شاكر عبد موسى: الصراع الهندي – الباكستاني الى أين؟

شاكر عبد موسى
مقدمة : الصراع المستمر بين الهند وباكستان ليس مجرد نزاع حدودي تقليدي؛ بل يعكس تغييرات أعمق في موازين القوى العالمية وتطورات التكنولوجيا العسكرية. وفي وسط هذه التحولات، يبرز اختبار جديد للتكنولوجيا الصينية المتقدمة عندما تتقاطع مع المعدات الغربية في ميادين القتال.
شهد الأسبوع الماضي قفزة كبيرة في أسهم شركة AVIC.Chengdu.Aircraft) )الصينية بنسبة 40%، بعد أن أعلنت باكستان عن استخدام طائرات J-10C الصينية لإسقاط مقاتلات هندية، بما في ذلك الطائرة الفرنسية “رافال”، في مواجهة جوية مرتقبة.
ورغم غياب تعليق رسمي من نيودلهي حول هذه المزاعم، إلا أن هذه الواقعة تلفت الأنظار إلى صعود الصين كلاعب بارز في سوق الأسلحة ونفوذها المتزايد على الساحة الدولية.
ومع كون الصين المورد الأساسي للأسلحة لباكستان، فإنها بلا شك تراقب عن كثب أداء منتجاتها العسكرية في بيئات الصراع الواقعية. الجدير بالذكر أن الصين، رغم امتلاكها واحدة من أقوى الجيوش في العالم، لم تدخل صراعًا عسكريًا كبيرًا منذ عقود. لكنها، تحت قيادة الرئيس (شي جين بينغ)، سعت جاهدة لتحديث قوتها العسكرية من خلال تطوير أسلحة متطورة واستراتيجيات تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي.
العلاقة بين الصين وباكستان
ليست وليدة اللحظة. إذ تُعرف باكستان بلقب “الأخ الحديدي” في الخطاب الصيني الرسمي، وهي شريك استراتيجي رئيسي لبكين. خلال السنوات الخمس الماضية وحدها، حصلت باكستان على أكثر من 80% من وارداتها العسكرية من الصين، بما يشمل المقاتلات والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي. كما طورت إسلام آباد بعض أنظمتها بالتعاون المباشر مع الشركات الصينية أو باستخدام التكنولوجيا والخبرات القادمة من بكين.
ما يزيد التفاعل والتكامل بين البلدين هو التدريبات المشتركة التي أصبحت أكثر تعقيدًا وتقدمًا بمرور الوقت، حيث تشمل محاكاة القتال وتبادل الخبرات.
يرى (كريج سينجلتون)، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن الدعم الصيني يشكل الآن عاملاً رئيسيًا يغير التكتيكات العسكرية الإقليمية بهدوء ملحوظ.. لكن هذا النفوذ العسكري الصيني يعكس أبعادًا جيوسياسية أكبر.
التصعيد الأخير بين الجارتين النوويتين يُظهر آثارًا أوسع على خريطة التحالفات الإقليمية والعالمية. ففي وقت تقترب فيه الهند بشكل مطرد من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، تتجه باكستان بخطوات أكثر رسوخًا نحو الصين، مما يعيد رسم مفهوم الردع التقليدي ويبرز حقبة جديدة من المنافسة بين القوى الكبرى.
الهند وعلاقتها مع أمريكا
الهند، التي اعتمدت تاريخيًا على الاتحاد السوفيتي كمورد رئيسي للأسلحة خلال الحرب الباردة، باتت اليوم تعزز روابطها مع واشنطن. فالهند تشتري الآن معدات متقدمة من الولايات المتحدة وحلفائها مثل فرنسا وإسرائيل، مما يقلل تدريجيًا من اعتمادها على الأسلحة الروسية. وعلى النقيض تمامًا، أصبحت باكستان شريكًا استراتيجيًا أساسيًا للصين ومكوناً محورياً في مبادرة “الحزام والطريق”، وهي المشروع الاقتصادي العالمي الطموح للرئيس الصيني.
تاريخيًا، كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان مشحونة بالتوترات. بعد عدة اتهامات أمريكية لباكستان بعدم اتخاذ موقف واضح ضد المجموعات المتطرفة مثل طالبان أو بسبب مخاوف واشنطن من طموحات البرنامج النووي الباكستاني، انحسر الدعم الأمريكي لإسلام آباد بشكل كبير. هذا الفراغ استغلته بكين بنجاح لتوثيق علاقاتها مع باكستان، وتحولت إلى المورد الأساسي للأسلحة لإسلام آباد.
اليوم، نرى كيف تتحرك القطع على رقعة الشطرنج العالمية بناءً على مصالح استراتيجية وأهداف جيوسياسية. بينما تستمر المنطقة جنوب الآسيوية في الإرتماء داخل دائرة النزاعات التاريخية والجغرافيا السياسية، تشهد ديناميكيات التحالفات تحديثات تعكس الواقع الجديد لعصر مشتعل بالتحديات والتغيير.
الموقف الصيني
إعربت الصين عن أسفها للهجمات العسكرية التي نفذتها الهند ضد باكستان، ودعت إلى التهدئة وضبط النفس. وفي وقت سابق من التصعيد، أبدى وزير الخارجية الصيني (وانغ يي) دعمه لباكستان خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الباكستاني، مُشيرًا إلى الصين بوصفها “صديقة قوية” لباكستان.
نظرًا إلى أن باكستان تعتمد بشكل كبير على الصين كمصدر لأسلحتها، بينما تحصل الهند على معظم عتادها العسكري من الولايات المتحدة وشركائها، فإن أي صراع بين البلدين قد يتحول إلى مواجهة بين التكنولوجيا العسكرية الصينية والغربية.
التصعيد الأخير
في أعقاب مقتل 26 سائحًا أغلبهم من الهنود على أيدي مسلحين في منطقة جبلية تسيطر عليها الهند في كشمير، صعّدت الهند من موقفها عبر شن ضربات صاروخية فجر الأربعاء على أهداف قالت إنها تخص “البنية التحتية للإرهاب” في باكستان وأجزاء من كشمير تحت إدارتها. ويعتقد مراقبون أن الطائرات المستخدمة في هذه العمليات شملت رافال الفرنسية وسو-30 الروسية.
على الجانب الآخر، أعلنت باكستان أن قواتها الجوية حققت إنجازًا كبيرًا بإسقاط خمس طائرات هندية، بينها ثلاث رافال، وطائرة ميج 29، وسو 30، خلال معركة استمرت ساعة بين ما يصل إلى 125 طائرة متوسطة وقصيرة المدى، على مساحة تُقدر بـ160 كيلومترًا. وأشاد المسؤولون الباكستانيون بدور الطائرات الصينية J-10C في هذا الإنجاز.
بينما نفت الهند تكبّد أي خسائر جوية ولم تقدم أدلة لتأكيد تصريحات باكستان، نقلت مصادر دفاعية فرنسية فقدان طائرة واحدة من طراز رافال في المعركة.
السلاح الصيني الفعال
قال (سلمان علي بيتاني)، الباحث في العلاقات الدولية بجامعة قائد أعظم في إسلام آباد، إن هذه الاشتباكات تعتبر من بين الأكثر عنفًا بين دولتين تمتلكان أسلحة نووية. وأشار إلى أن الأداء البارز للطائرات الصينية يمثل لحظة فارقة في إثبات الجدارة الميدانية لهذه الأنظمة العسكرية.
من جهة أخرى، رأى (بلال خان)، مؤسس شركة “كوا جروب” لتحليل الدفاع في تورنتو، أنه في حال تأكد نجاح الأنظمة الباكستانية المدعومة بالصناعات الصينية، فإن ذلك يعكس تطور تلك الصناعات إلى مستوى ينافس نظيراتها الغربية. ورغم غياب الأدلة الرسمية، أثار الادعاء احتفاءً على منصات التواصل الاجتماعي داخل الصين.
تزامنًا مع ذلك، شهدت شركة أفيك تشنغدو للطائرات، المصنعة لطائرات J-10C الباكستانية، طفرة في أسعار أسهمها بنسبة 17% ثم بزيادة إضافية قدرها 20% خلال اليوم التالي. تُعد J-10C نسخة حديثة من المقاتلة أحادية المحرك ومتعددة المهام التي دخلت الخدمة منذ أوائل القرن الـ21. وتتفوق النسخة المطورة بمزايا تتضمن إلكترونيات متقدمة ورادارات نشطة تجعلها تنافس الجيل الرابع والنصف من المقاتلات مثل رافال وفرقاطات تحدث تقنيات الشبح.
تشير بيانات رسمية إلى أن الصين سلّمت أولى دفعات J-10CE لباكستان عام 2022؛ وهي الآن تمثل العمود الفقري لسلاح الجو الباكستاني بجانب ((JF-17.BlockIII، مقاتلة خفيفة من تطوير مشترك. ومع ذلك، لا يزال الأسطول الباكستاني يشمل طائرات إف-16 الأمريكية القديمة نسبياً والتي تُعد بعيدة عن أحدث الإصدارات المتاحة لدى الولايات المتحدة.
أكد العقيد المتقاعد (تشو بو) من مركز الأمن الدولي بجامعة تسينغهوا أن إسقاط الطائرات الهندية، إذا ثبت، يمثل دفعة كبرى لصالح سمعة وموثوقية أنظمة التسليح الصينية. واعتبر أن ذلك يمكن أن يدعم حصة الصين في السوق العالمية للأسلحة، لا سيما مع ابتعاد بعض الدول عن التكنولوجيا الغربية وتعثر سوق التسليح الروسي بسبب الأوضاع الجيوسياسية الحالية.
رغم أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر مُصدّر عالمي للأسلحة بنسبة تقارب 43% من صادرات العالم بين 2020 و2024 بحسب معهد SIPRI للسلام الدولي، فإن المنافسة الصينية تبدو واعدة. ويعتقد خبراء دفاع أن تطورات مثل هذه قد تعزز اهتمام مشترين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأسلحة صينية بديلة عن نظيراتها التقليدية الغربية والروسية.
تحتل الصين المرتبة الرابعة كأكبر مصدر للأسلحة في العالم، حيث يتم توجيه نحو ثلثي صادراتها في هذا المجال إلى دولة واحدة فقط، وهي باكستان. وأوضح خان، محلل الدفاع المقيم في تورنتو، أن إسقاط الطائرات الهندية – إن تأكد – قد يمثل دفعة كبيرة لصناعة الدفاع الصينية. وأضاف أن القوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي عادةً ما تفتقر إلى الوصول إلى أحدث التقنيات الغربية، قد تعبر عن اهتمام كبير بالأنظمة الصينية.
وأشار خان إلى أن التراجع الروسي، نتيجة الغزو الأوكراني، قد فتح المجال أمام الصين للضغط على الأسواق التقليدية لموسكو، مثل الجزائر ومصر والعراق والسودان، لتعزيز مبيعاتها الدفاعية في هذه المناطق.
بحسب خبراء من الصين وباكستان، فإن طائرات J-10C، التي تم نشرها من قبل سلاح الجو الباكستاني، يُعتقد أنها مُزودة بصواريخ PL-15، أحد أكثر صواريخ جو-جو تطوراً في الصين. يتميز هذا الصاروخ بمدى يبلغ ما بين 200 و300 كيلومتر في النسخة القياسية، بينما تصل مدى النسخة المخصصة للتصدير إلى 145 كيلومتراً فقط.
في خضم التوترات المتصاعدة خلال الأسبوع الماضي، قام سلاح الجو الباكستاني بنشر مقطع فيديو دعائي مدته ثلاث دقائق يظهر طائرات (JF-17.BlockIII ) وهي مجهزة بصواريخ PL-15. وُصف الفيديو بأنه يعكس “تعزيزاً كبيراً لقوة الجيش الباكستاني”.
وفي الوقت الذي شهدت فيه الصحف تغطية لتصاعد الأحداث بين الهند وباكستان، تضاعفت التوترات خاصة بعد أحداث العنف الأخيرة في كشمير.
علق (أنتوني وونغ دونغ)، الخبير العسكري المقيم في ماكاو، قائلاً إن ما يحدث يعد بمثابة إعلان قوة واضح من بكين. كما يطرح هذا التطور تساؤلات كبيرة أمام القوى العالمية والإقليمية، مثل القوة الحقيقية للخصوم وكيفية التعامل مع هذا الواقع الجديد.
رغم ذلك، دعا بعض المحللين إلى توخي الحذر. فخسائر الهند – إن صحت التقارير – قد تكون بسبب أخطاء تكتيكية لسلاح الجو الهندي بدلاً من التقدم التكنولوجي الصيني وحده. وأكد سينجلتون، المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن التميز العسكري لا يعتمد فقط على المعدات الحديثة مثل طائرات رافال، بل يستوجب التكامل الاستراتيجي والتنظيمي.
تبقى العديد من الأسئلة مطروحة حول المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لدى الهند بشأن صواريخ PL-15. إحدى الاحتمالات تُشير إلى أن الاعتقاد بأن باكستان تمتلك النسخة المخفضة المدى فقط قد يكون دفع الطائرات الهندية إلى دخول نطاق الخطر.
على الجهة المقابلة، ورغم الخسائر الهندية المحتملة، أكدت تقارير أن الضربات الجوية نجحت في استهداف مناطق متعددة داخل باكستان، مما يعني أن الصواريخ الهندية استطاعت تجاوز الدفاعات الجوية الصينية المتوفرة لدى باكستان، مثل HQ-9B بعيدة المدى.
واختتم جوهيل، الخبير الدفاعي البريطاني، موضحاً أنه إذا كانت الأنظمة الصينية – كرادارات وصواريخ الدفاع الجوي – قد أخفقت في التصدي لهذه الضربات أو منعها تماماً، فإن ذلك يشكل تحدياً لمصداقية الصين كأحد الموردين الرئيسيين للأسلحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
CNN
9 مايو 2025
https://edition.cnn.com/2025/05/09/china/china-military-tech-pakistan-india-conflict-intl-hnk?bt_ee=3RFWLQKqibRrDdPeL7M%2BoBnZBJbo8CmTINIeOFdmqs
باحث وكاتب – العراق