حمزة السحيمات: الهجوم على الأردن: من أين بدأ.. لماذا استمر.. وكيف نوقفه؟

حمزة السحيمات
منذ تأسيس المملكة، يتعرض الأردن لحملات تشويه وهجوم وانتقاد، تعددت دوافعها وتنوّعت أدواتها. لكن من بين كل تلك الأسباب، أجد أن هناك سببًا تاريخيًا جوهريًا، ربما شكّل القاعدة الصلبة التي استند إليها كثيرون في محاولاتهم للنيل من صورة الأردن وقيادته على امتداد العقود الماضية.
في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وبعد أن أطاح “الضباط الأحرار” بالحكم الملكي في مصر، بدأت القيادة الجديدة، وتحديدًا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر – صاحب الشخصية الكاريزمية والمؤثرة في الشارع العربي- بشنّ هجوم واسع على الأنظمة الملكية، وعلى رأسها الأردن والملك الحسين بن طلال. وقد جرى ذلك عبر أدوات إعلامية كانت فاعلة ومهيمنة في تلك المرحلة، وعلى رأسها إذاعة “صوت العرب”، التي لم يكن لها منافس عربي يوازي تأثيرها، وكذلك عبر الصحافة، وعلى رأسها صحيفة “الأهرام” بقيادة محمد حسنين هيكل، الذي لم يقتصر دوره على إدارة الجريدة، وإنما بكتابة خطب الرئيس وصوغ رسائله الإعلامية التي كانت تستهدف الأردن بشكل مباشر وقاسٍ ومنهجي.
بل إن الهجوم بلغ في بعض مراحله مستوى التحريض الصريح، حيث وُصفت مواقف الملك حسين في تلك الفترة المتقلبة -وتحديدًا عام ١٩٥٨ وما بعده- بالخيانة علنًا عبر موجات “صوت العرب”، وتم تصوير الأردن كأداة بيد الاستعمار. وقد ساهم ذلك الخطاب العدائي في ترسيخ صورة مشوّهة عن الأردن في الوجدان الشعبي وكذلك لدى بعض النخب الثقافية والإعلامية في العالم العربي، بقيت آثارها حاضرة حتى بعد زوال دوافعها السياسية.
لقد شكّل هذا الخطاب الإعلامي المعادي، وتلك الادعاءات، قاعدة استمرت إلى يومنا هذا. فعند تحليل غالبية الانتقادات الموجهة للأردن وقيادته في الحاضر، نرى أن أساسها يعود إلى تلك القاعدة التي بقيت في أذهان الناس حتى الآن.
والسؤال الجوهري هنا: لماذا استمرت هذه القاعدة وتلك الصورة السلبية لكل ما يقدمه ويفعله الأردن؟
إن سبب استمرار هذه القاعدة لا يمكن فصله عن عاملين رئيسيين. الأول: ضعف الإمكانيات الإعلامية الأردنية، سواء على المستوى البشري أو التقني، في تلك المرحلة المبكرة من عمر الدولة، حيث لم تكن أدوات الخطاب الأردني قادرة على مجاراة الزخم الإعلامي القادم من القاهرة، ولا على التصدي لحملاته الممنهجة، وبالتالي بقيت هذه الاتهامات متداولة ولم تتوقف. أما العامل الثاني، فهو مرتبط بطبيعة النهج الأردني نفسه، القائم على منهج الاعتدال والوسطية والابتعاد عن الصدام، والحرص الدائم على صون العلاقات العربية وتجنب العبث بأسس الأخوّة بين الشعوب. فالأردن لم يكن يومًا دولة تُجيد الطعن في الخفاء، ولا تبني سياساتها على الثأر والدعاية المضلّلة.
ولعلّ هذا النهج الثابت هو ما مكّن الأردن لاحقًا من أن يتحول إلى طرف مقبول للوساطة في النزاعات، كما حدث في أزمات إقليمية عديدة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وسواها من الملفات التي تعامل فيها الأردن بوعي سياسي ومسؤولية عالية.
أما اليوم، فقد تغيّرت الأدوات، وأصبح الفضاء الإعلامي متاحًا أمام الجميع، ولم تعد المعركة الإعلامية تُخاض بالأساليب القديمة. وإذا كان الأردن لا يزال يحرص على الاعتدال في علاقاته الخارجية، فإن ذلك يجب أن يترافق مع استراتيجية إعلامية داخلية تُعزز ثقة الرأي العام بدولته وقيادته، وتوفر له أدوات الفهم والتمييز، ليتصدى بنفسه لأي خطاب مشوَّه أو معلوماتٍ مغلوطة تمسّ الوطن. فبناء إعلام داخلي ناضج، لا يعني الرد على كل اتهام، بل يعني أولًا كسب المواطن الأردني نفسه، وجعله شريكًا في الدفاع عن صورة بلده أمام محاولات التشويه المتكررة.
كاتب اردني