تناقضات العلاقات بين الهند وباكستان

د. طارق ليساوي
أشرت في مقال ” دروس من الصراع الهندي – الباكستاني..” إلى أن صراع باكستان مع الهند شكل حافز أساسي للقيادة الباكستانية للخروج من دائرة التبعية الغربية و انسلاخها التدريجي عن المظلة الأمريكية، و شكلت سنة 1971 و تحديدا لحظة انفصال بنغلاديش(باكستان الشرقية) عن باكستان، نقطة تحول أساسية في تاريخ باكستان ، فقد تعرضت البلاد للخيانة من قبل الحلفاء الغربيين، و لخطر الانقسام و مزيد من التفتيت نتيجة للسياسات الخاطئة لقادة الجيش الباكستاني..و بعد أن فقدت باكستان جناحها الشرقي، و حوالي 60 ٪ من عدد سكان البلاد، و تنامي نزعات إنفصالية لدى جماعات إقليمية أخرى خاصة ” البلوخيين” و قبائل “الباثان”، أصبحت الهند السيد غير المنازع لشبه القارة الأسيوية الجنوبية..و نتيجة لهذه الذلة والمهانة التي تعرضت لها باكستان في ديسمبر 1971، لم يكن أمام الحكام العسكريون الباكستانيون إلا العودة لثكناتهم العسكرية، و أن يسلموا مقاليد الحكم للزعيم السياسي المدني الذي لديه الأمل في الاحتفاظ بتماسك ما تبقى من باكستان، وكان هذا الزعيم هو ” ذو الفقار علي بوتو”، الذي نجح في أيامه الأولى كحاكم مدني للباكستان، في تأمين و تنظيم اجتماع سري حضره نحو 50 من كبار العلماء الباكستانيين و المسؤوليين الحكوميين بمدينة ” مولتان” القريبة من الحدود الهندية، و تم الاجتماع تحث خيمة أصبحت تعرف فيما بعد ب”خيمة مولتان”..وبداخل هذه الخيمة تم التداول في أخطر قضية و أكثرها تأثيرا: كيف السبيل إلى الحصول على القنبلة النووية..و شكلت القنبلة النووية أهم رادع للطموحات الهندية ..
حافة الهاوية
و في الصراع الدائر حاليا بين البلدين و الذي تفجر منذ 22 أبريل عندما شهد الشطر الهندي من كشمير هجوما نفذه مسلّحون قتلوا خلاله 26 شخصا في موقع سياحي ، اقتربت الهند و الباكستان من حافة الهاوية ، فقد تم تبادل القصف المدفعي وهجمات بالمسيرات والصواريخ ، الأمر الذي أثار مخاوف من تطور الوضع إلى حرب شاملة بين القوتين النوويتين، ودفع العديد من العواصم الأجنبية إلى الدعوة إلى ضبط النفس..
وقف إطلاق النار
و فجر اليوم 11-05-2025 ، أعلن ترامب عن وقف إطلاق النار بين الهند و باكستان، في منشور على موقع “تروث سوشيال”، قائلا: “بعد ليلة طويلة من المحادثات بوساطة الولايات المتحدة، يسرني أن أعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار كامل وفوري”، مهنئًا قادة البلدين على “استخدامهم المنطق السليم والذكاء الكبير”.
وبعد ذلك بوقت قصير، زعم وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أن الهند وباكستان لم توافقا فقط على وقف إطلاق النار، بل أيضًا على “بدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد”.
وصرحت وزارة الإعلام الهندية بأن الاتفاق تم التوصل إليه “مباشرة بين البلدين”، مقللة من أهمية التدخل الأمريكي ومتناقضة مع ادعاء ترامب، كما أكدت الوزارة عدم وجود “قرار” بإجراء المزيد من المحادثات، لكن المسؤولين الباكستانيين أشادوا بواشنطن بشدة، إذ قال رئيس الوزراء، شهباز شريف: “نشكر الرئيس ترامب على قيادته ودوره الاستباقي من أجل السلام في المنطقة”..وصرح مصدر باكستاني مطلع على المفاوضات لشبكة CNNبأن الولايات المتحدة – وروبيو تحديدًا – كان لهما دورٌ أساسي في إبرام الاتفاق، مما يُظهر أن المحادثات كانت محل شك حتى تأكيد الهدنة.
العلاقات الصينية- الباكستانية
و التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار خطوة إيجابية ، خاصة و أن الصراع لا تنحصر دائرته عند الهند و باكستان ، بل يشمل الصين التي تعد طرف أصيل في هذا النزاع ، فالصين تصطف إلى حليفها الإستراتيجي باكستان و تشترك مع البلدين في إقليم كشمير المتنازع عليه ، بينما الهند تتحالف مع أمريكا ..فالصراع في منطقة جنوب آسيا أطرافه الأساسية الصين و الهند و باكستان ، و العلاقة الهندية- الصينية يغلب عليها الصراع و التنافس الإستراتيجي، خاصة بعد الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها الهند من طرف الصين عام 1962، كما أن الهند و خلفها أمريكا تنظر بحذر شديد إلى التحالف بين الصين وباكستان ..
فالعلاقات الصينية- الباكستانية تشكل تهديد إستراتيجي للهند، و قد شهدت هذه العلاقات تطور متنامي منذ نشأة باكستان.. فعلى المستوى العسكري، لعبت الصين دورا مهما في بناء القدرات العسكرية الباكستانية، فمنذ عام 2008 وحتى عام 2020 قامت الصين بتزويد باكستان بأسلحة يزيد مقدراها عن 6.4 مليار دولار، ومن ثم فهي تعتبر أكبر مورد للأسلحة لباكستان، كما تشكل الطائرات الصينية الصنع مكون أساسي ضمن أسطول الطائرات المقاتلة الباكستانية..
أما اقتصاديا ، فإن الصين تستثمر أزيد من 57 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية والطاقة الباكستانية وهو أكثر مما تستثمره في أي دولة أخرى بجنوب آسيا، وقد تأكد هذا التعاون في ظل مبادرة الحزام والطريق حيث تقوم الصين بإنشاء ممر إقتصادي صيني – باكستاني، وقد جاء الموقف الهندي بطبيعة الحال غير داعم لهذه المبادرة فقد رفضت الهند الإنضمام إليها، وكان ذلك الأمر واضحا في عدم إرسال الهند وفدا رفيع المستوى لحضور القمة الثانية لمنتدى الحزام والطريق والتي عقدت في بكين في أبريل عام 2019 وذلك في إطار التخوف الهندي من مشروع الممر الإقتصادي بين الصين وباكستان، نظرا لمرور هذا الممر بأجزاء تتنازع عليها الهند وباكستان، بالإضافة إلى ذلك فإن إنشاء هذا الممر سوف يدعم ويعزز الوضع الإقتصادي لباكستان وهو ما تخشاه الهند ..
كما أن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) -، أثر في العلاقات الباكستانية الأمريكية إلى حد ما، فقد عارضت واشنطن هذه المشروعات، ووصفتها بأنها “فخ للديون الصينية”، حيث تقدم الصين أولًا قروضًا كبيرة للدول، التي تصبح بعد ذلك غير قادرة على سداد الديون، مما يجبر الحكومات على التنازل عن المواني المهمة إستراتيجيًّا لبكين. كما أن توسع و العلاقات الهندية الأمريكية، يؤثر سلبا في العلاقات الباكستانية الأمريكية. ..
العقدة الكشميرية
تعد مسألة إقليم كشمير من المسائل المحورية في السياسة الخارجية لكل من الهند وباكستان منذ إستقلالهما، فهي تؤثر سلبا أو إيجابا على علاقات البلدين ، وتعود جذور هذه القضية التاريخية إلى تاريخ الهند نفسها كدولة مستقلة بعد الحرب العالمية الثانية ..
و نظرا لأن تقسيم شبه القارة الهندية قد تم على أساس ديني فقد كان من المتوقع بالنسبة للقادة في باكستان أن تنضم كشمير ذات الأغلبية المسلمة إلى دولتهم الوليدة، إلا أن حاكم كشمير هاري سينغ أراد الإستقلال، وهو الأمر الذي استدعى التحرك من الجانب الباكستاني لفرض أمر واقع في المنطقة مما اضطر سينغ إلى طلب المساعدة من الهند التي اشترطت الإنضمام إليها مما اضطره لتوقيع وثيقة الإنضمام والتي ربطت كشمير بالسيادة الهندية عبر وضع خاص تم إعطاؤه لها في الدستور الهندي، وفي أكتوبر عام 1947 وافقت الهند على إنضمام كشمير وبدأت القوات الهندية في دخول كشمير، حيث تسبب هذا الموقف في إندلاع الحرب الهندية – الباكستانية الأولى والتي نتج عنها سيطرة الهند على حوالي 100,563 كم2 فيما يعرف بجامو وكشمير، وسيطرة باكستان على ما يعرف بإسم كشمير الحرة التي تبلغ مساحتها حوالي 78,932 كم2، وهكذا أصبح إقليم كشمير منقسم من الناحية العملية إلى: ولاية جامو وكشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، والجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير والذي قامت باكستان بتقسيمه إلى قسمين هما آزاد كشمير والمناطق الشمالية، ويفصل بين الأجزاء الخاضعة للسيطرة الهندية والأخرى الخاضعة لسيطرة باكستان خط يعرف بخط المراقبة أو خط وقف إطلاق النار، كما تسيطر الصين على مساحة صغيرة هي منطقة إكساي تشين وتبلغ 42,735 كم2، بالإضافة إلى5,000 كم2 منحتها باكستان إلى الصين.
ويعد الإقليم منذ ذلك التوقيت منطقة متنازع عليها وفقا للقانون الدولي، إذ لم يتم إجراء إستفتاء حق تقرير المصير للشعب الكشميري بناء على قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 5 يناير عام 1949 والذي تضمن خطة للحل تشمل: إنسحاب القوات العسكرية من كشمير، وإجراء إستفتاء شعبي تشرف عليه الأمم المتحدة لتقرير مصير الإقليم، وتنصيب حكومة إنتقالية من أجل الإشراف على الوضع في كشمير، وقد خاضت الهند وباكستان حربين كبيرتين تقليديتين في عامي 1947 و1965 بسبب هذا النزاع، كما كادت الدولتان أن تخوضا حربا شاملة في صيف عام 1999 فيما عرف بأزمة” كارجيل”..
فالصراع بين الهند وباكستان على إقليم جامو وكشمير -من المنظور الباكستاني- ليس مجرد صراع على قطعة من الأرض، أو دفاع عن حق أهل كشمير، بل هو قضية موت وحياة للأمة الباكستانية كلها، بسبب ارتباطه بشريان الحياة الباكستاني، أي نهر السند وفروعه التي تعبر ذلك الإقليم…فكلمة السر لفهم الأزمة الحالية يكمن في “الماء”.. و حتى لا أطيل عليكم سأرحل ما تبقى من نقاش للمقال الموالي إن شاء الله تعالى… و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..
كاتب و أستاذ جامعي من المغرب