الاردن: ما البديل.. ومن سيملأ الفراغ؟

الاردن: ما البديل.. ومن سيملأ الفراغ؟

المهندس سليم البطاينه

لا شك ان اللعبة السياسية هي أداة شديدة التعقيد والتشابك! لذلك فإن عملية فهم وتفسير دلالات اللعبة السياسية شبه معقدة ! لما تتضمنه من أبعاد معرفية وثقافية وسياسية، الأمر الذي يستوجب من الجميع الاتفاق على آلية تُدار بها، لتحقق رضا الجميع، لان البديل عن السياسة هو الفراغ الذي من الممكن ان يهدد الأمن والاستقرار.
فـ المجتمعات التي تشعر بالفراغ السياسي تبدأ من تلقاء نفسها الاعتكاف والاستنكاف عن أية مشاريع سياسية ! بالابتعاد عن الدولة ومؤسساتها وتحولها من شريك في الوطن إلى رعية!
إنه مسار التاريخ الذي لم يخطئ مرة، والسياسة ليست استثناء فإن فَرُغ مسرحها لأي سبب جاء من يشغله على عجل! فـ هنالك دول عربية تركت الفراغ يتسع دون علاج! وتم تفريغ الساحة السياسية في مجازفة مجنونة يشهد على خطورتها ما حدث في كثير من بلدان المنطقة !
في سنوات مضت كانت الأردن ساحة حيوية للتعددية السياسية: التيار القومي، والتيار الإسلامي، والتيار الليبرالي، واليسار، وتيار العشائر، وكان لكل تيار مشروع وفكر وجمهور، لكن تحولت هذه التيارات الى ظِلال هشة مأزومة فقدت أدواتها، وخسرت قدرتها على التأثير! وبقيت التيارات الإسلامية على قوتها وتأثيرها في الشارع كونها الأكثر توافقاً مع التركيبة الاجتماعية للأردنيين ! وأصبحت رقما صعباً في المعادلة السياسية، وبات من الصعب إخضاعها للمقاربات التصنيفية! خاصة في ظل ضعف الأحزاب الكرتونية التي تم صناعتها في الغرف المغلقة!
وتلك خبرة تاريخيّة عرفناها من خلال دراسة المراحل المختلفة للتاريخ السياسي الأردني، وخير مثال الانتخابات النيابية الأخيرة التي برهنت قوة وتنوع الإسلام السياسي في الأردن.
القضية الآن هي ردات فعل! ولأول مرة في التاريخ السياسي الأردني يحدث هذا الصدع! ويَلد مفردات ومصطلحات ووصفات لإنتاج الفوضى خارجة عن النص والتاريخ! بعضها منحوت والبعض الآخر مُبتدع!
هل ما يحدث طبيعي؟ بالتأكيد لا!
نحن أمام مشاهد تشكل حالة من التسميم السياسي، وساحة بات يسودها فكر المناكفات والتلاسنات والخصومات البينية السياسية ! إلى حد جعلها تخرج عن المألوف، وتبعث على فوضى عارمة ! نجد فيها وسائل الإعلام شريكاً في تغذيتها.
القادم معقد، وقد لا يترك مجالاً للاسئلة الصعبة! وفي مقدمتها: ما هو مستقبل الإسلام السياسي في الأردن؟
ومن أين يأتي الخطر على الأردن؟ من خارجه، ام من داخله؟ فـ حينما تُذكر الفوضى يُذكر مباشرة مصطلح (الفوضى الخلاقة) لصاحبته وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونداليزا رايس : والذي هو مخطط شيطاني قائم على الفوضى المدروسة لإخضاع شعب ما! أو لإنهاء فكرة ما! مرة باسم الدين، ومرة باسم الديموقراطية.
أظن ان المسائل تداخلت في بعضها البعض! نرى الأزمة ولا نرى أُفُقاً لحلها! نحاول ان نفهم فلا نعرف ! ننظر حولنا فلا نفهم شيء في السياسة، لا مشروع سياسي واضح! ولا مشروع اقتصادي نافع! ولا حتى مشروع فكري واعد!
لكن بكل ما يحمله المشهد من اضطراب ! فإن استعادة التوازن ليست مستحيلة لكنها تقتضي صياغة مشروع وطني شامل يجيب على اسئلة الوجود السياسي: ماذا نريد؟ وإلى أين نسير؟ ولماذا فقد الأردن دوره السابق، وخسر أوراق وملفات كثيرة كان يمتلكها ويستخدمها لإقامة نوع من التوازن داخل المنطقة والاقليم، وهذا برأيي يتطلب مزيد من الحكمة والتعقل ، بعيداً عن فقه الإقصاء، بتطوير خطابنا السياسي، وترميم البيت الداخلي، والتوقف عن تصنيف الأردنيين للمحافظة على التوازن السياسي والأمني والاجتماعي.
من حق الأردن أن تدير سياسات حذرة في الأوقات الصعبة لكن أخطر ما يهدد تلك السياسات هي ان يحكمها الفراغ! فـ تختفي القضايا المهمة من الوجود السياسي ! وتحل محلها مواضيع زئبقية تتمدد حول نفسها، تصبح بسبب الفراغ ملفات جوهرية.
كثيراً ما نتداول عبارة كبر عقلك ! وطول بالك ! وسلامتكوا.
كاتب اردني