لمن النصر اليوم يا ملوك الطوائف؟ ولمن النصر غدا يا ترامب؟

خالـــد شــحام
في العام 1930 كان الدوتشي بينيتو موسوليني وفي ذروة جنون عظمته ، قد وَعَد شعبه الايطالي بإعادة أمجاد روما الغابرة والدفع بايطاليا إلى القمــة و (تغيير وجه أوروبا ) ، وتحت هذه الدعاية الكارثية التي يسيل لها لعاب المرضى استجَـرَّ أفظع الجرائم والمصائب على رأس شعبه ، ومع نهاية رحلة العظمة هذه التي وعد بها ، تم القبض عليه من قبل الشعب الآيطالي بنفسه وتم إعدامه مع جماعة ( الكابينت ) الخاص به وتم تعليقهم من أرجلهم على شرفة محطة بنزين في ميلانو ، وأختيرت هذه الطريقة في الإعدام لأنها كانت مخصصة للخونة في روما القديمة التي حاول موسوليني إعادة أمجادها ، لم يقف الأمر عند هذا الحد بل جاءت الجماهير الايطالية لتشبع رغبتها في الّسَّبِ والشتم والبصق عليه وعلى جماعته وترميهم بالزبالة ، حتى وصل الأمر إلى إطلاق النار على الجثث وركلهم بالأرجل ، غير بعيد عن هذا كان رفيقه هتلر قد وعد شعب ألمانيا بالمجد ذاته وتغيير وجه ( العالم ) و بنفس الوعود المكذوبة ثم لاقى مصيرا ربما أشد سوءا ، واذا عدنا إلى عناقيد التاريخ لنفهم لماذا مات أمثال هؤلاء إما على خازوق أو رجما بالأحذية أو مطاردة مثل الكلاب وعلى أيدي شعوبهم ، فسوف نكتشف بأن الدرس لا زال يتكرر وأن الطغاة و المجانين لا يتعلمون أبدا ونسوق هذه المقدمة لأننــا نعاصر بالضبط نفس الدورة.
لدينا في الولايات المتحدة نموذج طازج يريد أن يعيد المجد للولايات المتحدة بعد وصول الامبراطورية إلى الحافة وذلك من خلال تحويل البلاد إلى صندوق كبير للكاش في أكبر تجليات الرأسمالية القذرة المتوحشة عديمة الإنسانية وعديمة الضمير ، ولدينا نموذج آخر لمجرم ورجل عصابات يريد أن يغير وجه الشرق الأوسط ثملا بانجازاته في القتل والخراب والدم ، النتيجة التي سيصل إليها الإثنان هي نتيجة واحدة حتمية وهي الخازوق المؤكد مهما كانت صورته أو هيئته ، صناعة المجد لها مسارات معروفة محفوظة في سجل الفطرة البشرية وسجل التاريخ المضيء ، هذه الصناعة لا تتم بقصف الأبرياء وارتكاب المجازر واحتلال الأراضي ، ولا تتم بالأتاوات ورفع الضرائب وابتزاز الدول لدفع الأموال والسكوت عن الدم البريء المراق ، ولا تتم بعقد الصفقات الخلفية والتصالح مع الكيان المجرم والانبطاح أمام الأمريكان لضمان كرسي الحكم ، صناعة المجد تأتي من المواقف ، مواقف الشرف والكرامة والبطولة والشهامة الإنسانية التي تتحسس مواجع الأمة وتحدياتها وتقف معها وتنتصر لمظلوميتها وتطابق بين أقوالها وأفعالها .
حصد الأسبوع الماضي قطافا من الأحداث المتواصلة التي تتشعب خارطتها في مربع الموت بين فلسطين ولبنان وسوريا واليمن ، كانت غزة ولا تزال تسجل سطور التضحية والصمود والعزة ، لكن اليمن وكما عودنا دوما استبق توقعاتنا وأرسل شرارةً إلى السماء ليؤكد نجاحا خاصا ، ليس نجاحا في مهمة الصاروخ الذي قصف مطار اللـــد أو أعلن تحديه ضد العربدة الأمريكية ، لكن نجاحه الحقيقي يأتي في لحظة حرجة قبل الموات بلحظات ليقول لنا جميعا ولكل العالم بأننا كعرب لا زلنا على قيد الحياة بعدما أثبتت كل أجهزة التنفس وجهاز راسم نبضات القلب بأننا امة ميتة لا محالة .
اليمن العربي ليس قوة عظمى ولا يمتلك أساطيل ولا ترسانات تسليح ولا نظمَ أقمارٍ صناعية ولا محطات تجسس ولا قواعد منتشرة في الخليج العربي ، اليمن المعدم تم سحبه إلى حروبٍ استنزافية عسيرة سحقت كل ثرواته واعتدت على شعبه ومدنه ومنشآته وتركته فقيرا لا يمتلك أي شيء ، لكن اليمن اليوم يدخل بوابة المجـد من أوسع أبوابها بعدما أغلقت قيادات الخيانة وأوصدت كل الأبواب على مستقبل الأمة ، وتسجل القيادة اليمنية بحق أنها أول زعامة عربية تمتلك مفاتيح الخلاص للمنطقة والعرب وتتصرف وفقا لما تريده الشعوب وتريده مصائرنا ولا تخضع لأجندة داخلية ولا خارجية كما يحاول أصحاب الأقلام المأجورة أن يروجوا ، إن المجس الحقيقي اليوم الذي يقيس انتماء أية قيادة عربية يكمن في مقياسٍ واحد ، بؤرةٍ واحدة حساسة للغاية اسمها إعلان الحرب على الكيان الصهيوني بأية صورة كانت أو وسيلة كانت ، وكل ما عدا ذلك من تهريجات وضحك على ذقن التاريخ وتدليس على وعي الشعوب ومطالبات بالسلام والحمام لا قيمة له ، لقد اختار اليمن المواجهة وتحمل تبعات هذه المواجهة ودفع ثمنــا باهظــا جدا قياسا لإمكاناته المحدودة وأثبت الشعب اليمني أن مركز القارة العربية هو هذه القطعة من الأرض .
عندما قال المجرم ترامب عبارته موجها إياها لشعب اليمن : «انتهى وقتكم ، إن لم تتوقفوا فستمطر عليكم جهنم» تساءل الكثيرون عما يمكن لليمن المسكين أن يفعله حيال جبروت الترسانة الأمريكية والبوارج المشيدة مثل الجبال وهجمات جوية تجاوزت 1700 هجمة ، لكن عندما أطل علينا الرئيس صندوق الكاش وفاجأنا باتفاقية مع اليمن وأعلن بأن ( جماعة أنصار الله تعلمت الدرس وركنت إلى السلام ) فهمنا فورا بأن العكس هو ما حصل وبأن هذا اليمن حقق نصرا خفيا لا يمكن الاستهانة به ، فما الذي تعملناه من الحكمة اليمنية والبطولة اليمنية ؟
1-إن نجاح اليمن في تسديد ضرباته نحو مطار اللــد يفتح ورقة حقيقة عالمية مهمة جدا ، وهي بأننا والعالم أجمع ضحية خدعة كبيرة ضخمة اسمها دعاية الهيبة التكنولوجية الامريكية التي تروج نفسها على انها آلهة منيعة لا يمكن الوقوف ضدها ولا سبيل لمواجهتها ، لا يمكن وضع التسليح اليمني لمقارنته بما لدى الترسانة الأمريكية والاسرائيلية ولكن على الرغم من ذلك أثبت أبطال اليمن بان القبب الحديدية الأمريكية قابلة للاختراق ، والبوراج البحرية ليست آلهة منيعة تحميها ملائكة الموت ، لقد أثبت اليمن ببساطة بأن العزيمة والنوايا الصادقة تستطيع تحقيق نتائج حقيقية بأبسط المقومات المتاحة وتمكنت من تحطيم أكذوبة مكلفة جدا اسمها الأنظمة الدفاعية المتطورة .
2- إن من يشاهد تفاعل الداخل الصهيوني مع ضربات اليمن ، وهشاشة مواطنيه ومسؤوليه امام حادثة مطار اللــــد يرى بنفسه وللمرة الألف أننا أمام ( دولة ) لا يمكنها أن تخوض أي حرب ولا بمقدورها تحمل بضع عمليات قصف عربية حقيقية ، لقد استطاع اليمن بإرادة حرة أن يوازن ميزان الرعب الصهيوني ويتحمل أشد الضربات دون أن يصيح أو يشكو ، و من يتابع طبيعة العمليات العسكرية الصهيونية يدرك تماما أننا كأمة عربية نواجه طائرة حربية فقط ، طائرة جبانة متطورة ترمي قنابلها ونارها من فوق الرؤوس وتهرب ولا تمتلك القدرة على المواجهة الحقيقية كما تفعل المقاومة الفلسطينية ، نحن أمام الحقيقة الجوهرية للكيان الجبان وأمام سقوط كامل لكل العربدة التي يقف فيها قادته وهم يتنمرون على الأمة ، لقد عرى اليمن ذلك بوضوح واستعد شعب اليمن كل جمعة لافتداء فلسطين بروحه ودمه دون ذرة من خوف ، ولو حصلت هذه المواجهة فلن يصمد جيش الخنازير يوما واحدا .
3-إن الصاروخ اليمني لم يحقق النصر ولم يوجه الضربة القاضية للكيان الصهيوني كما يحلو للبعض أن يقول ، لكنه يرسخ حقيقة جديدة تقول بأن الأمة العربية اليوم ليست تلك التي بالأمس ، نحن لسنا الحفاة العراة الذي يرعون الإبل ويذهبون للسكر والجنس في حانات لندن وباريس ، نحن أصحاب الشرف والكرامة ، نحن الشعوب المؤمنة ذات القضية والعقيدة الراسخة ، الحفاة العراة الذين يرعون الإبل هم أولئك المتلحفون بالكيان الامبريالي والصهيونية الدينية مهما كانت أشكالهم ومنزلتهم وتحضرهم وأثمان بذلاتهم ، لقد أثبت اليمن وشعبه وقيادته ، وأثبتت المقاومة الفلسطينية وقياداتها أنها خرجت من عباءة التخلف القديم والنظرة الدونية إلى العرب واستحقار وجودهم وتاريخهم وشأنهم ، لقد أثبت ابن اليمن أن شعوب العرب قادرة على المواجهة وتحمل ثمن الكرامة وقادرة على الصناعة والابتكار والريادة العلمية التي حرمت منها على يد الأنظمة الاستبدادية الوظيفية .
4- إننا نرفض لعبة التسميات الاسرائيلية ولعبة الفرز والتصنيف التي تجعل أعمال المقاومة محصورة بفئة وعزل بقية الشعوب عن هذه الروح ، تماما كما تسوق الرواية الصهيونية حماس على أنها مصدر المتاعب للشعب الفلسطيني وأن هذا الشعب شيء والمقاومة شيء منفصل عنه ، إن تسويق فكرة أن اعمال المقاومة هي نشاط تقوم به (فئة ) هي رواية مغرضة وماكرة ، إن الحقيقة هي أن هذه المقاومة هي ممثلة عن كل الشعب اليمني الذي ينزل للساحات كل جمعة بالملايين ، ينصب في هذه الراوية أيضا ربط جماعة انصار الله مع ايران والترويج على أن هذه (الفئة ) هي ذراع ايراني ، كل هذه الدعايات هدفها احباط انجازات المقاومة وتعليبها وتحويلها إلى تهمة ، واللعب على عزلها وفصلها على أن تكون رأيا عاما للشعوب العربية.
على الرغم من أن الكيان الصهيوني يبدو في أنجح حالاته وتجليات عصره على يد العصابة التي تقوده إلى هلاكه ، وعلى الرغم من اتساع رقعة العربدة من فلسطين الى لبنان واليمن وسوريا وحتى ايران إلا أن ذلك في الرؤية الاستراتيجية ليس إلا دليلا على اقتراب لحظات الانهيار المفاجىء كما حصل لكل من مضوا في التاريخ بنفس المسار دون وجه حق ، هل تعرفون حجم الكلفة والطاقة والكوادر اللازمة لتغطية مساحة حربية بهذا الشكل ؟ هل يعرف أحدكم كمية التدبير السياسي والتفاعلات البعدية المتفجرة الناجمة عن هكذا عبث غير محسوب ؟ هل يعرف أحدكم كم تدفع الولايات المتحدة يوميا ثمنا لعربدة الكيان الصهيوني خاصة في ظل وجود الرئيس صندوق الكاش ؟ إن مهمة الشرق الأوسط الجديد تثبت كل يوم فشلها وتقترب من إعلان موتها كخطة مجهضة قبل ولادتها وأنها أكبر بكثير من حجم الكيان الصهيوني وأكبر من عزيمة السعادين التي تطل علينا من الشاشة وتعربد وتهدد وتتوعد ، لقد بدأ التململ يحيط “بالدوتشي ” بيبي المعظم وبكل خططه وزبانيته من المجانين ، لقد كسرت المقاومة الفلسطينية صلابة النجمة السداسية وتمكن اليمن بكل بساطة من مواجهة أعتى قوة في عصرنا الحالي وأعاد معنى القيادة العربية التي تريدها شعوب العرب والمسلمين .
إن كلمة لا التي تتمسك بها القيادة الفلسطينية واليمنية للمقاومة هي فاتحة النصر ، والصمود واحتمال الضربات هو أول أشواط التحرير واسترجاع الأرض والحقوق السيادية والجيوسياسية والوطنية وفرض الحقوق الفلسطينية والعربية في ظل عالم لا يؤمن إلا بالقوة .
سيرحل المجرم نتانياهو وسيوضع سموتريتش في مزبلة من المزابل المعدة للحرق والبصق وستبقى المقاومة الفلسطينية التي تحمي الشعب الفلسطيني ، سيرحل ترامب ومن بعده وسيبقى اليمن قيادة وشعبا حاميا وحارسا ليس للبحر العربي والبحر الأحمر بل لكل أمة العرب والمسلمين ، النصر اليوم تسجله بطولات اليمن وكتائب المقاتلين الذي فتحوا الجحيم على جيش المجرمين ، والنصر غدا لهؤلاء مرة أخرى و لكل من يقف مع هذا الوجه المشرق القادم لأمة العرب والمسلمين .
كاتب عربي فلسطيني