الدكتور بهيج سكاكيني: أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال إدارة ترامب

الدكتور بهيج سكاكيني: أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال إدارة ترامب

الدكتور بهيج سكاكيني

أولويات السياسة الامريكية لإدارة ترامب في منطقة الشرق الأوسط تتمحور في عدد من النقاط التي يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:
أولا: ضمان الامن للكيان الصهيوني وتفوقه العسكري والتكنولوجي في المنطقة وهذا يتأتى بتقديم أفضل ما ينتجه المجمع الصناعي العسكري الأمريكي من معدات عسكرية الى جانب التصرف في المعدات والأسلحة الامريكية المخزنة في الكيان الصهيوني عند الحاجة اليها دون قيود. وعلى العكس من توريد الأسلحة للدول الأخرى والتي تخضع لشروط معينة من حيث استخدامها ووضع رقائق اليكترونية مبرمجة بها التي من خلالها تستطيع الولايات المتحدة مراقبة استخدامها وتعطيلها فيما إذا أخلت الدولة بشروط استخدامها فإن الكيان الصهيوني هو الدولة الوحيدة في العالم المعفى من كل هذه الشروط ومن المراقبة او تعطيل عمل المعدات مثل الطائرات على سبيل المثال. وتدرك الولايات المتحدة أن ضمان امن الكيان قد يتطلب في بعض الأحيان تدخلها العسكري المباشر ومؤخرا اتضح هذا في التصدي للصواريخ والمسيرات المنطلقة من اليمن او إيران الى داخل فلسطين المحتلة. ويجب ان ندرك ان العلاقة بين الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني هي علاقة عضوية متجذرة في الثقافة والتاريخ والجغرافيا. فكلاهما قاما على حركة استعمار استيطاني متوحش الى جانب المعتقدات الدينية للصهيونية المسيحية في أمريكا وهذا ما يميز العلاقة غير قابلة للانفصام بينهم. هذا عدا عن اعتبار الكيان أداة من أدوات الامبريالية العالمية.
ثانيا: المفاوضات المباشرة او غير المباشرة مع إيران على برنامجها النووي وذلك لضمان بالدرجة الأولى عدم امتلاك إيران الى الأسلحة النووية والتي يمكن أن تشكل تهديدا للكيان الصهيوني الذي يمتلك عدد من القنابل والأسلحة النووية والتي لا تخضع للرقابة الدولية وعدم إفصاح الكيان عن برنامجه النووي. لا شك ان هنالك مصلحة للولايات المتحدة وكذلك لإيران بضمان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والواضح ان الولايات المتحدة ليس في وارد الدخول في حرب واسعة جديدة في المنطقة التي ستكون كلفتها المادية والبشرية باهظة كما اثبتت الحرب على العراق وأفغانستان هذا في الوقت الذي وصل فيه العجز في ميزانية الفيدرالي الى ما يقرب من 36 ترليون دولار. الحرب إن بدأت ستتوسع لتشمل المنطقة برمتها وستؤدي فيما ستؤدي الى إغلاق باب المندب وتعرض السفن في البحر الأحمر الى الخطر وبالتالي وقف تصدير البترول الى الأسواق العالمية مما يؤدي الى ارتفاعات فلكية في ثمن برميل البترول لا تستطيع الدول الغربية تحمله. وإيران لها أيضا مصلحة في إنجاح المفاوضات الجارية وذلك لرفع العقوبات التي فرضت عليها من جانب الولايات المتحدة عندما انسحبت إدارة ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 بين الدول الخمسة زائد واحد الى جانب استرجاع مليارات الدولارات التي ما زالت محتجزة في البنوك الغربية. وربما هنالك نقطة مهمة لا ينتبه اليها البعض وهي انه في حالة فشل المفاوضات وذهاب إيران الى سباق نووي في المنطقة فإن هذا يستدعي إنفاق مئات المليارات من الدولارات من الخزينة الايرانية على البرنامج النووي في هذا السباق وهذا سيؤدي الى مزيد من الضغوط الاقتصادية عليها وتقليص الانفاق على برامج اقتصادية واجتماعية وطبية وصناعية…الخ التي هي بحاجة اليها لتخفيف الضغط وربما الاحتقان الداخلي. وربما من المفيد ان نشير النقطة هنا وهي ان أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي نرجع الى الانفاق الكبير من الخزينة الروسية في سباق التسلح النووي والفضائي وكان هذا على حساب برامج التنمية في المجالات الأخرى المرتبطة بحاجات الناس. ويجب ان نذكر في النهاية هنا الى ان نتنياهو سيفعل كل ما بوسعه لإفشال المفاوضات بين أمريكا وإيران كما حصل في عام 2015 ونجح في 2018 لجعل ترامب للانسحاب من الاتفاق الذي وقع 2015.
ثالثا: ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي فهذه ممرات مائية يمر بها ما يقرب من أكثر من 15% من التجارة العالمية من مصادر الطاقة وغيرها. ويجب ان نشير هنا الى ان هذا كان أحد الأسباب التي دعت إدارة ترامب للطلب من سلطنة عمان للتوسط مع السلطة في صنعاء بإجراء مفاوضات غير مباشرة والتي أدت الى وقف الهجمات الامريكية على اليمن وفي المقابل أوقف الجيش اليمني استهداف السفن والاساطيل وحاملات الطائرات الامريكية. والسبب الاخر هو ان الإدارة الامريكية أدركت انها تخوض حربا مكلفة للغاية دون تحقيق أي من أهدافها. لقد فرض هذا على إدارة ترامب أن تتخلى عن حربها التي شنتها على اليمن بالنيابة عن الكيان الصهيوني والتمسك بشعار “أمريكا أولا” لترامب.
رابعا: الفرص الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي وهو ما سيبحثه ترامب مع القيادات الخليجية عند زيارته الى منطقة الخليج وخاصة السعودية والامارات وقطر الذي عبر كل منهم وحتى قبل الزيارة استعدادهم على دفع ما يقرب من 2 ترليون دولار للاستثمار داخل الولايات المتحدة وعقد صفقات تجارية مع الولايات المتحدة. ويجدر الاشارة الى ان الوفد الأمريكي المصاحب لترامب يضم عددا كبيرا من رؤساء الشركات الامريكية العاملة في مجال الطاقة والذكاء الاصطناعي وبناء المفاعلات النووية للأغراض السلمية وكذلك مجال الأسلحة والاستثمار في البنى التحتية في أمريكا ورجال العقارات …الخ وهذا يعتبر من أكبر الوفود الامريكية التي صاحبت أي رئيس أمريكي. ومن المتوقع ان يتم عقد العديد من الصفقات في هذه المجالات. وربطا بما سبق فإن الاستثمارات سواء في الخليج او غيرها مرتبط بالدرجة الأولى بالاستقرار في المنطقة وربما هذا يشكل عاملا أساسيا لتوجه ترامب عبى الأقل بخفض التصعيد في المنطقة إن لم يكن انهاء الحروب بها. ويجب النظر الى هذه الفرص الاقتصادية على انها جزء من الصراع مع الصين. ترامب بحاجة ماسة للأموال الخليجية لانعاش الاقتصاد الأمريكي.
كاتب واكاديمي فلسطيني