أحمد محمود كانم: العامل المخفي الذي يضمن استمرار النزاع في السودان!

أحمد محمود كانم: العامل المخفي الذي يضمن استمرار النزاع في السودان!

 

 

أحمد محمود كانم

نصحني أبي ذات يوم قائلا: (يا ولدي، القائد كَن ما بقى أعلم منك، و أفرس منك، ما تقبل به يقودك أبداً).
من الأمور المضحكة والمبكية في ذات الوقت، هو ان مسارات دوران الأمور في السودان تسلك طرقاً معاكسة تماماً لما هي عليه في أي مكان آخر على ظهر هذا الكوكب…
ذلك لأن معيار الترقية والقيادة هنا يعتمد اعتماداً كلياً على مدى إجادة الشخص واستمرائه واستمراره في ممارسة القتل والتنكيل والاستخفاف بحرمة دماء ودموع الشعب السوداني، ومن ثم براعته في التمثيل أمام أُسر ضحاياه، بمشاركتهم (بكل قوة عين)في شق الجيوب ولطم الخدود حزناً وحسرة على رحيل أفراد أسرهم الذين ذُبحوا بسكاكينه هو وحده لا شريك له!
* من زواية أخرى يتجلى اختلال المعايير في حالة العلماء  وذوي العقول المشرقة من بنات وأبناء السودان الذين دفعتهم الظروف الماثلة إلى التخندق في ثلاثة معسكرات :
معسكر ارتضى لنفسه الذل والهوان، -إما خوفا أو طمعاً-فانخرط في التسبيح بحمد القتلة والمغتصبين، وهز ذيل التملق المستمر لنيل رضاهم… بل واستخدام عصارة فكره في التبرير لما يرتكبونه من جرائم ضد الشعب، والانشغال الدائم بالبحث عن سُبل متطورة لإدانة الضحايا من المواطنين ومحاولة إقناعهم بأنهم يستحقون ما حل ويحل بهم… حتى لو كان من بين أولئك الضحايا أبوه أو أمه.
ويتميز هذا المعسكر بعدائيته السافرة تجاه كل من يخالف وجهة نظر قائده الذي لم يكن هو نفسه على قناعة به.
معسكر آخر آثر النأي والهرب خارج البلاد، وأكتفى بالانشغال بحياته الخاصة ؛ فيما الحيرة تغمر كل جملة من كلماته حول ما ستؤول إليه الأمور غداً أو بعد غد .
ويواجه هذا المعسكر التخوين والهجمات من جميع الأطراف… كلما نطق بشيء أو صمت.
أما المعسكر الثالث فقد أغلق باب بيته عليه واعتكف هناك تحت ظلال الدانات والمسيرات خائفاً يترقب، وكل جزء من أجزاء جسده يرتعش قائلاً: ( رب نجني وأهلي مما يعملون).
هذا المعسكر غالبا ما يكون مصيره الاغتيال أو الاختفاء القسري على يد أحد الطرفين بتهمة لا يعلم عنها شيئا إلا في غرف التعذيب وبيوت الأشباح.
خلاصة القول، ان الحمقى والقتلة في بلادي يحظون بكل شيء، المال، السلطة، الرجال والإحترام؛ لكن يفتقرون إلى الفكر السليم والضمير والعقل المعافى.
فيما لم يحظ ذوو المعرفة والوعي السليم في بلادي سوى بالإقصاء والإخصاء الفكري الممنهج.
أي أنه كلما زاد عدد ضحاياك، وأجدتَ التمثيل أمام ذوي القربى من ضحاياك، كلما أصبحت في نظر الشعب بطلاً مقداماً، وعالماً تقياًّ صوّاماً قواماً ، ومهدياً منتظراً مُرسلاً من عند الرب لإنقاذ الشعب من نفسه الأمارة بالسوء !
وليس للعقل اي موقع من الاعراب في شؤون بلادنا!
وهو السر الحقيقي وراء استغلال الخارج والداخل لعقلية المتحاربين الشبه أميين في السودان وتوجيههم واستخدامهم لاغراض لا علاقة لها بالموطن ولا المواطن.

 

وهو ما يفسر غياب رؤية واضحة للاجابة على السؤال حول لِمَ كل هذا الاقتتال والتخريب والانتهاكات؟
وماذا بعد كل هذا؟
كاتب سوداني