نوال النونو: انكسار غير مسبوق لأمريكا في البحر الأحمر.. الإقرار بالهزيمة أمام اليمنيين

نوال النونو
تصاعدت الأحداث في اليمن خلال الأيام الماضية بوتيرة غير مسبوقة، مع تصعيد عسكري كبير من قبل القوات المسلحة اليمنية من جهة والعدو الأمريكي والإسرائيلي من جهة أخرى، وكان من نتائج هذا التصعيد انكسار أمريكي لافت في البحر الأحمر.
ووفق كل المعطيات، فإن اليمن بات اليوم لاعب دولي وإقليمي كبير لا يمكن تجاوزه في أي معادلات، فالثبات والصمود وعدم التراجع في المواجهة المحتدمة مع أمريكا وإسرائيل، دفعت بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوصف اليمنيين “بالشجعان”، وهذه بادرة لم تصدر من أي زعيم أمريكي في تعامله مع الخصوم.
وبدأت الأحداث تتصاعد، بعد قيام القوات المسلحة اليمنية بإطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي لم يتم الكشف عنه بعد، باتجاه مطار بن غوريون الدولي في “تل أبيب” متجاوزاً كل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، وقد وصل الصاروخ إلى الهدف بدقة عالية، وسقط بالقرب من برج المراقبة، وأحدث حفرة عميقة تصل إلى 30 متراً، وهو ما شكل قلقاً ورعباً داخل الكيان المؤقت، وهرع 3 ملايين مواطن صهيوني إلى الملاجئ.
شكل هذا الحدث تحولاً استراتيجياً في سير المواجهة بين اليمن وأعدائه، وبدأت المؤشرات توحي بأن الأمريكيين والإسرائيليين مقبلون على توجيه ضربات موجعة لليمن، وهو ما حدث بالفعل، حيث تم استهداف مطار صنعاء الدولي، ومحطات الكهرباء بالعاصمة صنعاء، وقبلها تم استهداف ميناء الحديدة، وميناء الصليف غربي اليمن، ما أدى إلى حدوث أزمة مشتقات نفطية، وطوابير لا حدود لها للسيارات أمام محطات الوقود.
لكن المفاجئة للجميع، جاءت في الإعلان عن وقف إطلاق النار بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية برعاية سلطنة عمان، وهو ما أثر الكثير من علامات الدهشة والاستغراب للكثير من المتابعين، والذين كانوا يتوقعون حدوث تصعيد أمريكي لا مثيل على اليمن.
ويدفعنا هنا للتساؤل كما هو حال الكثيرين: ما الذي دفع أمريكا للتراجع والتوقيع على الاتفاق والتفاوض مع أنصار الله على ذلك؟
وتدفعنا الإجابة عن السؤال، للبحث عن خلفيات المواجهة بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية في البحرين الأحمر والعربي، فمنذ 15 مارس الماضي، أراد ترامب أن يثبت للشعب الأمريكي وللعالم بأن إدارة بايدن كانت تتساهل مع “الحوثيين” لكنه سيفعل ما لم يفعله أحد، ولهذا جاءت تصريحاته المتشنجة [سنبيد الحوثيين].
وبالفعل سعى ترامب من أجل تحقيق هدفين، الأول، فك الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، والثاني: العمل على إبادة الحوثيين بحسب زعمه.
لكن القوات المسلحة اليمنية، ومنذ اللحظات الأولى من بدء العدوان الأمريكي على اليمن، عملوا على استهداف حاملة الطائرات الأمريكية [يو إس إس هاري ترومان] والقطع الحربية التابعة لها في البحر الأحمر، واستمر هذا الاستهداف بشكل متصاعد وشبه يومي، ما أدى في نهاية المطاف إلى تعرض الحاملة لضربات كادت أن تغرقها، واضطرت للهروب والانعطافة أكثر من مرة، وتم اسقاط مقاتلتين من نوع F-18 ، إلى جانب إسقاط عشرات الطائرات من نوع MQ9 فخر الطائرات المسيرة الأمريكية.
وبموازاة ذلك، لمس الأمريكيون تطوراً لافتاً في الدفاعات الجوية اليمنية، وباتت الطائرات تتحاشى اختراق الأجواء اليمنية، خشية من اسقاطها، ولهذا لجأ الأمريكي إلى استخدام طائرات الشبح الأمريكية B2 ، والإقلاع من مسافات بعيدة، غير أن جميع الضربات لم تحدث نتيجة مؤثرة على القدرات العسكرية اليمنية، وإنما كان وجعها على المدنيين والمنشآت المدنية اليمنية.
ولهذا كان من الطبيعي، أن تسارع الإدارة الأمريكية إلى الهروب وعدم الاستمرار في العدوان على اليمن، فترامب سيكون في حال لا يحسد عليه، لو قرر اليمنيون إغراق الحاملة ترومان، وذلك بإطلاق مجموعة من الصواريخ المجنحة والباليستية الفرط صوتية، وسيكون كذلك في حال لا يحسد عليه في حال قرر اليمنيون اسقاط مقاتلة الشبح B2، ولذلك جاء القرار الأمريكي بالتراجع وعدم الاستمرار في المواجهة، وهذا يسجل انتصاراً كبيراً لليمن سيدونه التاريخ في أنصع صفحاته.
الكيان الإسرائيلي وحيدا
ولعل من أبرز نتائج هذا الاتفاق، هو تحييد أمريكا عن مساندة الكيان الصهيوني، سواء في البحر الأحمر، أو بأي طريقة أخرى.
هذا التحييد، يعني، أن الكيان المؤقت لن يتمكن من فك الحصار المفروض عليه من قبل اليمن في البحر الأحمر، وهو ما سيراكم من الخسائر الاقتصادية، نتيجة اغلاق ميناء “ايلات” جنوبي فلسطين المحتلة، وانعزال الكيان عن أفريقيا ودول جنوب شرق آسيا، وهو حصار لا تطيقه “إسرائيل” على الإطلاق، كون تجارب الماضي تثبت أن البحر الأحمر يعد رئة هامة للكيان، وجزء لا يتجزأ من أمنه القومي.
وهنا، يؤكد اليمنيون أن تحييد أمريكا، سيدفع اليمن إلى تنفيذ عمليات أوسع وأشمل ضد كيان العدو، كما أكد ذلك رئيس الوفد الوطني المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام، وهو يؤكد على صلابة ومتانة الموقف اليمني المساند لغزة، وعدم التخلي عنها مهما كانت الأحداث.
لقد هزمت أمريكا بالفعل، وبات اليمن سيد البحر الأحمر، بلا منازع، فهو الذي يقرر من يمر من هذا البحر ومن لا يمر، وبما أن أكبر قوة بحرية في العالم قد عجزت عن ثني اليمنيين عن قرارها بحصار الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، فمن الذي سيجرؤ على مواجهتهم في المستقبل، وهذا في حد ذاته، يضع اليمن ضمن أهم القوى الإقليمية الصاعدة، وسيدفع بالدول المطلة على هذا البحر أن تفتح صفحة جديدة مع اليمنيين، لا سيما السعودية ومصر، واللتان كان لهما دور سلبي في السنوات العشر الماضية، من خلال العدوان على اليمن، وتدمير كل مقدراته.
تتضح الآن، صورة المشهد بكل تفاصيله، ما حدث هي هزيمة مذلة للأمريكيين، وانتصار استراتيجي لليمن، فالمعروف عن الأمريكيين عندما يخوضون الحروب ويحركون حاملات الطائرات أنهم لا يتراجعون حتى احتلال البلدان الضعيفة وقهرها واستعبادها ونهب خيراتها وثرواتها، والهزيمة غير واردة في قاموسهم، لكن اليمن كان عصياً عليهم، ومن مضيق باب المندب ستبدأ الهيمنة الأمريكية بالأفول، وسيبزغ فجر جديد للمنطقة، ولكل حركات المقاومة للسير على خطى اليمن، وقيم اليمن، وثباته، ومشروعه السليم في مواجهة أعدائه.