الصاروخ “الأول” الغى أسطورة التفوق الجوي وغطرسة حاملات الطائرات.. و”الثاني” أحدث حالة من “الهيستيريا”.. هل اقتربت مقامرة نتنياهو الأخيرة بقصف طهران؟ وما هي الأدلة؟

الصاروخ “الأول” الغى أسطورة التفوق الجوي وغطرسة حاملات الطائرات.. و”الثاني” أحدث حالة من “الهيستيريا”.. هل اقتربت مقامرة نتنياهو الأخيرة بقصف طهران؟ وما هي الأدلة؟

 

عبد الباري عطوان

الصاروخ الفرط صوتي “الأول” الذي اطلقته وحدة الدفاعات الجوية في جيش “انصار الله” اليمني يوم الأربعاء الماضي أصاب مطار اللد (بن غوريون) في مقتل، ودفع بعشرات شركات الطيران العالمية الكبرى الى وقف رحلاتها الى دولة الاحتلال، اما “الثاني” الذي قصفت فيه مطار اللد يوم امس الجمعة وفشلت المنظومات الجوية الإسرائيلية في اعتراضه مثل شقيقه الأول فأحدث حالة من الهيستيريا فيها، قد يؤدي الى توسيع الحرب وتوجيه ضربات انتقامية ضد ايران المتهمة بدعم الحوثيين، وتزويدهم بتكنولوجيا الصواريخ والمسيّرات، وهذا التطور لو حصل قد يؤدي الى كارثة لدولة الاحتلال لن تستطيع الخروج منها.
عندما نقول “هيستيريا” فإننا نستخدم هذا التوصيف استنادا الى تحليلات خبراء الصحافة العبرية، وتصريحات جنرالات متقاعدين، بل وزعماء المعارضة مثل يائير لابيد رئيس الوزراء السابق الذي اتهم الجيش الإسرائيلي ودفاعاته الجوية بالفشل في وقف هذه الصواريخ اليمنية او اعتراضها وتدميرها ووصف بنيامين نتنياهو ووزير حربه بـ”الجبن” وخاصة في قطع “رأس الاخطبوط” في ايران مثلما كان يهدد دائما.

***

الحظر الجوي الذي فرضته قيادة “انصار الله” وأذرعها العسكرية على دولة الاحتلال حقق نجاحا كبيرا رغم عمره القصير، فأكثر من مئة شركة طيران عالمية الغت رحلاتها الى المطارات “الإسرائيلية”، ويوم امس أعلنت شركة طيران لوفتهانزا الألمانية التي تضم الى جانبها شركات أوروبية مثل النمساوية والبلجيكية والسويسرية تمديد وقف رحلاتها الى فلسطين المحتلة لأجل مفتوح وغير مسمى، جنبا الى جنب مع أخرى أمريكية وأسيوية، حرصا على أمن طائراتها وركابها.
هذه “الهيستيريا” التي تسود دولة الاحتلال حاليا أمر مفهوم، فاذا كانت الولايات المتحدة الدولة الأعظم في التاريخ الحديث، رفعت الرايات البيضاء، واضطرت للجوء الى الوسيط العُماني لترتيب وقف اطلاق نار متبادل مع الحوثيين بعد تعاظم الخسائر المادية والعسكرية في صفوفها، وسقوط طائرتين حربيتين من نوع “MQ9” السمينة الأحدث في سلاح الجو الأمريكي، وإلغاء الصواريخ الباليستية البحرية اليمنية لمفعول حاملات الطائرات، وهروبها (ترومان) الى شمال البحر الأحمر، فاذا كانت الولايات المتحدة اقتنعت وبعد اكثر من 1300 غارة على اليمن من عبثية هذه الحرب وان الهزيمة حتمية، وقررت رفع الرايات البيضاء، فلماذا نستغرب هذه الهيستيريا وحالة القلق والرعب التي تسود دولة الاحتلال الإسرائيلي حاليا وهي التي فشلت في قطاع غزة ومخيم جنين في الضفة الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع واقتحمته عشرات المرات حتى الآن.
المقاتل اليمني الشجاع يسقط هذه الطائرات الامريكية، ويعطب حاملات الطائرات، ويغلق مطار اللد ورامون، ومينائي اسدود وعسقلان بصواريخ لا تكلف الا بضعة آلاف من الدولارات فقط، بينما تكلف طائرة “اف 18” اكثر من خمسين مليونا، وبعض المسيّرات “السمينة” ثلاثة أضعاف هذا الرقم.
صحيفة “يديعوت احرونوت” واسعة الانتشار قالت نقلا عن مسؤولين عسكريين ان الجيش الإسرائيلي يعتزم توسيع نطاق هجماته في اليمن بعد توقف العمليات الامريكية هناك، وتدرس قيادته ضرب اهداف في ايران، الأمر الذي يعكس حجم حالة الإحباط واليأس والمقامرة التي تعيشها هذه القيادة بفعل الصواريخ والمسيّرات اليمنية “المباركة” وتوالدها، فدولة الاحتلال لا تستطيع تحمل ضرباتها هذه ونزول ملايين المستوطنين الى الملاجئ بصورة شبه يومية.
جميع الانتصارات التي حققها الجيش الإسرائيلي في حروبه الأربعة او الستة ضد الأنظمة العربية، تعود الى تفوق طائراته وقواته ودفاعاته الجوية، وتأمين جبهتها الداخلية بنقل المعارك والمواجهات الى أراضي الجوار العربي ضد جيوش متكرشة، وقيادات “مضبوعة”، وجنرالات احتلوا مناصبهم القيادية لصلات عائلية او “محسوبية” ومنظومات الفساد، وليس على أساس الكفاءة العسكرية، طبعا هناك استثناءات ولكنها محدودة، الآن تتغير المعادلة، ونرى ذلك بوضوح في جبهتين في الوقت الراهن، اليمنية والفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، ولا ننسى مطلقا جبهة جنوب لبنان، العائدة حتما الى أمجادها السابقة بعد تجاوز مرحلة نكسة “البيجرات”، والاغتيالات لقياداتها.

***

ما يميز اليمنيون قيادة وشعبا، ويجعلهم يشكلون كابوسا مرعبا لدولة الاحتلال ومستوطنيها وحلفائها العرب، انهم كسروا هذه القاعدة، والغوا بشكل متدرج هذه المعادلة، لأنهم لا يهابون الشهادة، وتعهدوا بالوقوف في خندق الصامدين في قطاع غزة، وأقسموا صادقين بأنهم لن يخذلونهم مطلقا، وصدقوا الوعد، واعطوا الشعوب العربية المحبطة الكثير من الامل ورفع المعنويات.
نتنياهو محبط، وبدأ يشعر بالهزيمة في حربه في اليمن أولا، وقطاع غزة ثانيا، وقال وزير دفاعه يسرائيل كاتس في بيان مشترك انهم دمروا “حزب الله” في لبنان، وأنهوا سيطرة “حماس” على قطاع غزة، وقصفوا الموانئ والمطارات اليمنية ودمروها، وجاء الدور الآن على ايران التي لن تخرج “نظيفة” من هذه الحرب.
القيادة الإيرانية لا تستبعد هذا الاحتمال، بل تستعد لمواجهته، فالجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني اكد ان بلاده ستفتح أبواب الجحيم على دولة الاحتلال او الولايات المتحدة اذا اقدمتا على شن عدوان على ايران.
لهب أبواب الجحيم قد يصل الى جميع القواعد الامريكية، وخمسين الفا من جنودها في الخليج والعراق والأردن وسورية، علاوة على العمق الإسرائيلي المحتل ومطاراته وموانئه وبناه التحتية الكهربائية والمائية تحديدا.
قصف 30 طائرة حربية إسرائيلية لمحطات الكهرباء وخزانات الوقود في الحديدة وصنعاء وصعدة ومطار صنعاء، وتدمير طائراته الست، اختراق لكل الخطوط الحمر، سيعطي “انصار الله” شرعية توسيع المواجهة والانتقال من معادلة المطار مقابل المطار، الى معادلات الميناء مقابل الميناء، ومحطات الكهرباء مقابل نظيراتها في فلسطين المحتلة، فاليمني الذي لم يتقاض راتبا منذ 10 أعوام يستطيع ان يعيش على ضوء الشموع، وبضعة حبات من التمر لأيام عديدة، لن يصرخ أولا.. والأيام بيننا.