خالد الهواري: البكاء بين ايدي حمالات الحطب

خالد الهواري: البكاء بين ايدي حمالات الحطب

خالد الهواري

المدي في اتساع الظل صلصلة، ومقصلة، من يشتري ذكريات طفولتي، ودفاتر الدرس عن امتين عربية واسلامية فتحت ابوابها للزناة  يلوطون بها على الهواء مباشرة  في رابعة النهار بزجاجة من الخمر المعتق، ولفافة من التبغ، من يقايضني؟
على تاريخ الغزوات والفتوحات، وحرب البسوس، وداحس والغبراء، عن الذين ينادون عنتر والرماح كانها اشطان بئر في لبنان الادهم، عن رحلة ذو القرنين الذي بلغ مطلع  الشمس، والخطابات الجهورية الشعبوية الحماسية المزيفة للطغاة الذين جلبوا العار والهزيمة، من يشتري اوراق هويتي؟ التي اثقلت كاهلي، وحملتها جرحا يدمي القلب بين كل العواصم، برائحة شعر امرأة عابرة سبيل يطوقني على فراش المنفي الثقيل لليلة واحدة.
شاء من شاء، وابى من ابى، ومن لا يصدق فليضرب رأسه في اقرب جدار، هذا بطل لا يشق له غبار، وريث الفاتحين، والمرابطين، والثوار الاوائل، قد تعلم الدرس من قرود كونفيشيوس، اختار الصمت سلاحا في ساحة الوغي، وصوت صهيل الخيول، وقرع السيوف، وحين تعرف الرجال بمواقفها اغلق على نفسه الابواب، واطفئ جذوة النار، ايها الأبناء الصالحين لا تخجلوا من قائدكم الابوي، واخفضوا له جناح الذل من الرحمة، اعلنوا في شجاعة، وبجاحة للخونة والجهلة والمتآمرين، ان الصمت من اجل النجاة، والبقاء على العرش جسدا بلا روح مثل سليمان العظيم يأكل النمل من عصاه يستحق المديح والثناء، فاحملوه ايها المواطنين الشرفاء احفاد الثوار على الاعناق، واغسلوا قدمية بماء عرق كبرياءكم في حفلة الاناشيد الوطنية، وطاردوا الافاعي التي تريد ان تزعج هدوء قائدكم الذي بلغ من الكبر عتيا، وهؤلاء الخونة الجبناء منزوعي الكرامة، الذين تقاسموا الخبز على مائدة الاعداء، وفتحوا لهم السفارات في بلادهم، ورفعوا اعلامهم في الشوارع، والمنتديات والمحافل، وفضوا غشاء بكارتهم بايديهم، وآمنوا بدين ابراهيم الخليل، وتبرعوا لهم بالذهب والفضة، اخرجوهم من قريتكم، والعنوا تاريخهم منذ اجدادهم الحفاة حتي قباب الابراج التي تناطح السحاب.
هذا هو الوجه الاخير للحياة عند النخاسين محترفي تجميل وجه العهر في وساءل الاعلام، والمقارنة مدفوعة الاجر  بين الوان اوراق التوت التي تخفي العورات، وذكر محاسن الغواني، كل واحده منهن بطريقة ممارستها الشبق السياسي في سوق الجواري، فهل هناك فرق ايها المارقون بالروث في احشاءنا، وفي بطون الجوعى، واعين اليتامى، ايها السارقون جلودنا وعقولنا بين انآت وتنهدات جارية واخرى على فراش الاستسلام؟ فباي الاء ربكم تضربون الدفوف، وتطوفون بمواقد البخور على اضرحة من جعلوكم تسيرون امواتا علي الارض.
الوجه الاخير مرسوما مقطوع الظل على هوامش الخريطة، في ابدية سيمفونية السقوط الهائل تحت حوافر الحمير، والبغال، وحمالات الحطب، وسارقي البهجة من عيون السائرين اعمارهم على جسر الخوف يسبحون في ازمنة الجوع بكرة وعشيا باسم رغيف الخبز المقدس تارة، ويتلون الصلوات بشتى اللهجات تارة اخرى لحراس الحدود والمعابر، طيور مكسورة الاجنحة، تختفي في زغبها وهنا على وهن،  وتضرب بمناقيرها الابواب الحديدية المغلقة، هو هذا الجسد المثخن بالجراح ليل نهار، المعلق من رأسه في الاتجاهات الاربعة عاريا مغطى بتيجان الشوك، يأكل الدود من عورات الملوك والامراء، والرؤساء، والجنرالات، دنا حين تنفس الصبح، فكان في رثاء النادبات المبتذلات نذرا منذورا للعقبان تأكل من رأسه، هو جسدنا، الذي لم يعد يتبقى فيه بعد ان تشوه على ايدي اللصوص، وقطاع الطرق، ومثقفين حظائر البهائم علامات تسمح بالتعرف عليه، او اعادة اكتشافه من جديد، واثبات هويته في التي والمنافي، حتى في زمن عز مجده المزيف الذي سجله بائعي الاوراق، والدجالين، وماسحي نعال التاريخ، كان ممزق الهويات بين النطع وحد السيف، وعروش الملوك، والرؤساء، واصحاب العمائم مجهولين الاصل، غارق من اخمص قدميه حتى رأسه في كوابيسه، وتأملاته التاريخية، واحلامه التي لا تتحقق، هو جسدنا، هو الوطن، والامة المنكوبة، المحكومة في زمن السلام، وايام الحرب بجزارين متوحشين يتشاركون جميعا في لعبة تقديم القرابين، وترتيل تعاويذ بيع الارض قطعة قطعة، واجزاء مرقمة مجانا، يركعون ويسجدون تحت اقدام راعي البقر تارة، والدب الانتهازي تارة أخرى من اجل البقاء على العروش بألوانها الفاقعة، والاشجار المغبرة بتراب رحلة عربة الموتى في الشوارع .
كاتب مصري/ السويد