كيف يساعد الذكاء الاصطناعي علماء الفلك في البحث عن كواكب شبيهة بالأرض خارج النظام الشمسي

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي علماء الفلك في البحث عن كواكب شبيهة بالأرض خارج النظام الشمسي

بـقـلــم: كيث كوبر
ترجمة: حازم محمود فرج

“تقدم هذه الخوارزمية قيمًا بدقة تصل إلى 0.99، وهذا يعني أن 99% من الأنظمة الكوكبية التي حددها نموذج التعلم الآلي هذا تحتوي على كوكب واحد على الأقل يشبه الأرض”.
استخدم علماء فلك خوارزمية تعلم آلي دُرّبت للتعامل مع أنظمة كوكبية مركّبة، وقد أمكن في هذه العملية تحديد أكثر من أربعين نجمًا حقيقيًا ذات احتمال كبير لاستضافة كوكب صخري في المناطق الصالحة للحياة حولها.
وقد صرّحت جين دافولت Jeanne Davoult، وهي عالمة فلك في وكالة الفضاء الألمانية DLR، في بيان لها عن التجربة: “تمكّن النموذج من تحديد 44 نظامًا يُحتمل جدًا أن تحتوي على كواكب شبيهة بالأرض لم تُكتشف بعد. كما أكدت دراسة أخرى الاحتمال النظري لاستضافة هذه الأنظمة الكوكبية كوكبًا شبيهًا بالأرض”.
   غالبًا ما تُكتشف عوالم “شبه أرضية” ــ أي كواكب تشبه الأرض بكتلتها وبوجودها في المنطقة الصالحة للحياة حول نجمها ــ صدفةً، وغالبًا ما تُنجز هذه الاكتشافات بتنفيذ عمليات مسح هائلة ترصد آلاف النجوم بحثًا عن كواكب عابرة أمامها. غير أن علماء الفلك يطمحون إلى تحقيق توازن في احتمالات العثور على كواكب بحجم الأرض في المناطق الصالحة للحياة حولها، ولذا فهم يحتاجون إلى أدوات وطرق أدق للعثور على نجوم مرشحة لذلك.
   هذا ما دفع دافولت إلى تطوير هذه الخوارزمية أثناء دراستها في جامعة برن في سويسرا. وكما هو الحال مع جميع النماذج القائمة على خوارزميات التعلم الآلي التي تتعلم تحديد الأنماط المرصودة وتعطي تنبؤات بناءً على مكان رصد الخوارزمية لها، فقد كان لا بد من تدريبها على التعامل مع بيانات الرصد. غير أن المشكلة تكمن في عدم اكتمال المعلومات المتوفرة لدينا عن الكواكب المكتشفة خارج النظام الشمسي، وذلك على الرغم من اكتشاف ما يقرب من 6,000 كوكب منها إلى الآن. وبصورة عامة، فقد بدا أن عددًا حتى بهذا القدر لم يكن كافيًا لتدريب الخوارزمية.
   ولهذا فقد لجأت دافولت، مع زميليها في جامعة برن، رومين إلتشينغر Romain Eltschinger ويان آليبرت Yann Alibert، إلى نموذج آخر يمكنه محاكاة الكواكب بناءً على كل ما نعرفه عن الأنظمة الكوكبية؛ هو النموذج الذي يطلق عليه اسم ’نموذج برن لتشكل الكواكب وتطورها Bern Model of Planet Formation and Evolution‘ ويجري تطويره باستمرار في جامعة برن منذ العام 2003، من خلال عمليات تحديث وتحسين دائمة حالما يتوفر المزيد من البيانات الرصدية والنماذج النظرية.
   وقد ذكر آليبرت في البيان: “يمكن استخدام نموذج برن للتوصل إلى استنتاجات عن كيفية نشوء الكواكب، وتطورها، وأنواع الكواكب التي تتطور تحت ظروف معينة داخل القرص الكوكبي الأولي. ويُعد نموذج برن من النماذج القليلة عالميًا التي توفر هذا الكم الهائل من العمليات الفيزيائية المترابطة، وتتيح إجراء دراسة مماثلة للدراسة الحالية”.
   أنشأ نموذج برن عمليات محاكاة لعدد بلغ 53,882 من المنظومات الكوكبية تدور حول ثلاثة أنواع مختلفة من النجوم: نجوم من النوع G مثل شمسنا، ونجوم قزمة حمراء بكتلة تبلغ نصف كتلة الشمس تقريبًا، ومجموعة أخرى من الأقزام الحمراء بكتلة تبلغ خُمس كتلة الشمس فقط.

   بدأت الخوارزمية عملها على هذه الأنظمة الكوكبية المحاكاة بحثًا فيها عن صلات علائقية، تربط وجود أو غياب كوكب بحجم الأرض في منطقة صالحة للحياة مع مختلف بنى الأنظمة الكوكبية.
   وقد بدا بعض الارتباطات أوضح من غيره. على سبيل المثال، هناك ارتباط بين وجود كوكب صخري داخلي يسكن نظامًا مع كوكب غازي عملاق خارجي. هذا النمط البنيوي هو ذاته القائم في نظامنا الشمسي، حيث الكواكب الصخرية أقرب إلى الشمس من الكواكب الغازية العملاقة.

   ومن جهة أخرى، يوجد هناك علاقة عكسية بين كواكب المشتري الحارة ــ التي هي كواكب غازية عملاقة قريبة المسافة من نجومها ــ والكواكب المتشابهة جدًا فيما بينها، وهي سلاسل كواكب صخرية ذات كتل ومسافات مدارية متشابهة، عُثر عليها حول بعض الأقزام الحمراء، مثل النجم ترابيست ــ 1 (TRAPPIST -1) ونجم بارنارد Barnard’s Star. ولأن كوكب مشتري حار هو عملاق غازي نشأ بعيدًا عن نجمه ثم هاجر داخلًا نحوه، طاردًا أي كواكب في مساره إلى مسافات بعيدة، فلن نتوقع العثور على كوكب مشتري حار مع هذه الكواكب الصخرية المنظمة.
   ولكن هناك أيضًا ارتباطات أعمق، حددتها دافولت في أبحاث سابقة. وعلى وجه الخصوص، يبدو أن كتلة ونصف قطر ومدة دورة الكوكب الأقرب إلى النجم، الذي يمكن رصده، تُعدّ مؤشرًا هامًا على ما إذا كان النظام النجمي يستضيف كوكبًا معتدلًا بحجم الأرض أم لا.
   وعلى سبيل المثال، وجدت دافولت أنه حول نجوم من النوع G، مثل شمسنا، يبدو وجود كوكب بحجم الأرض في المنطقة الصالحة للحياة هو أمر أكثر احتمالًا إذا كان نصف قطر الكوكب الداخلي القابل للاكتشاف أكبر من نصف قطر الأرض بمقدار مرتين ونصف، أو إذا كانت مدة دورته المدارية أكبر من 10 أيام.
   وبمعرفة هذه العلاقات، فقد أمكن تدريب الخوارزمية بنجاح على بيانات عمليات المحاكاة.
   تقول دافولت: “بدت النتائج مثيرة: فقد حققت الخوارزمية قيمًا بدقة تصل إلى 0.99، وهو ما يعني أن 99% من الأنظمة الكوكبية التي حددها نموذج التعلم الآلي تحتوي على كوكب شبه أرضي واحد على الأقل”.
   وبثقتها بقدرة الخوارزمية على تمييز الأنماط العلائقية، فقد طُبِّقتها على عمليات رصد حقيقية، لتكشف فيها 44 نظامًا كوكبيًا مرشحًا يُرجَّح وجود كواكب بحجم الأرض فيها في المنطقة الصالحة للحياة حول نجومها. وبذلك يستطيع علماء الفلك الآن متابعة هذه الأهداف، بدلًا من بحثهم عشوائيًا بين النجوم.

   ستثبت هذه الخوارزمية جدارتها في مستقبل قريب: فبعد أن تطلق وكالة الفضاء الأوربية مهمتها الجديدة PLATO، التي يتوقع منها اكتشاف آلاف الكواكب العابرة أمام نجومها، ستطبق هذه الخوارزمية على اكتشافاتها، ويجب عليها أن تتمكن من تقليص عدد الأنظمة الكوكبية من آلاف الكواكب إلى عدد قليل منها يقدم فرصة أكبر لوجود كوكب شبه أرضي بينها، وهذا سيسمح لعلماء الفلك بالعثور عليها بسرعة وكفاءة أكثر.
   يقول آليبرت: “إنها خطوة مهمة في البحث عن كواكب ذات ظروف ملائمة للحياة، وفي البحث عن الحياة في الكون في آخر الأمر”.

يمكن لخوارزمية ذكاء اصطناعي جديدة أن تساعد في اكتشاف كواكب نجمية أخرى قد تكون صالحة للحياة.

* نشرت النتائج في عدد شهر إبريل، 2025، من مجلة Astronomy & Astrophysics.

محرر وصحفي علمي مستقل يعمل في المملكة المتحدة، يحمل شهادة في الفيزياء والفيزياء الفلكية من جامعة مانشستر. ألف كتاب “مفارقة الاتصال: تحدّي افتراضاتنا في البحث عن ذكاء خارج كوكب الأرض The Contact Paradox: Challenging Our Assumptions in the Search for Extraterrestrial Intelligence” (صدر عن دار بلومزبيري سيغما Bloomsbury Sigma، في العام 2020)، وكتب مقالات في علوم الفلك والفضاء والفيزياء وعلم الأحياء الفلكية لكثير من الدوريات والمواقع الإلكترونية العلمية.
المصدر:
https://www.space.com/the-universe/exoplanets/how-artificial-intelligence-is-helping-scientists-hunt-for-alien-earths