دكتور طارق ليساوي: دروس من الصراع الهندي – الباكستاني..

دكتور طارق ليساوي: دروس من الصراع الهندي – الباكستاني..

 

 

دكتور طارق ليساوي
خلصت في مقال “الوضعية صعبة لكن العبودية أصعب.. وكيف الهبت فاطمة خير “التواصل الاجتماعي” إلى أن ما يجري لا علاقة له بالسياسة إنه استغباء جماعي منظم، وامتهان مقصود لذكاء وكرامة المواطن..اليوم بات واضحًا.. أن أحزاب حكومة الشعارات  تشتغل في الظل، و يتم توزيع الأدوار بدقة، و صناعة المشهد، وتضليل الناس بخطابات مضللة و شخصيات طامعة ..لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن  ما يحدث لا يمكن فصله عن إرادة شعبية مختلة، فلا يمكن أن نلغي مسؤولية الشعب المغربي و بالأحرى جمهور  من الناخبين، الذين يتحملون النصيب الأكبر من المسؤولية في تدهور الأوضاع، وفي وضع من لا يستحق في موضع القرار في مقابل التضييق على الكفاءات، التي بإمكانها إحداث الفارق والاستهانة بأهل العلم والدراية قائلين لهم :” على من كتفراج زابورك يا  داوود؟”  ..و ما ينطبق على العامة يشمل فئات واسعة من النخب السياسية و الفكرية التي خضعت و خنعت لخيارات إستسلامية و إنهزامية ..

القوة لا تحدها إلا القوة

و نحن نتابع الصراع بين باكستان و الهند ، و المفاوضات الدائرة بين الحوثيين في اليمن و أمريكا و رئيسها “أبرهة الأشقر” ، نعيد التذكير بأن القوة لا تحدها إلا القوة ، ففي عالم اليوم لا مكان للضعفاء و المنبطحين و المستسلمين ..
فترامب الذي لم يترك أحدا على وجه الأرض لم يهينه أو يبتزه، عندما اصطدم مع المقاومة اليمنية اضطر إلى الإعتراف بشجاعتهم و صلابتهم ..فقد قال خلال كلمة في البيت الأبيض: ” إنه يحترم وعود جماعة أنصار الله اليمنية بوضع حد لاستهداف السفن في البحر الأحمر..”..و أضاف “لقد تلقوا ضربات قوية، لكنهم يملكون قدرة هائلة على تحمل الضربات، تحملوا ذلك وأظهروا شجاعة كبيرة”.

الصراع الهندي الباكستاني

فالقوة لا تحدها إلا القوة و هذه قاعدة بديهية في عالم متغير و متحول، والصراع الدائر بين الهند و باكستان يعيد التأكيد على أهمية القوة و الإعداد الجيد لكل مواجهة محتملة، فالبلدان لا تدافع عن مصالحها بالمهرجانات و الرقص و هز الأكتاف و الأرداف، و إنما بإعداد القوة و تدريب الرجال على المواجهة و التضحية و الصمود ، و قد أمرنا رب العالمين بإعداد القوة  قال تعالى في محكم كتابه : ” ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾( الأنفال -60).
 و الأية الكريمة تشير إلى: (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ‏)‏ أي‏:‏ كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية و الفضائية ، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع و غيرها من الأسلحة بما في ذلك السلاح النووي ، و أقوى الأسلحة  السياسة الرشيدة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم..
ومنذ الـ 22 من أبريل /نيسان الماضي يتصاعد التوتر بين القوتين النوويتين المتخاصمتين منذ تقسيم البلاد عام 1947، بعد اتهام نيودلهي إسلام آباد بالوقوف وراء هجوم استهدف سياحاً في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم جامو وكشمير، مما أسفر عن مقتل 26 شخصاً وإصابة آخرين، وهو الأمر الذي نفته الحكومة الباكستانية متهمة الجانب الهندي بممارسة “حملة تضليل ضدها”..

تصعيد مستمر

و بعد أيام من التهديدات و الاتهامات المتبادلة، تبادلت الهند وباكستان عمليات قصف عنيف منذ مساء الثلاثاء 06-05-2025 على طول الحدود المتنازع عليها في كشمير، مما أسفر عن 26 قتيلاً في الجانب الباكستاني و12 في الطرف الهندي، في أخطر مواجهة عسكرية بين البلدين منذ عقدين، مما آثار المخاوف من تحول جولة الصراع الراهنة إلى حرب شاملة قد تحمل تداعيات خطرة.
ووفق البيانات العسكرية الرسمية في كل من الهند وباكستان، وكذلك التقارير الإعلامية الواردة من البلدين، فقد تبادل الجيشان القصف المدفعي على طول الحدود المتنازع عليها في كشمير بعد ضربات صاروخية هندية على الأراضي الباكستانية، وقالت نيودلهي خلال الساعات الأولى من صباح الأربعاء إن تسعة مواقع مختلفة جرى استهدافها في كل من كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية..و استمر التصعيد إلى حدود كتابة هذه السطور فجر يوم 10-05-2025 تصاعدت المواجهة بين الهند وباكستان ، بعدما أطلقت إسلام آباد عملية عسكرية ردًا على ما وصفته بأنه ضربات هندية استهدفت قواعدها العسكرية ليل الجمعة.
وأعلنت القوات المسلحة الباكستانية، صباح السبت، أنها بدأت عملية عسكرية ضد الهند ردًا على هجمات صاروخية هندية استهدفت قواعد عسكرية باكستانية، من بينها قاعدة قريبة من العاصمة إسلام آباد. وأضافت أن دفاعاتها الجوية اعترضت معظم تلك الصواريخ.

تفوق التكنولوجيا الصينية

و النقطة الأهم في هذا الصراع أنه كشف عن علو قدم القدرات و التكنولوجيا  العسكرية الباكستانية في مواجهة العملاق الهندي، فبحسب تصريحات القيادة الباكستانية  فقد نجحت القوات الباكستانية في إسقاط طائرات هندية جد متطورة ..
و قال المتحدث باسم الجيش الباكستاني، أحمد شريف شودري إن قوات الأمن الباكستانية “قامت حتى الآن بتحييد 12 طائرة بدون طيار من طراز هاروب في مواقع مختلفة”، و هذه الطائرات من صنع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وهي شركة إسرائيلية لصناعة الطائرات. وبين تشودري أن الطائرات بدون طيار تم إسقاطها في جميع أنحاء باكستان، بداية من منطقة “روالبندي” في الشمال- المقر الرئيسي للجيش- إلى موقع بالقرب من ميناء “كراتشي” الضخم في الجنوب.
و بحسب ما أوردت  رويترز نقلا  عن مسؤولين حكوميين محليين في الهند فقد أسقطت باكستان   ثلاث طائرات هندية ، وقال وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف لرويترز، الخميس، إن الطائرة جيه-10 استخدمت لإسقاط ثلاث طائرات “رافال” فرنسية الصنع حصلت عليها الهند في الآونة الأخيرة.
و الصراع المتصاعد بين الهند وباكستان يكشف عن مدى تفوق و أداء التكنولوجيا العسكرية الصينية المتقدمة في مواجهة المعدات الغربية المُجرّبة، وقد بدأت أسهم الدفاع الصينية بالارتفاع بالفعل..وارتفعت أسهم شركة  “تشنغدو” لصناعة الطائرات الصينية بنسبة 40% هذا الأسبوع، بعد أن زعمت باكستان أنها استخدمت طائرات جي-10 سي المقاتلة التي تنتجها الشركة لإسقاط طائرات مقاتلة هندية- بما في ذلك طائرة رافال الفرنسية المتطورة- خلال معركة جوية..

قوة نووية إسلامية

و ما يهمنا في هذا الصراع أن باكستان نجحت في تحقيق توازن الرعب في مواجهة العدو التاريخي ” الهند” ، لذلك سأحاول تقريب القارئ الكريم من هذا البلد الإسلامي ، فباكستان تعني في عرف غالبية حكام الخليج و أغلبية الشعوب العربية، مصدرا لليد العاملة الرخيصة، و لتفشي الفقر و الأمية، لكن ما لا يعلمه الكثير أن هذه   الدولة الإسلامية  تملك مصادر قوة غير متاحة للكثير من البلدان الخليجية التي تفتخر و تعتز بما لديها من ثروات قارونية..
فجمهورية باكستان الإسلامية دولة ذات  سيادة في جنوب آسيا تأسست سنة 1947 وعدد سكانها يتجاوز 191 مليون نسمة، وهي سادس دولة من حيث عدد السكان ومساحتها تغطي 796095 كلم مربع  و تحتل المرتبة  36 في العالم من حيث المساحة. وتحدها الهند  من  الشرق و أفغانستان من  الغرب و إيران  من  الجنوب الغربي و الصين في أقصى الشمال الشرقي و لها حدود بحرية مع عمان  ..
و باكستان لديها سابع أكبر قوات مسلحة في العالم، وهي أيضا قوة نووية، و دولة تمتلك أسلحة نووية معلنة، وهي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تمتلكه…و قوتها العسكرية و تحديدا النووية سبب رئيس في مكانة باكستان، فبعد حصول باكستان على استقلالها عاشت فترات عصيبة، وعانت من ويلات الحكم العسكري وعدم الاستقرار السياسي و النزاعات المسلحة مع الهند..

الإعتماد على الذات

و لعل صراعها مع الهند كان محفزا على خروجها من دائرة التبعية الغربية و انسلاخها التدريجي عن المظلة الأمريكية، فبعد انفصال بنغلاديش(باكستان الشرقية) عن باكستان، و تعرض البلاد للخيانة من قبل الحلفاء الغربيين ، وأيضا تعرض البلاد للتهديد و للانقسام بفعل السياسات الخاطئة لقادة الجيش الباكستاني..فبعد أن فقدت باكستان جناحها الشرقي، و حوالي 60 ٪ من عدد سكان البلاد، فهل ستبقى البلاد متماسكة، أم أن جماعات إقليمية أخرى خاصة ” البلوخيين” و قبائل “الباثان” ستحاول بدورها الإنفصال و تشكيل دولهم الخاصة، و تشكل دولة بنغلاديش التابعة للهند، أصبحت الهند السيد غير المنازع لشبه القارة الأسيوية الجنوبية..

ذو الفقار علي بوتو

و نتيجة لهذه الذلة والمهانة التي تعرضت لها باكستان في ديسمبر 1971، لم يكن أمام الحكام العسكريون الباكستانيون إلا العودة لثكناتهم العسكرية، و أن يسلموا مقاليد الحكم للزعيم السياسي المدني الذي لديه الأمل في الاحتفاظ بتماسك ما تبقى من باكستان، وكان هذا الزعيم هو ” ذو الفقار علي بوتو”…
و أكثر طموحات “علي بوتو” كان في ميدان العلوم النووية ، ففي أيامه الأولى كحاكم مدني للباكستان، إنطلق “بوتو” في بناء القنبلة الذرية الأولى للعالم الإسلامي…

خيمة مولتان

فبعد نحو أقل من شهر على تسلمه السلطة دعى إلى اجتماع سري حضره نحو 50 من كبار العلماء  الباكستانيين و المسؤوليين الحكومين بمدينة ” مولتان” القريبة من الحدود الهندية، و تم الاجتماع تحث خيمة أصبحت تعرف فيما بعد ب”خيمة مولتان”..
وبداخل هذه الخيمة تم التداول في أخطر قضية و أكثرها تأثيرا: كيف السبيل إلى الحصول على القنبلة النووية؟ قد يبدو هذا الطموح ضربا من الخيال في بلد فقير ، لكن تحت هذه الخيمة حضر أفضل و أعظم العقول في الباكستان، و من هنا بدأت مسيرة القنبلة النووية، لكن عمق الانتماء  الإسلامي دفع القيادة الجديدة وعلى رأسها بوتو إلى الاستعانة بالبلدان العربية و الاسلامية لتوفير الأموال ، وكذلك كان، فقد دفعت ليبيا و السعودية الكثير من الأموال لدعم الطموح النووي الباكستاني، فنتيجة للتحالف و التكامل بين المال العربي و الكفاءة العلمية والإدارية الباكستانية ، إستطاعت باكستان تفجير قنبلتها النووية بالرغم من الانقلاب على “علي بوتو” و إعدامه فيما بعد لكن طموحه النووي تم استكماله رغم الحصار الدولي الذي تم فرضه على نقل التكنولوجيا النووية لباكستان، مما دفع القائمين على المشروع إلى إقامة أكبر شبكة سرية و معقدة للحصول على  المعدات و التكنولوجيا النووية، و نجحت باكستان في ما فشل فيه العراق و ليبيا..
فباكستان قوة عسكرية و سياسية إسلامية، ينبغي الاستفادة منها، ليس لقصف البلاد العربية أو الإسلامية، و إنما توظيفها لتدعيم استقلال الأمة العربية والإسلامية و الحد من تبعيتها للولايات المتحدة أو روسيا، بل يمكن الاستفادة من باكستان و توجهها السياسي في تدعيم السلم المحلي و الإقليمي، و محاولتها تجنب الصراعات الطائفية و المذهبية، فباكستان تتشكل من فسيفساء عرقي و إثني، و تنوع مذهبي، فهي ذات أغلبية سنية، و لكن لديها أقليات شيعية، وهو ما يجعلها بعيدة إلى حد ما عن الخطاب الطائفي..
نتمنى أن يتم التعامل مع البلدان الإسلامية الصاعدة بإيجابية، فقوة تركيا و ماليزيا و أندونيسيا و باكستان، لن تكون في المحصلة النهائية، إلا في صالح العالم العربي و الإسلامي، فهذه الشعوب تتوحد شعاراتها و مشاعرها عندما تتعرض المقدسات الإسلامية لأي تهديد، و تتوحد في عدائها للغطرسة الإسرائيلية و الأمريكية، و تتألم للدماء التي تسفك في غزة و اليمن و سوريا و السودان ، و لن تتردد في الدفاع عن الحرمين، لكن حال البلدان العربية وفي مقدمتهم بلا الحرمين، عائق رئيس في الاستفادة من القوى الإسلامية الصاعدة، لأن حكام السعودية يريدون ولاءا و دعما لشخصهم و سياساتهم التي لا تعبر بالضرورة عن مصالح الإسلام و المسلمين، فلو إمتطت المملكة  سفينة الوحدة الإسلامية، لإستطاعت إنقاذ نفسها و إنقاذ باقي العالم العربي و الإسلامي، لكن للأسف  المملكة تراهن على دعم “أبرهة الأشقر” الإعتماد المطلق  على المظلة الأمريكية ، و في هذا الاختيار تهديد لأمن المملكة و مواردها و سأشرح ذلك في مقال موالي إن شاء الله …و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..
كاتب وأستاذ جامعي من المغرب