ياسين فرحاتي: مجرد رأي: لكي يحقق الرئيس قيس سعيد حلمه في تكريس الدولة الاجتماعية على أرض الواقع، ألا يتطلب الأمر حكومة فلاسفة ومفكرين وتكنوقراط ؟!

ياسين فرحاتي
وأنا أتابع في كل مرة كملاحظ و محلل و مثقف و مواطن مهتم بالشأن العام بعض المجالس الوزارية لرئيس الجمهورية و هو يسدي نصائحه إلى وزراءه أو أثناء زيارته الليلية و غير المعلن عنها في بعض الأحيان إلى بعض مرافق و مؤسسات الدولة و هو أمر إيجابي جدا شرط أن يتحول الكلام إلى فعل و إنجاز لأن ما ينتظره المواطن التونسي على أحر من الجمر و في كل يوم هو حل المشكلات العويصة التي ترهق كاهله يوميا مع غلاء المعيشة و ضعف المقدرة الشرائية رغم تحسن الوضع الاقتصادي نسبيا من خلال تراجع نسبة التضخم بحسب أحدث الأرقام للمعهد الوطني للإحصاء و تحسن في نشبة النمو مع مؤشرات لموسم سياحي جيد لكن المنتفع الأول ليس التونسي ذلك المواطن ذو الدخل المتواضع أو المتوسط بل ما يطبق عليه يطبق بنفس القيمة و التسعيرة على السائح الأجنبي و هنا أتساءل أليس من حق التونسي في المناطق الداخلية و المحرومة و الهشة اقتصاديا أن يترفه و يقضي هو أيضا وقتا ممتعا يتنعم فيه بخيرات بلاده ؟!.
ملفات كثيرة تنظر ساكن قصر قرطاج و هو في سباق مع الزمن بحسب حرصه هو على حلها و الأمر يتطلب بكل صدق و صراحة و للأمانة “عقولا جبارة ” و أنا لا أبالغ. عقولا تفكر بعمق و تعمل ليلا نهارا و لا تكل و لا تمل. قلوب صادقة و مخلصة و مؤمنة بأن حب الوطن من الإيمان. قلوب تسعى إلى لم الشمل و توحد و لا تفرق و تبني و لا تهدم و هذا ليس تعابير انشائيةو لا قصيدة شعرية عاطفية أو خيالية و لا كلاما سياسيا رنانا و منمقا بل وصفة طبية لوطن مريض أنهكت جسده صراعات ايديولوجية عقيمة و مضنية ومريرة بدل أن يكون النقاش الفكري العام عن الحق و الواجب سيد الموقف و تغليب مصلحة المجموعة على مصلحة الفرد و تكريس روح التعايش السلمي في إطار جمهورية عادلة يسودها احترام القانون و الدستور و حق الممارسة السياسية و حرية التفكير و التعبير و هي في رأيي من أسمى القيم الكونية.
الرئيس سعيد يحرص أشد الحرص على البعد الاجتماعي للدولة التونسية و على تكافؤ الفرص و هو أمر عسير و ليس بالهين و يعتمد بعد التوكل على الله و النية الصادقة ” رجال عزم و راشدين ” و كما ورد في كتابه العزيز : ” أليس منكم رجل رشيد ” لأن في كل مرة يضع الرئيس ثقته المطلقة في وزير معين ثم فجأة يخيب رجاءه و لست أدري ما هو السبب ؟ هل مرد ذلك نقص الخبرة و الكفاءة و المقدرة السياسية ؟ و أنا لا يمكنني أن أشكك في مقدرة كل الوزراء لكن الظرف و الشخصية و التردد في أخذ القرار في الوقت المناسب عوامل قد لا تساعدهم على أداء مهامهم على أكمل وجه رغم أن منهم من لهم حسن دراية بأمور و دواليب الإدارة التونسية و التي و أعود إلى كلام الرئيس نفسه تشوفها شائبة أي هي فسيفساء سياسية و حزبية و لا بد من التفريق بين الإدارة و الاقتصاد و السياسة حتى تتحرك جيدا عجلة البلاد لأنه برغم كل الهنات و المعوقات البلاد لا زالت تسير ” La Tunisie en marche “. ( أردت فقط تذكيركم بذلك الكتاب الأحمر اللون الناطق باللغتين و الذي يحمل هذا العنوان و الذي يعود إلى الزمن البورقيبي ).
أمام ضبابية المشهد و غموضه و دقته و خطورته يعني أهميته رغم أنني أرى بوادر تقدم و تحسن على مستوى القطاع الصحي مع تنفيذ القرارات الأخيرة المتعلقة بمستشفيات سيدي بوزيد و القصرين و الدعوة إلى التسريع و الترفيع في إنتاج الفسفاط بقفصة و تصديره حتى يعود هذا القطاع إلى سالفه نشاطه و مردوديته و جدواه الاقتصادية. لكن المقاربة النظيمية كفلسفة ضرورية لا تركز على قطاع بعينه بل على عموم الوزارات متفاعلة و في تأثير متبادل مع بعضها بهدف حل الأزمات أقترح جلب رجال و نساء مختصين في ” الفكر المنظومي ” La Pensée Systèmique و ” نظرية التركيب ” La Théorie de la Complexité هو الموضوع الذي أشتغل عليه في مستوى أطروحة الدكتوراة بكلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس لأن ذلك على علاقة وثيقة بتطوير حوكمة المؤسسات . يجب أن يدعو الرئيس إلى ” إنشاء خلية عمل متكونة من الفلاسفة و المفكرين و المنظرين ” و هذا يمكن أن يكون متوفرا في مجمع بيت الحكمة أو المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، شرط إحداث نوع من التفاعل و التبادل العلمي و المعرفي فيما بينهما في علاقة تكامل و تآزر Synergie. أرجو أن لا تكون دعوتي إلى الرئيس و مستشاريه صيحة في واد أو نفخة في رماد لأنني لطالما نبهت و كتبت في هذا الموضوع منذ أواخر فترة حكم زين العابدين بن علي و بعد الثورة و إلى الآن لأنني مؤمن أشد الإيمان بأفكاري و مقتنع بما أكتبه بعيدا عن الانتهازية و التملق، لكن طبعا في كسب رضى الله تعالى و حتى لا يقال لماذا لم تكتب أو صمت في وقت كان يجب عليك تبدي رأيك و أن تكون ناصحا أمينا و أنا ليس لدي إذاعة أو تلفزيون و لكن قلم و قرطاس فقط و على ذلك أحمده و أثني عليه.
كاتب من تونس.