شعيب زواوي: بابا من بلاد ترامب: هل بات الفاتيكان أداة جديدة في لعبة النفوذ الأمريكي؟

شعيب زواوي
في مشهد يطوي صفحة طويلة من الهيمنة الأوروبية على رأس الكنيسة الكاثوليكية، جاء انتخاب بابا جديد لا ينتمي إلى القارة العجوز. خطوة ليست مجرد تغيير شكلي أو رمزي، بل تعكس ربما تحوّلًا أعمق في بنية الزعامة الروحية، وتثير تساؤلات جدية حول موقع الفاتيكان اليوم وسط متغيرات السياسة الدولية.
خلف هذا الحدث الكنسي البارز، تلوح إشارات إلى أبعاد استراتيجية لا تخطئها العين. فالبابا الجديد، الذي خلف الراحل فرنسيس – البابا غير الأوروبي الأول منذ قرون – يبدو وكأنه يكرّس مسارًا جديدًا باتت فيه المؤسسة الدينية الأكبر في العالم أقرب إلى فضاء التأثير الأمريكي الناعم.
ومن بين من سارع إلى استغلال اللحظة، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يضيع فرصة ليذكّر بدوره في المشهد العالمي، ولو من بوابة الفاتيكان. فقد أعاد نشر صورة تعود إلى زيارته للبابا فرنسيس عام 2017، وكتب تعليقًا يقول فيه: “أحيانًا عليك أن تُري العالم من هو القائد الحقيقي.” عبارة قصيرة لكنها محمّلة بالدلالات، وكأن ترامب يقدّم نفسه، من جديد، كرمز يتجاوز السياسة، ويدّعي موقعًا في قلب المعركة على الزعامة الرمزية والروحية.
ولم تتوقف الرمزية عند حدود التغريدة. فبعد وفاة البابا فرنسيس، اجتاحت وسائل التواصل صورة مركبة رقمياً لترامب مرتديًا زي البابا الأبيض. للوهلة الأولى، بدت الصورة كمجرد نكتة بصرية من وحي خيال الإنترنت، لكن تداولها الواسع حوّلها إلى ما يشبه التمرين الذهني: ماذا لو صار النفوذ الأمريكي قادرًا على اختراق الفضاء الروحي نفسه؟ الصورة، رغم طرافتها الظاهرية، تحمل رسالة مقلقة: هل باتت الزعامة الروحية هي الأخرى في طريقها إلى الاصطفاف ضمن دوائر القوة الأمريكية؟
ما يجري اليوم يبدو أبعد من مجرد تعيين ديني. فالمؤشرات، بدءًا من السياقات التي أحاطت بانتخاب البابا الجديد، مرورًا بالحضور الأمريكي الطاغي في التفاعل الإعلامي، وحتى في الرموز الرقمية المتداولة، تدفع إلى التساؤل: هل الفاتيكان في طريقه إلى التماهي مع السياسات الأمريكية؟ وهل ما نراه مجرد صدفة عابرة أم جزء من منظومة تأثير تعمل بصمت ومنهجية؟
القلق المشروع هنا يتعلّق بمستقبل الكنيسة الكاثوليكية ككيان روحي مستقل. هل ستتمكن من الحفاظ على مسافتها عن الحسابات السياسية الكبرى، أم أننا نقترب من مرحلة تتداخل فيها الأدوار، حيث تصبح المرجعيات الدينية أدوات ضمن صراع النفوذ الدولي؟
وجود بابا من خلفية أمريكية لا يعني بالضرورة انزلاقًا مباشرًا نحو هذا السيناريو، لكنه يفتح الباب على مرحلة جديدة محفوفة بالأسئلة. فالعلاقة بين الدين والسياسة كانت دائمًا معقدة، لكنها اليوم تأخذ أبعادًا أكثر حساسية في ظل صعود موجات اليمين الشعبوي واستثمار الخطاب الديني في تبرير المواقف الجيوسياسية.
الأسئلة تبقى مطروحة: هل تتحوّل الروحانية إلى امتداد للنفوذ الأمريكي؟ وهل الكنيسة الكاثوليكية مستعدة للحفاظ على دورها كمرجعية فوق الدول أم أنها تتجه تدريجيًا نحو التكيف مع التوازنات الجديدة التي تفرضها واشنطن؟
ما هو مؤكد أن العالم يشهد تحولًا صامتًا لكنه عميق، لا يطال فقط السياسة والاقتصاد، بل يمتد إلى عمق الرمزية والروحانيات.
إعلامي وكاتب جزائري