ألكسندر نازاروف: من حقق الفوز في اتفاق التعريفات الجمركية بين الصين والولايات المتحدة؟

ألكسندر نازاروف
توصلت الصين والولايات المتحدة، بعد مفاوضات جنيف، إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما.
ستخفض واشنطن الرسوم الجمركية على السلع الصينية من 145% إلى 30%، بينما ستخفض بكين الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية من 125% إلى 10%، ومع ذلك ستستمر المفاوضات.
يبدو الأمر للوهلة الأولى أن الولايات المتحدة قد انتصرت، إذ حافظت على رسوم جمركية مرتفعة على السلع الصينية، إلا أن الواقع أن الولايات المتحدة والرئيس ترامب شخصيا تكبدوا هزيمة ساحقة.
أولا، تتكون معظم الصادرات الأمريكية إلى الصين من مواد خام وسلع معالجة بشكل بسيط. في الوقت نفسه، فإن معظم صادرات الصين إلى الولايات المتحدة تتكون من أجهزة كومبيوتر وإلكترونيات وغيرها من السلع ذات القيمة المضافة العالية، وهو ما يعني أنه بخفض الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية، ستحصل الصين على مواد خام أرخص، ومن خلال إبقاء الرسوم الجمركية على السلع الصينية مرتفعة، سيواجه ترامب ارتفاعا في التضخم.
لكن الاتفاق لا يؤثر إلا على 15% من إجمالي صادرات الصين، وهو أحد الأسباب التي دفعت الصين إلى قبول التحدي بهدوء والرد على رسوم ترامب الجمركية بفرض رسوم جمركية. وحتى لو توقفت التجارة الصينية الأمريكية بشكل كامل، فإن الضرر الذي سيلحق بالصين سيكون أقل بكثير من الضرر الذي سيلحق بالولايات المتحدة.
لكن العامل الأكثر أهمية هو أن جزءا كبيرا، وربما أغلبية الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تمر عبر دول ثالثة. وتمثل الواردات المباشرة من الصين 14% من إجمالي واردات الولايات المتحدة، والمكسيك 16%، وكندا 13%، وفيتنام ما يقرب من 5%، لكن معظم الصادرات من هذه البلدان هي سلع صينية يتم تعبئتها وتغليفها في تلك البلدان فقط أو على الأقل تجميعها من مكونات صينية. وتستخدم نسبة كبيرة من الصادرات إلى الولايات المتحدة من شركاء تجاريين آخرين أيضا مكونات صينية.
لقد حاصر ترامب نفسه بمنع البضائع الصينية، ويتعين عليه فرض رسوم جمركية على العالم لا تقل عن الرسوم التي فرضها على الصين، وإلا فالبضائع الصينية ستستمر في التدفق إلى الولايات المتحدة عبر دول ثالثة.
بالتالي فإن فرض رسوم جمركية أعلى على الصين يعني حروبا تجارية ومشكلات سياسية للولايات المتحدة مع العالم أجمع. في الوقت نفسه، فإن كل شيء سوف يتطور في ظل تسارع التضخم والمشكلات السياسية داخل الولايات المتحدة.
ولا تزال الصين تملك ورقة رابحة أخرى في ترسانتها ألا وهي خفض قيمة اليوان، وهو من شأنه أن يقلل من دخل الصين، لكنه سيجعل السلع الصينية أرخص وأكثر قدرة على المنافسة في السوق العالمية. وبطبيعة الحال، ونظرا للتغيرات في هيكل الاقتصاد والمجتمع الصينيين، واعتماد الصين على المواد الخام، فإن خفض قيمة اليوان يشكل خطوة أكثر صعوبة وإثارة للجدل مما كان عليه الحال قبل عشرة أو عشرين عاما، حيث لم يعد بإمكان الصين إجبار عمالها على العمل مقابل طبق من الأرز. ومع ذلك، وكإجراء مؤقت لمكافحة الإغراق، قد يكون خفض قيمة العملة فعالا.
باختصار، يعيد الاتفاق بين الصين والولايات المتحدة التجارة المتبادلة، وتعود الصين جزئيا إلى العالم القديم الذي كانت تتوسع فيه يوميا، وتحل محل الولايات المتحدة، وهو انتصار مطلق لبكين. ولكي تكون أي حروب تجارية قد يشنها ترامب فعالة، سيتعين عليه أن تشمل هذه العقوبات الغالبية العظمى من بلدان العالم. في الوقت نفسه، وكما تظهر الممارسة، فإن كل بلدان العالم تقريبا تقاوم، ولم يستسلم أحد نتيجة قفزات ترامب إلى الأمام تارة، وإلى الخلف تارة أخرى، ثم إلى أعلى والدوران وغيرها من حيل السيرك.
لقد عاد ترامب إلى حيث بدأ، والصين تتوسع ومن المستحيل إجبارها على خفض حصتها من الإنتاج العالمي بالوسائل السلمية. وأقصى ما يستطيع أن يسمح لنفسه به مع الصين هو الحرب التجارية التي سيخسرها على أية حال. وكما أظهرت نتائج المناوشة الأولى، فالصين لا تستسلم طواعية، ولا يمكن حل هذه القضية سوى بالحرب، وهو أمر مستحيل حاليا أيضا بسبب المواجهة المستمرة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تورط في الحرب بأوكرانيا.
وبعد أن قفز ولوح بسيفه، ها هو ترامب يدخل تدريجيا إلى روتين بايدن، أو بالأحرى، إلى سيناريو القصور الذاتي البطيء، الذي يؤدي إلى أزمة اقتصادية وسياسية داخل الولايات المتحدة.
محلل سياسي روسي