محمد حسينة: هل تستطيع القيادة السعودية إقناع الرئيس الأمريكي 47 بأن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية هو الحل الجذري لأزمات الشرق الأوسط؟

محمد حسينة
مقدمة:
منذ عقود طويلة، يشهد الشرق الأوسط اضطرابات سياسية وعسكرية نتيجة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يمثل جوهر الأزمات في المنطقة. المملكة العربية السعودية، باعتبارها قلب العالم الإسلامي ومحوراً أساسياً في العلاقات الدولية، لطالما اتخذت موقفاً واضحاً في دعم القضية الفلسطينية. ومع عودة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة كالرئيس 47، يتساءل كثيرون: هل ستنجح الرياض في إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية هو الحل الدائم لأزمات الشرق الأوسط؟
أولاً: السياق التاريخي للعلاقات السعودية الأمريكية بشأن القضية الفلسطينية
الموقف السعودي التاريخي تجاه فلسطين:
قمة فاس 1981 – 1982:
قدم ولي العهد السعودي الأمير فهد بن عبد العزيز خطة سلام ترتكز على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية. رفضت سوريا الخطة حينها، ما أدى إلى تأجيلها إلى قمة فاس الثانية عام 1982.
تبنت القمة خطة عربية موحدة للسلام، تضمنت الاعتراف الضمني بمنظمة التحرير الفلسطينية، ما مثّل تحولاً تاريخياً في الموقف العربي تجاه إسرائيل.
قمة بيروت 2002:
أعاد ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز إحياء المبادرة العربية للسلام، مؤكداً على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967. ربطت المبادرة بين الاعتراف بإسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما اعتُبر تنازلاً كبيراً من الجانب العربي.
قمة الظهران 2018 – قمة القدس:
في ظل تصاعد الاستيطان الإسرائيلي وإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، شدد الملك سلمان بن عبد العزيز على بطلان القرار الأمريكي، ورفض أي مساس بوضعية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.
قمة فلسطين بالقاهرة 2025:
تزامنت هذه القمة مع استعداد ترامب للقيام بجولة شرق أوسطية، حيث أكدت القمة العربية على ضرورة الالتزام بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ثانياً: قراءة في المواقف الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية
ترامب(2017 – 2021):
خلال ولايته الأولى، اتخذ ترامب موقفاً منحازاً لإسرائيل، إذ أعلن القدس عاصمة أبدية لها ونقل السفارة الأمريكية إليها.
تبنى سياسة الضغوط القصوى ضد الفلسطينيين، وقطع المساعدات عن وكالة الأونروا، وعمل على دمج التطبيع العربي مع إسرائيل ضمن “اتفاقيات أبراهام”، دون اشتراط إقامة الدولة الفلسطينية.
ترامب الجديد(2025 – 2029):
مع عودته للسلطة، يواجه ترامب وضعاً دولياً وإقليمياً معقداً:
صعود البريكس: باتت السعودية عضواً في هذا التحالف، مما يمنحها ورقة ضغط اقتصادية على الولايات المتحدة.
الحرب في أوكرانيا: استنزفت أمريكا عسكرياً وسياسياً، مما يدفعها للبحث عن إنجازات دبلوماسية لتحسين صورتها.
طوفان الأقصى: أثار التصعيد العسكري الأخير في فلسطين موجة من الاحتجاجات العالمية ضد إسرائيل، مما يزيد الضغوط على ترامب للبحث عن حلول سياسية.
ثالثاً: أدوات الضغط السعودية وتأثيرها على القرار الأمريكي
ورقة النفط:
تاريخياً، استخدمت السعودية النفط كوسيلة ضغط ضد الولايات المتحدة، كما حدث في حرب 1973 حينما أوقف الملك فيصل إمدادات النفط عن الغرب.
مع تصاعد النفوذ الصيني الروسي في المنطقة، قد تلجأ السعودية إلى إعادة ترتيب تحالفاتها النفطية، مما قد يشكل تهديداً للاستقرار الاقتصادي الأمريكي.
الدور الإقليمي السعودي:
تلعب السعودية دوراً مركزياً في إدارة ملفات الشرق الأوسط: من النزاع اليمني إلى الأزمة السورية، والتطبيع مع إيران وتركيا.
يُمكن للرياض استخدام هذه الأدوار كأوراق تفاوضية مع واشنطن، لربطها بملف القدس والدولة الفلسطينية.
رابعاً: سيناريوهات زيارة ترامب للسعودية وتأثيرها على ملف فلسطين
السيناريو المتشائم:
قد يرفض ترامب الربط بين الصفقات الاقتصادية وحل الدولتين، ويصر على استكمال سياسة “اتفاقيات أبراهام” دون شروط.
هذا السيناريو سيفاقم الغضب الشعبي العربي والإسلامي، مما قد يهدد الاستقرار الإقليمي ويضعف موقف السعودية كقائدة للعالم الإسلامي.
السيناريو المتوازن:
قد يسعى ترامب لتقديم مبادرة جديدة تتضمن إعادة المساعدات للفلسطينيين، مقابل إطلاق محادثات مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
في هذا السيناريو، قد تحصل السعودية على وعود أمريكية بالضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان وإطلاق مفاوضات جادة حول حل الدولتين.
السيناريو التفاؤلي:
قد يُقنع ولي العهد السعودي ترامب بأن تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط، يبدأ بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
سيكون على ترامب التفاوض مع الكونغرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، وتقديم نفسه كـ “رجل السلام” على غرار جيمي كارتر.
خامساً: توصيات للقادة العرب في قمة بغداد المقبلة:
تبني خطة سلام موحدة:
o إعادة تفعيل مبادرة بيروت 2002، مع تضمين ضمانات أمريكية للالتزام بها.
تعزيز التنسيق العربي:
o تشكيل لجنة ثلاثية (السعودية، مصر، قطر) للتفاوض مع واشنطن حول آلية حل الدولتين.
استخدام الورقة الاقتصادية:
o ربط الاستثمارات العربية في أمريكا بمدى التزام ترامب بحل الدولتين.
استثمار الدعم الشعبي:
o تفعيل الدبلوماسية الشعبية والإعلامية لكسب تأييد الرأي العام العالمي لقضية فلسطين.
الخاتمة:
في خضم التحديات الراهنة، تظل القضية الفلسطينية جوهر الصراع في الشرق الأوسط. القيادة السعودية، بما لها من ثقل ديني واقتصادي وسياسي، تمتلك القدرة على التأثير في القرارات الأمريكية، خاصة في ظل الانقسام الداخلي الأمريكي والضغوط الاقتصادية الدولية. زيارة ترامب للرياض قد تكون فرصة ذهبية لإعادة طرح مبادرة سلام شاملة ترتكز على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، خاصة إذا ما استثمرت السعودية أوراقها الاقتصادية والدبلوماسية بذكاء وحكمة.
كاتب مغربي