التهديد الإسرائيلي القادم للشرق لم يعد سرا!

زهير الشرمان
مازالت إسرائيل بدعم أمريكي غير محدود تواصل فرض أجندتها التوسعية في المنطقة دون أي رادع متجاوزة كل الخطوط الحمراء، فالحرب على غزة ليست سوى رأس جبل الجليد في مشروع إسرائيلي يسعى إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي من خلال تهديد مصالح الدول الكبرى وإضعاف مواقفها الاستراتيجية ،ولذلك بدأت العواصم الإقليمية الكبرى تدرك أن التعامل مع إسرائيل وفق الحسابات الضيقة لم يعد كافيا،خاصة في ظل تصاعد الخطاب الإسرائيلي المتطرف الذي تجسده حكومة نتنياهو برؤية صريحة لـ”إسرائيل الكبرى”.
على مدار عقود تتعامل إسرائيل مع المنطقة بعقلية القوة المطلقة مدعومة بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة،هذه العلاقة منحتها حصانة ضد المحاسبة الدولية كما ظهر في استخدام الفيتو الأمريكي المتكرر في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من أي قرارات دولية رادعة،بل امتد ليشمل دولا عربية محورية عبر سياسات ممنهجة تعتمد على التشكيك في قدرات الجيوش العربية كما حدث عندما تسربت تقارير إسرائيلية تشكك في جاهزية الجيش المصري في محاولة لزعزعة الثقة في أحد أركان الأمن القومي العربي،او التدخل في الشؤون الداخليةللدول مثل الاقتراح الإسرائيلي للسعودية بمطالبتها باقتطاع أراض من صحرائها لإقامة دولة فلسطينية، والذي يُعتبر انتهاكا صريحا للسيادة وفرضا لأجندة خارجية، أما في سوريا فإن إسرائيل لم تتوقف عن محاولة تحديد دور تركيا في المنطقة باستخدام القوة العسكرية، بينما تستعد لضربة عسكرية كبرى ضد إيران مما قد يؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة ويفتح الابواب أمام حرب أوسع في المنطقة.
اما التحول الاستراتيجي الذي تقوده إسرائيل في المنطقة يهدف إلى فرض هيمنتها الكاملة مدعومة بالقوة العسكرية خاصة من خلال الدعم الأمريكي الذي يعد الراعي الرسمي الأول لهذا التوسع، مما يضع القوى الإقليمية الكبرى أمام تحديات تستدعي التنسيق العاجل والفعال لحماية مصالحها والحفاظ على التوازن الإقليمي قبل فوات الأوان ،من جهة أخرى لا تقتصر سياسات الولايات المتحدة على تقديم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل فقط، بل تشمل أيضا نسج تحالفات مع بعض الدول الإقليمية التي تتماشى مع مصالحها الاستراتيجية، وفي المقابل تواصل واشنطن تشديد موقفها تجاه أي طرف يحاول الخروج عن نهجها مما يثير تساؤلات حول مدى جدوى الاعتماد على الولايات المتحدة في رسم مستقبل آمن للمنطقة.
في ظل هذه التحولات يبدو أن الحل الأنسب قد يكمن في تأسيس تحالف إقليمي على غرار حلف الناتو (ناتو شرق اوسطي) يهدف إلى ضمان توازن الردع في المنطقة، هذا التحالف لا يستهدف قوة بعينها، بل يسعى إلى حماية المصالح المشتركة وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ويشمل هذا التحالف المحتمل دولا محورية مثل مصر وتركيا وإيران والسعودية (في حال حُلت الخلافات)وغيرها من الدول ، مع التطلع إلى زيادة التنسيق بين هذه الدول لمواجهة التهديدات الإقليمية المتزايدة وفي مقدمتها التوسع الإسرائيلي الذي بدأ يتجاوز حدود فلسطين ليشمل إعادة رسم موازين القوى في المنطقة.
لم يعد ممكنا للمنطقة الاستمرار في سياسة رد الفعل تجاه التحديات المتزايدة، لانه بات من الضروري اتخاذ خطوات استباقية لحماية المصالح القومية للدول المحورية. التحديات الإسرائيلية تجاوزت حدود الصراع السياسي وتحولت إلى مشروع هيمنة واضح يعتمد على القوة العسكرية والضغط الدبلوماسي، تجاهل هذا التهديد أو محاولة احتوائه باستخدام الأساليب التقليدية لم يعد خيارا مجديا في ظل المعطيات الراهنة.
الوقت يضيق وإذا لم تبادر القوى الإقليمية بسرعة لتوحيد جهودها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، فقد تجد نفسها مستهدفة واحدة تلو الأخرى، إسرائيل وحدها وداعموها الرسميين هم من يعرفون من هو التالي على جدول المواعيد! فأصبح بناء تحالف دفاعي قوي ضرورة استراتيجية وليس مجرد خيار سياسي تفرضه معادلات الواقع ،فهل ستتحرك العواصم الكبرى قبل فوات الأوان؟
كاتب اردني