقط من قبيل إلغاء حق الإجهاض وعدم الاعتراف بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالمثليين وأمثالهم وانما تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ، إذ ترفض أفكارا اقتصادية تقليدية مثل التجارة الحرة ومبدا تقسيم العمل الدولي.

التجارة العالمية و التعريفات الجمركية:

تحت ظلال النظرية الاقتصادية الغربية التقليدية التي أنشأتها تمثلت مصالح الدول الصناعية الغربية وخاصة المملكة البريطانية المتحدة، وأوربا الغربية، ومنذ أن نشر آدم سميث كتابه الشهير ثروة الأمم عام 1776 وهو الكتاب الذي أشار فيه إلى أهمية حرية الأسواق ومبدأ تقسيم العمل، والعالم الغربي يتفاخر بمزايا حرية التجارة ومبدأ تقسيم العمل الدولي، وطالما بقيت الدول الأخرى متخلفة اقتصاديا تأكدت عند الدول الغربية فوائد ومزايا حرية التجارة، وتقسيم العمل على جميع اللاعبين في الأسواق العالمية، وأسست لهذا الاعتيار مؤسسات عالمية تشرف على حركة التجارة العالمية، واهمها  منظمة التجارة العالمية، وعند الرجوع لحقبة ما بين الحربين العالميتين، وخاصة بعد عام 1929 حين دخل العالم الصناعي الغربي في حالة من الركود الاقتصادي الذي شمل طرفي المحيط الاطلسي أوربا وأمريكا على حد سواء، وسميت تلك الحقبة بحقبة الكساد العظيم، وهنا يذكر  الاقتصاديون أن أحد الأسباب الرئيسة لانتقال الكساد الاقتصادي من دولة لأخرى هو قيام هذه الدول بفرض تعريفات جمركية على وارداتها من الدول الصناعية الأخرى؛ لغرض تقليل الاستيراد، وتشجيع الصناعة المحلية الأمر الذى جعل الكساد الاقتصأدى ينتقل من دولة لأخرى بحيث أصبح الكساد الاقتصادي ظاهرة عالمية، ومن ثم اطلق عليه اسم الكساد العظيم. وقد تضررت جميع الدول بهذا الكساد، وكان قاسيا على الأنظمة السياسية إذ انتشرت البطالة انتشارا واسعا، وارتفعت الأسعار بنسب لم تشهدها من قبل، الأمر الذي هدد سلامة الأنظمة السياسية الغربية،ونشأت عن  هذه الظروف الاستثنائية بطبيعة الحال حركات سياسية يمينية متطرفة مثل  الفاشستية في ايطاليا و النازية في ألمانيا، ولم يكن هناك منفذ للخروج من هذه الأزمة الكارثية غير إعلان بريطانية الحرب على ألمانيا وبدء الحرب العالمية الثانية، وهناك الكثير من الاقتصاديين الذي يعزون جنوح الدول الصناعية لدخول الحرب العالمية الثانية إنما كان نتيجة مباشرة لإخفاق النظرية الاقتصادية التقليدية في العثورعلى مخرج من الكساد العظيم وتخوفهم من شبح الشيوعية، وفي الحقيقة كانت نصائح الاقتصاديين المبنية على النظرية الاقتصادية التقليدية هي السبب المباشر لانتشار الكساد عبر الحدود، وتحوله لأزمة عالمية وذلك من خلال نصيحتين أساسيتين أولاهما: ضرورة تقليل الإنفاق العام ،وثانيتهما: فرض رسوم جمركية على الواردات من أجل تشجيع الانتاج المحلي.وقد ادت هاتين النصيحتين لتفاقم الأزمة الاقتصادية داخل البلد الوأحد بسبب تقليص الإنفاق العام من جهة وانتقال الأزمة الاقتصادية لبقية الدول من خلال الرسوم الجمركية من الجهة الأخرى

ظاهرة التضخم الركودي

شهدت حقبة السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم ارتفاعا ملحوظا بالأسعار مصحوبا بانخفاض مستوى النشاط الاقتصأدى العام،  ومثل هذه الظاهرة الاقتصادية لا تنسجم مع ما تنص عليه النظرية الاقتصادية . ذلك أن ارتفاع الأسعار يكون نتيجة حتمية لزيادة النشاط الاقتصادي، و ليس العكس، ومن ثم ظهر تعريف اقتصأدى جديد يجمع بين ظاهرة التضخم الاقتصادي من جهة والركود الاقتصأدى  من جهة أخرى ،وقد سميت هذه الظاهرة بالتخضم الركودي – أو الركود التضخمي،  ونظرة تاريخية على الأحداث المؤدية لظاهرة التضخم الركودي توضح أن ارتفاع أسعار النفط الخام المفاجئ والحاد يقف وراء ارتفاع مستولى التكاليف العام والذي كان مصحوبا بانخفاض عام في مستوى النشاط الاقتصأدى، فضلًا عن ذلك نجد أن تكاليف تمويل الحرب الفيتنامية أدت إلى زيادة كبيرة في عرض النقد، وفي الحقيقة فان ظاهرة التضخم الركودي ادت لإسقاط الرئيس الأمريكي جيمي فورد ،وكذلك الرئيس جيمي كارتر، وكان الرئيس روناد ريغين قد اضطر إلى مواجهتها مواجهة مباشرة، أما في بريطانيا فقد وضعت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر جهدا في مواجهة هذه الظاهرة  الخطيرة سياسيا، وكان أن سميت مجموعة الإجراءات الاقتصادية التي تبناها الرئيس رونالد ريغن لمواجهة ظاهرة التضخم الركودي بالروغانية من جهة وسميت مجموعة السياسات التي تبنتها رئيسة وزراء بريطانيا بالثاتشرية من الجهة الأخرى.
والسؤال الذي يقدم نفسه في هذا المجال هو ما هي هذه المتغيرات الاقتصادية التي مثلت تحديا رئيسًا زمن ظاهرة التضخم الركودي؟ إن من الممكن تلخيص هذه المتغيرات بالآتي: ارتفاع مستمر بالأسعار بأكثر من 10% مصحوبا بانخفاض في النشاط الاقتصأدى مسببا ارتفاع عال في معدلات البطالة مصحوبا بارتفاع معدلات الفائدة مع فشل ذريع في الإجراءات الحكومية الهادفة لمواجهة هذه المتغيرات، وفي الحقيقة أن الإجراءات الحكومية قد أدت إلى زيادة الطين بة، وزادت في تعقيد الأزمة.
ا بيد أن بإمكاننا أن نقول إن ثمة فرقا كبيرا عند مقارنة الوضع الحإلى للرئيس دونالد ترامب مع كل من الرؤساء السابقين مثل الرئيس نيكسون أو الرئيس  فورد أو الرئيس كارتر أو ريغان، إذ نجد ان الرئيس دونالد ترامب في وضعٍ أشد سوءًا، وفي الحقيقة فان ما جعل الرؤساء السابقين مثل الرئيس نيكسون و فورد وكارتر وريغان متشابهين هو أن ظاهرة التضخم الركودي كانت مشكلةً مفروضة عليهم، ولم تكن نتيجة خطأ في سياساتهم الاقتصادية، والسبب يعود  إلى كونها نتيجة عوامل خارجية أو هيكلية، و لم يكن لديهم القدرة الكافية للسيطرة عليها، و من ناحيةٍ أخرى، فإن أزمة التضخم الركودي الوشيكة الحدوث اليوم هذه التي يواجهها الرئيس دونالد ترامب هي من صنع يديه ونتيجة مباشرة من نتائج  سياسته الإدارية و التجارية.
وكما يعلم الجميع فقد اصدر الرئيس دونالد ترامب العديد من القرارات الإدارية الرئاسية تتلخص في فرض  تعريفات جمركية شملت جميع الدول وصاحب هذه الإجراءات بقرارات أدت إلى تقليص القوى العاملة في الإدارات الفيدرالية العامة – وشملت هذه الإجراءات تقليص القوى العاملة في قطاعات أخرى مثل الصحة والعلوم والخدمات الاجتماعية، وفي الحقيقة لم تقتصر اجراءات الرئيس دونالد ترمب على تقليص القوى العاملة بل تعدى ذلك إلى تقليص التمويل والذي شمل مراكز البحوث العلمية والجامعات وتمويل مؤسسات أخرى بشكل كبير جدا – وتؤدى هذه السياسات بجملتها إلى  زيادة مستوى تكاليف الإنتاج و المستوى العام لأسعار المستهلك على نحو مباشر، الأمر الذي  يُفاقم من ظاهرة التضخم و يحدد من هامش مرونة  مجلس الاحتياطي الفيدرالي على تخفيض أسعار الفائدة المرتفعة، وتؤدى بطبيعة الحال هذه الظروف إلى خلق حالة من الغموض وعدم اليقين نحو المستقبل الأمر الذى يؤدى لتاجيل قرارات الاستثمارالمهمة حيث لا يمكن للشركات الاستثمارية ان تتخذ قرارات استثمارية ضخمة عندما تسود حالة من الغموض وعدم الاستقرار. اضافة لذك نجد ان قرارت الاستيراد ستتاثر كثيرا على نحو سلبي مما  يُعيق النمو الاقتصادي الأمر الذى  يُهيئ الظروف لارتفاع معدلات البطالة، وكما سبق أن ذكرنا فان ارتفاع معدلات البطالة المصحوب بارتفاع الأسعار مع انخفاض في النشاط الاقتصأدى يذكرنا بالظروف التي ساءت في عقد السبعينيات من القرن المنصرم تلك التي تعرف بظاهرة التضخم الركودي.

ومن أجل التعمق بالموضوع فإنني سأتطرق على نحو مقتضب بالظروف الاقتصادية التي تلت الحرب العالمية الثانية.

اتسمت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة بازدهار اقتصأدى؛ إذ سجل الاقتصاد الأمريكي نموا اقتصاديا سنويا متينا ومستمرا مصحوبا بانخفاص المستوى العام للأسعار إضافة  إلى انخفاض معدلات الفائدة، واستمر الاقتصاد بالتوسع مدفوعا بارتفاع مستمر بمستويات انفاق المستهلك وزيادة ملحوظة بالتقدم التكنولوجي من جهة ، تبنت الحكومة الفيدرالية ضخ استثمارات كبيرة  في البنية التحتية للاقتصاد الأمريكي من جهة أخرى، وعلى الرغم من هذه الاستثمارات الضخمة تمكن الاقتصاد الأمريكي من المحافظة على مستوى أسعار ثابت ، فنجد أنه خلال الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم تراوح مستوى ارتفاع الأسعار بمتوسط  ​بين 1% و3% سنويا فقط، وفي الوقت نفسه حافظت أسعار الفائدة على مستويات منخفضة الأمر الذى مكن الأسر الأمريكية من شراء منازل سكنية، ويمكن القول إن الطبقة الأمريكية الوسطى شهدت  في تلك الحقبة ازدهارا اقتصاديا غير مسبوق.
وفي أواخر عقد الستينيات وبداية السبعينيات من القرن المنصرم تغيرت الصورة رأسا على عقب، فقد انتهت حقبة الازدهار الاقتصأدى نتيجة تفاعل مزيج من الإنفاق الفيدرالي العالي وصدمات ارتفاع أسعار النفط  ومصاحبة هذه المتغيرات تبني الحكومة الفيدرالية  سياسات اقتصادية خطأ. ونتيجة هذه العوامل مجتمعة ارتفعت الأسعار على نحو عال فضلًا عن ارتفاع معدلات الفائدة، ويمكن القول إن أحد الأسباب  في ارتفاع المستوى العام للأسعار والذى يعرف بالتضخم يعود إلى الزيادة الكبيرة في الاانفاق الحكومى  الفيدرالي بسبب الحاجة لتمويل الحرب الفيتنامية؛ فنجد أن الإنفاق الفيدرالي بين عامي 1965 وعام 1968 قد ارتفع بنسبة 60% ؛ فأدى هذا الارتفاع الضخم في الإنفاق الفيدرالي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار فأدت زيادة الإنفاق الحكومى إلى تضخم عال في الاقتصاد ،الأمر الذى أدى إلى إنخفاض معدل البطالة وظهور شحة في سوق العمل من ثم ارتفعت الاجور، وكان هذا نتيجة حتمية لشحة الفائض في سوق العمل، وأمام هذه التطورات حاول الرئيس جونسون مواجهة الأمر بقيامه بفرض ضريبة إضافية قدرها 10% من أجل سحب بعض السيولة من الاقتصاد، ومحاولة لخفض الطلب الكلي، إلا أن سياسته هذه لم تحقق أهدافها.
وفي الحقيقة كانت هناك سلسلة من العوامل التى بمجملها قادت إلى ارتفاع حاد في الأسعار، ففي عقد السبعينيات أصابت الاقتصاد العالمي سلسلة من  الصدمات من جانب العرض، وخاصة في قطاع الطاقة والغذاء. ففي قطاع الغذاء كان قرار الرئيس نكسون بتمديد الائتمان للاتحاد السوفيتي لشراء الحبوب الأمريكية مصحوبا بضعف إنتاج المحاصيل الزراعية وخاصة الحبوب في أوربا الشرقية إلى استنفاد احتياطيات الحبوب المحلية مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية. وفي عام 1973 ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 30% وقفز سعر اللحوم بنسبة 75% خلال ثلاثة اشهر فقط. ومن الجانب الآخر نجد أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب اكتوبر عام 1973 أدى  إلى قرار أوبك بفرض حظر نفطى فأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 400% مع نقص شديد في عرض الوقود، تضاف إلى كل ذلك السياسات الاقتصادية للرئيس نكسون؛ إذ حاول الرئيس نكسون المحافظة على ميزانية تحقق التوظيف الكامل – أي ميزانية عجز – إلى جانب السياسات النقدية التوسعية للاحتياطى الفيدرالي،  أدت جميع هذه العوامل مجتمعة إلى زيادة شديدة في النشاط الاقتصادي، ونجد في الوقت نفسه تغيرا هيكيليا في القاعدة الصناعية الأمريكية التي كانت تشهد توسعا مستمرا في طاقتها الانتاجية، وفجاة بدأت بالتراجع المخيف. وهنا علينا أن نتذكر أن النظرية الاقتصادية وحتى مطلع السبعينيات لم تكن تفترض إمكانية حدوث تضخم مع ارتفاع في البطالة ؛ إذ افترضت وجود علاقة عكسية بينهما، وهذا ما فاجأ الاقتصاديين وفاجأ النظرية الاقتصادية نفسها.
واجه الرؤساءالأمريكيون المتعاقبون أزمة التضخم الركودي،  وحاول كل منهم معالجة الأزمة بطريقته الخاصة.  وقد شاهد كل منهم فشل سياسته في معالجة جذور الأزمة، ولم يقتصر الأمر على ذلك حسب ؛ إذ ارتدت سياسته عليه،  وكانت لها نتائج سياسة سلبية.
أولا : الرئيس ريتشارد نيكسون، حاول الرئيس نيكسون كبح جماح التضخم من خلال الحفاظ على ميزانية متوازنة من جانب، وطلب من الاحتياطي الفيدرالي الحد من نمو السيولة النقدية من الجانب الاخر.إلا انه فشل في إدراك تأثير صدمات العرض – مثل أزمة النفط عام ١٩٧٣ – في الاقتصاد وتجاهله الأسباب الهيكلية لتراجع القاعدة الصناعية الأمريكية، الأمر الذي جعل هذا النهج غير فعال، فشهدت أمريكا في زمنه ارتفاعًا مستمرًا في معدلات البطالة مصحوبا بارتفاع  مستمر بمستوى الأسعار العام.
ثانيا: الرئيس جيرالد فورد، أطلق الرئيس فورد حملته الشهيرة “كبح التضخم الآن”، و تتلخص هذه السياسة في زيادة  ضريبية من جهة، وتخفيض متعدد في الميزانية العامة  من جهة أخرى، والغرض من هذه السياسة كان محاولة لتقليل الطلب الكلي من أجل أن يخلق ضغطا على الأسعار نحو الاسفل . إلا أن سياسته هذه فشلت واستمر الاقتصاد بالتدهور.
   وقد لاقت حملته “كبح التضخم الآن”، تلك التي شجعت على التضحية الشخصية للحد من التضخم، سخرية واسعة النطاق، و في نهاية المطاف اضطر الرئيس فورد لتغيير مسار سياسته تحت ضغط من الكونغرس، وانتقل إلى تخفيض ضريبي من أجل تحفيز الاقتصاد، إلا أن هذه السياسة مثل سابقتها فشلت في التقليل من مستوى التضخم ولم تُحفّز الاقتصاد على النمو
ثالثا :الرئيس جيمي كارتر، ركّزالرئيس جيمي كارتر جهوده في خفض العجز في الموازنة الاتحادية، وفي الوقت نفسه حاول إدارة تكاليف فاتورة النفط الخام المتزايدة ، وتعارضت جهوده لخفض الإنفاق العام وفرض ضوابط مالية أكثر صرامة مع الدعوات إلى زيادة التدخل الحكومي بسبب تفاقم أزمة التضخم الركودي، كما قدم سياسة طاقة طموحة تهدف إلى خفض الاستهلاك وتعزيز الحفاظ على الطاقة، إلا أن الكونغرس وقف ضدها  بسبب المعارضة الشعبية. وعلى الرغم من نواياه في محاربة التضخم الركودي فقد انتهى به الأمر  إلى تخفيض الضرائب على أرباح رأس المال بدلاً من زيادتها – محاولا تحفيز الاستثمار-؛ مما أدى إلى تفاقم العجزالعام في الميزانية دون قصد.وفي الحقيقة فإن الأمر الأكثر أهمية هو فشله في معالجة القضايا الهيكلية الأعمق في الصناعة الأمريكية، مثل الانتقال من اقتصاد التصنيع إلى اقتصاد الخدمات.
وفيما يخص الرئيس نكسون فقد طغت فضيحة ووترغيت على المسائل الاقتصادية، وادت إلى استقالته قبل أن يعلن الكونكرس الأمريكي سحب الثقة منه عام 1974، وعلى العكس من ذلك فقد عانى كل من الرئيس جيرالد فورد والرئيس جيمي كارتر  انخفاضا مزمنا في نسب التأييد لهما حسب استطلاعات الرأي، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أزمة التضخم الركودي. حيث نجد ان شعبية الرئيس فورد وصلت إلى أدنى مستوياتها عند 36% في مارس 1975، بينما هبطت شعبية الرئيس جيمي كارتر إلى 28% في يوليو من عام 1979، بالتزامن مع تفاقم أزمة التضخم الركودي – ارتفاع معدلات التضخم ومع ارتفاع في نسب البطالة.
رابعا : الرئيس رونالد ريغن ، خلال السنوات الأولى من رئاسة الرئيس رونالد ريغان طبقت إدارته سياسة اقتصادية صارمة عرفت بعدئذ باسم( الريغانية)، وتتلخص بالإجراءات الآتية، اتخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي  إجراءات صارمة لمكافحة التضخم المرتفع الذي عانى منه الاقتصاد الأمريكى طوال سبعينيات القرن الماضي, وذلك من خلال  سياسة نقدية متشددة، تم بموجبها رفع أسعار الفائدة على نحو كبيرحتى وصلت إلى مستوى 20% بحلول عام ، .وقد نجحت هذه السياسة المتشددة في السيطرة على التضخم، إلا أنها وعلى المدى القصير تسببت في معاناة اقتصادية شديدة. فقد تسببت هذه الاستراتيجية في خلق ركود اقتصادي حاد شبيه بالركود الاقتصأدى زمن الكساد العظيم خلال ثلاثينيات القرن الماضي؛ إذ ارتفعت معدلات البطالة إلى أكثر من 10%، وعانت الشركات من ارتفاع تكاليف الاقتراض، مما أدى إلى حالات إفلاس واسعة النطاق واستياء شعبي عام. لقد كان الانكماش الاقتصادي حادًا جدا  لدرجة أن شعبية الرئيس رونالد ريغان انخفضت انخفاضًا كبيرًا، وبحلول انتخابات التجديد النصفي لعام 1982، تكبد الحزب الجمهورى خسائر فادحة في الكونغرس. مما أدى إلى قيام الكثير من المراقبين السياسيين بالتكهن بانه في حالة استمرار حالة الضيق الاقتصادي هذه فإن حظوظ إعادة انتخاب الرئيس رونالد ريغن لولاية ثانية قد تتضاءل، الا ان سياسته المتشددة هذه حققت نتائج جيدة إذ انتعش الاقتصاد الأمريكي وقلت معدلات البطالة ، فضلًا عن انخفاض التضخم بصورة كبيرة ،الأمر الذى أدى إلى قيام الإدارة الأمريكية بتخفيض الضرائب، الأمر الذي عزز في نهاية المطاف من فرص إعادة انتخاب ريغان في عام 1984 لولاية ثانية.

 مارغريت ثاتشر والتضخم الركودي:

على إثر انتشار ظاهرة التضخم الركودي عالميا، فازت مارغريت ثاتشر في الانتخابات العامة في بريطانيا لعام 1979 بعد أن تمكنت من هزيمة حزب العمال البريطاني، وكما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد واجهت بريطانيا مشكلة التضخم الركودي ، وهي المشكلة التي أدت إلى إسقاط حكومة العمال، وقد تعهدت رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر بأنها سوف تعالج هذه المشكلة، وتقضي عليها، ولهذا السبب فقد تبنت حزمة من الإجراءات الاقتصادية الصارمة  ، تلك التي عرفت ( بالسياسة الثاتشرية )، وهذا الأمر مشابه لما حدث في الولايات المتحدة مع حزمة الإجراءات زمن الرئيس ريغان ، تلك التي عرفت ( بالريغانية).
والثاتشرية هي نهج اقتصادي وسياسي ارتبط ارتباطا وثيقا برئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر حيث، تركزت هذه السياسة على تعزيز الأسواق الحرة، و تقليل التدخل الحكومي، وخصخصة الصناعات الوطنية من جهة، و شملت كذلك تقليص الإنفاق العام، وتخفيض الضرائب، وتقييد قوة النقابات العمالية من الجهة الأخرى،والهدف من هذه السياسة هو تخفيض التضخم و تحفيز الاقتصاد على النمو، ولذلك ركزت على المتغيرين الاثنين الرئيسين وهما التضخم والنمو الاقتصأدى. ومع أن سياسة مارغريت ثاتشر نجحت في تحقيق أهدافها الاقتصادية إلا أنها بصفتها ممثلة لحزب المحافظين – وهو حزب يميني كما هو معروف – فقد دفعت الطبقات العاملة فاتورة هذه السياسة فضلًا عن الخدمات العامة بسبب ارتفاع معدلات البطالة . وقد كان نجاح ثاتشر في محاربة التضخم الركودي السبب الرئيس في إعادة انتخابها عام 1984، و قد تمكنت مارغريت ثاتشرمن الفوز بالانتخابات العامة عام 1987 ، كذلك نتيجة استمرار الانخفاض في التضخم، وظلت في منصبها حتى عام 1990 – إن علينا أن نضيف حقيقة أن ثاتشر كان لها دور حازم في حرب جزر الفوكلاند ، وظهرت بصفة قائد حازم مما ساعدها في الفوز بالانتخابات العامة.
الرئيس دونالد ترامب ونتائج فرض الرسوم الجمركية:

من المتوقع أن تؤدي سياسات الرئيس ترامب الاقتصادية، وخاصةً فرض تعريفات جمركية شاملة وصارمة –  التي ستؤثر حتى على أهم شركاء أمريكا التجاريين – مثل الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي – إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار المستهلك، وفي الوقت نفسه ستؤدى الإجراءات الانتقامية من الدول المتضررة إلى خفض ملحوظ في الصادرات الأمريكية، مما يؤثر سلبًا على التصنيع المحلي، ويؤدي إلى فقدان الوظائف وانخفاض في النشاط الاقتصادي العام ، و من المتوقع أن تؤدي سياسات الهجرة الصارمة التي تنتهجها الإدارة إلى المزيد من نقص العمالة في قطاعات حيوية مثل الزراعة وتجهيز الأغذية والبناء، الأمر الذى سيزيد من الضغط على الأجور وتكاليف الإنتاج، ويؤدي أيضًا إلى زيادة التضخم،  وقد تؤدي جميع هذه السياسات إلى تعطيل عمليات الاستيراد والإنتاج، إلى نقص في المواد الأساسية.
    في الحقيقة فإن التأثير سيكون أكثر عمقا في الاقتصاد الأمريكي؛ مما ذكرناه آنفًا. ذلك ان إجراءات الرئيس دونالد ترامب تمثل صدمة للاقتصاد العالمي  مشابهة للأزمة المالية العالمية خلال عامي 2008-2009 ، وهي كذلك مشابهة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن انتشار فايروس كورونا.
    لناخذ نظرة سريعة على أرقام التجارة الأمريكية، لقد استوردت الولايات المتحدة  سلعا بقيمة 3,3 تريليون دولار عام 2024، وإن افترضنا أن متوسط ​​الرسوم الجمركية الجديدة كان بنسبة 29%،  فإنه سيتعين على المستوردين الأمريكيين دفع حوالي تريليون دولار من الرسوم الجمركية سنويًا للحكومة الأمريكية، وفي الواقع ان هذا لن يحدث إذ إن فرض رسوم جمركية بهذه النسبة سيؤدى إلى ارتفاع أسعارها للمستهلك النهائي من ثم  التوقف في استيرادها ، وسيتوقف  الطلب عليها أو ينخفض انخفاضا شديدا، وهذا سيؤدى إلى ظهور نقص حاد في المعروض وارتفاع شديد بالأسعار ، ولن يكون هناك إنتاج محلي لكي يعوض هذا النقص، وسيكون تأثير ذلك شديدا في محرك رئيس في التجارة العالمية ، إذ  تعتمد دول كثيرة على التصدير مثل ألمانيا والصين. وقد يمثل بداية لانخفاض الانتاج الصناعي في هذه الدول تمهيدا لبداية حالة من الكساد في النشاط الاقتصأدى وهذا سيحفز هذه الدول لاتخاذ اجراءات انتقامية ضد الصادرات الأمريكية من السلع الصناعية ، تلك التي بلغت العام السابق 1,2 تريليون دولار امريكي فضلًا عن 1,1 تريليون من الخدمات، واذا ادت الإجراءات الانتقامية إلى توقف أو انخفاض في الصادرات الأمريكية إلى الأسواق العالمية فستخلق هذه الحالة انخفاضا ملحوظا في الانتاج الاقتصأدى الأمريكي من ثم ارتفاع ملحوظ في مستويات البطالة الأمريكية وركودا اقتصاديا عاما. وستكون لهذه النتيجة ردود فعلها السياسية على الرئيس دونالد ترمب وفريقه من المستشارين وعلى شعبيته وحظوظه في ولاية ثالثة – حسب قوله
واخيرا يتوقع  بنك جي بي مورغان العالمي أن نسبة احتمال حدوث ركود عالمي هذا العام تبلغ  40% في حالة ذهاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإصراره على تنفيذ سياسة فرض الرسوم الجمركية على جميع دول العالم ، وهنا يكمن السؤال هل ستؤدى سياسة الرئيس دونالد ترامب في فرض الرسوم الجمركية  إلى فشل اقتصادي مخيف ينتهي هو أيضًا بفشل سياسي كبير ونهاية لليمين المسيحي الجديد؟