نزار القريشي: قصة: المغرب 1984

نزار القريشي: قصة: المغرب 1984

 

نزار القريشي

 

بينما يلعب علي الكرة في حارة اليهود بمدينة تطوان، سمع شخصا يهتف:
–      الإضراب، غنعملو الإضراب، المسيرة قادمة من ثانوية الشريف الادريسي والقاضي عياض و جابر بن حيان.
يواصل علي حلم أخذ الكرة من بين أقدام أصدقائه في الحي، دون أن يعير أي انتباه لما سمعه عن الإضراب.
– اضرب، اضرب، اضرب الكرة آصاحبي.
لم يكن علي يتصور أن تتحول كل الحواري إلى معابر مغلقة. وبعد لحظات بدأت الشعارات تتعالى في الأزقة والدروب.
آلاف من المواطنين يتجمهرون هنا وهناك:
-كيف اليوم كيف غدا، والإضراب و لابد.
تهتف جماعة أخرى:
–      حكومة المعطي، ما عندها ماتعطي.
–      البوطاغاز بخمسة وسبعين، وبابا رجل مسكين.
رأى علي الحناجر تصدح ، والهتاف يلتف في موجات تتصاعد ، و يلمح جيشا من الطلبة تكاثروا مثل النمل، بل إنه يرى غضبا يتحرك.

في شتاء 1984، كانت أوضاع هؤلاء وهؤلاء قد بلغت منتهى المرارة و الاستياء. أجور هزيلة، وأسعار ملتهبة، بعدما قررت الحكومة إلغاء دعم الدولة للمواد الغذائية الأساسية. لهيب الأسعار لا بد سيشتعل في كل المدينة، تطوان على أهبة الانفجار، وهي تعلق سؤالها على أسوارها العالية: ترى من يلعب بالنار؟

جاء الأمر من الرباط . غدا سيطلقون الرصاص على المتظاهرين. بدأت الأخبار تنتشر بين الناس وتطرق آذانهم.الجيش سينزل إلى الميدان. بل هذا المساء، الدبابات أكملت انتشارها عند تقاطع شوارع المدينة .

نام علي، ورأى في منامه كابوسا عبارة عن معركة بين جيشين. كانت المعركة غير متكافئة.
في الصباح، استيقظ علي على طلقات الرصاص. من النافذة يظهر شخص ملقى على الأرض، في بطنه جرح مفتوح وعميق، خرجت منها أمعاؤه. يستنجد بالبشير، صاحب الدكان الذي خرج للتو من المسجد. الجريح يستنجد بالبشير وهو يتألم. البشير يقترب منه لإنقاذه
–      تمسك بي، تمسك…
يسحب البشير ذلك الجريح، تاركا وراءه ساقية من الدم. يتقدم به نحو جندي لإسعافه. يخطوان خطوات ثقيلة، يكادان يسقطان. يتجاوزان حي الملاح نحو شارع المصلى.
 من زاوية بساحة الفدان، يصوب جندي بندقيته، يمعن في التسديد، يضغط على الزناد، يتردد صدى الرصاصة في السماء، تصيب الرصاصة جسد البشير. يسقط الاثنان على الأرض.
بعد قتل العشرات واعتقال المئات واختفاء من لم يظهر إلى اليوم، تم قمع الانتفاضة و إجهاض الحلم.
أصيب علي بالذهول والجزع والهلع و الهم. بدأ يلح عليه السؤال الكبير في عمره الصغير. من المسؤول عما جرى؟ من المسؤول يا ترى؟
خمن علي أن تطوان هذه ليست المدينة الفاضلة، و أن محاربة الدولة و معارضتها مسألة جد قاتلة.