“طوارئ فلسطين”.. صرخة ضد إبادة غزة تعمل فرنسا على إسكاتها

“طوارئ فلسطين”.. صرخة ضد إبادة غزة تعمل فرنسا على إسكاتها


باريس/ إسراء طاشقين/ الأناضول
في ذروة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، لم يتوقع مؤسسو جمعية “طوارئ فلسطين” (Urgence Palestine) أن تكون أولوية السلطات الفرنسية هو إسكات صوت جمعيتهم التي تعد بمثابة “الصوت الوحيد” المناصر للفلسطينيين داخل البلاد.
و”طوارئ فلسطين” هي منظمة مجتمع مدني نظّمت مظاهرات في العاصمة الفرنسية باريس، ومدن أخرى ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
وتواصل إسرائيل حرب إبادة جماعية واسعة ضد فلسطيني قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بما يشمل القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متجاهلة كافة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت تلك الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة أكثر من 172 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وعلى مدار هذه الحرب، شرّعت السلطات الفرنسية عدة إجراءات لتقيد تنظيم المظاهرات الداعمة لفلسطين والمناصرين لها، والتي انتهت بحل جمعية “طوارئ فلسطين”.
– صوت الفلسطينيين وأنصارهم بفرنسا
وقال عمر الصومي، المؤسس المشارك لجمعية “طوارئ فلسطين” في حديثه للأناضول، إنهم “لم يتوقعوا” أن تكون أولوية الحكومة الفرنسية، في ظل الإبادة الجماعية في غزة، هي “حلّ المنظمة الوحيدة التي تمثل الفلسطينيين وأنصارهم داخل فرنسا”.
وأعلن الصومي من ساحة الجمهورية، حيث نُظمت أولى مظاهرات التضامن مع غزة بفرنسا، عن بدء السلطات الفرنسية فعليا إجراءات حلّ الجمعية التي أسسها في أكتوبر2023.
وأفاد بأن وقت تأسيس الجمعية كان “يُمنع فيه تنظيم أي نشاط لدعم نضال الشعب الفلسطيني”.
وحظرت السلطات الفرنسية المظاهرات التي نُظّمت بعد 7 أكتوبر2023 احتجاجا على الهجمات الإسرائيلية على غزة، كما فرضت غرامات مالية على المشاركين فيها.
وبعد رفع القيود التي كانت مفروضة على مظاهرات دعم الفلسطينيين، تم توقيف عدد من الشخصيات التي عبّرت عن مواقف مناهضة لإسرائيل بسبب ما يجري في غزة، وتعرضت للتحقيق، أو أُدينت بغرامات أو أحكام بالسجن.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، طالب الادعاء العام الفرنسي بالحكم على عالم السياسة الفرنسي فرانسوا بورغا بالسجن 8 أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة قدرها 4 آلاف يورو، بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي المناهضة للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي أحدث تطور، أعلنت حاليا وزارة الداخلية الفرنسية عن بدء إجراءات حلّ جمعية “طوارئ فلسطين”.
– أكثر المنظمات تأثيرا
وحول ظروف تأسيس الجمعية، أضاف الصومي أنه شعر بضرورة “إسماع صوت الفلسطينيين داخل فرنسا” بعد بدء الإبادة الجماعية ضد أهلهم في قطاع غزة.
وأشار إلى أن المظاهرات الأولى التي نظموها جرى حظرها، وفرضت السلطات الفرنسية عليها غرامات مالية على المشاركين بسبب رفع العلم الفلسطيني أو ارتداء الكوفية خلال المظاهرة، وجرى اعتقال بعض المشاركين.
وتابع: “رغم كل ذلك، قررنا تأسيس حركة تُمكّن الفلسطينيين وأنصار القضية الفلسطينية من إسماع صوتهم في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهكذا ولدت جمعية طوارئ فلسطين في فرنسا”.
وخلال فترة قصيرة أصبحت الجمعية “واحدة من أكثر المنظمات تأثيرًا، ليس فقط في باريس، بل في عموم فرنسا”، وفق الصومي.
وعن طبيعة الجمعية، أبرز الصومي أنها “كيان سياسي مناهض للاستعمار والاحتلال، يضم تحت مظلته نحو 20 مجموعة مختلفة، ويتجاوز عدد أعضائه الألف شخص في فرنسا”.
وأشار إلى أن الجمعية تنظم فعاليات متعددة تشمل مظاهرات، ومؤتمرات، وندوات، وحفلات موسيقية، وحتى بطولات رياضية.
ولفت أن جميع الفعاليات التي تنظمها الجمعية تهدف إلى “وقف الإبادة بحق الشعب الفلسطيني ودعم نضاله”.
– دعم غير مسبوق
وفي 29 أبريل/ نيسان الماضي تلقت جمعية “طوارئ فلسطين” الإشعار الرسمي ببدء إجراءات الحلّ.
وقال الصومي للأناضول: “يجب التنويه إلى ظروف ما جرى. جاءت الشرطة إلى منزلي في وقت لم أكن فيه موجودًا، وعندما كانت زوجتي تحضر الأطفال للنوم”.
واعتبر الشاب أن هذا الإجراء “أثر في نفسية أطفاله بشدة، بسبب الأسلوب العنيف في اقتحام المنزل”، مبينا أن أطفاله “تعرضوا لصدمة نفسية”.
وأضاف: “حدث هذا في وقت تزامن مع هجوم إرهابي معادٍ للمسلمين أودى بحياة أبوبكر سيسيه، وفي ذروة الإبادة الجماعية، حيث لم يبقَ كيس دقيق واحد في قطاع غزة”.
وأكد الصومي أنهم صُدموا من القرار، وأنهم أطلقوا بعد تسلُّم الإشعار حملة دعم تمكنت من جمع أكثر من 10 آلاف توقيع خلال 48 ساعة فقط.
ورأى أن ما تلقته الجمعية من دعم كان “واسعا وغير مسبوقا” سواء داخل فرنسا أو خارجها.
وأردف: “بدأنا فورًا، بالتشاور مع محامي الجمعية، لبحث الردود القانونية الممكنة على هذا الضغط”، مشيرا إلى أنه منذ البداية “اعتبر الحكومة الفرنسية شريكة في الجريمة، لأنها من جهة تتجاهل مجرمي الحرب وشركاءهم، ومن جهة أخرى تمارس الضغط على الشعب الفلسطيني”.
وتابع: “إسرائيل تمارس ضغوطًا عالميّة، حتى في الولايات المتحدة، لحظر التعبير عن الرأي فيما يتعلق بدعم نضال الفلسطينيين، وما نواجهه في فرنسا ليس بعيدًا عن هذا السياق”.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، ما تسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
ويعتمد فلسطينيو غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، بشكل كامل على تلك المساعدات بعدما حولتهم الإبادة الجماعية المتواصلة إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وتأتي هذه الأزمة الإنسانية في ظل نزوح أكثر من 90 بالمئة من فلسطينيي القطاع من منازلهم، بعضهم مر بهذه التجربة لأكثر من مرة، حيث يعيشون في ملاجئ مكتظة أو في العراء دون مأوى، ما زاد من تفشي الأمراض والأوبئة.
– الاستعداد للمواجهة القضائية
وفي سياق متصل، أكد عمر الصومي أن الجمعية “قررت استخدام جميع الأدوات القانونية والقضائية المتاحة لمواجهة القرار”، مشيرًا إلى أنهم ملزمون بإبلاغ وزارة الداخلية بجميع ملاحظاتهم واعتراضاتهم خلال 10 أيام من استلام الإشعار.
وأضاف: “الإشعار يتضمن العديد من الادعاءات الكاذبة أو المغرضة”.
وتحدث أن الإشعار يحمل في طياته “محاولة لتصوير الجمعية وكأنها منظمة إرهابية تُحرّض على الكراهية”.
واستدرك: “نحاول فقط إيصال صوت نضال عادل ومشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وبالطبع سنعترض على قرار الحلّ مستخدمين الأدوات القانونية المتاحة”.
وتوقع الصومي أن يُعرض قرار حلّ المنظمة على مجلس الوزراء الفرنسي في اجتماعه المقرر في 13 مايو/ أيار الجاري، مؤكدًا أنهم “سيبذلون أقصى جهودهم لمنع الحكومة من المصادقة عليه”.
وأشار إلى أنهم بدأوا التحضير مع محاميهم لتقديم اعتراض رسمي إلى مجلس الدولة فور صدور القرار، مضيفًا: “لا شيء قادر على إطفاء جذوة القضية الفلسطينية”.
وختم قائلًا: “بغضّ النظر عن مستوى العنف والضغط، سيواصل الشعب الفلسطيني نضاله ومقاومته. وسنواصل نحن أيضًا الكفاح من أجل الحرية والاستقلال في كل مكان نوجد فيه، حتى نعود إلى وطننا العزيز، فلسطين الحرة المتحررة من الاستعمار والاحتلال والقمع”.