في خضم الإبادة.. المستشفيات الميدانية في غزة تعالج الجرحى برغم قلة الإمكانيات

غزة/ الأناضول
وسط قصف متواصل وأزيز طائرات لا يفارق أجواء غزة، تعمل الطواقم الطبية الفلسطينية داخل مستشفيات ميدانية تم تأسيسها في خيام بمناطق مختلفة من القطاع، في محاولة للاستجابة العاجلة لتدفق مئات الجرحى جراء الغارات الإسرائيلية المتواصلة.
ورغم أن هذه المستشفيات لا تستوفي الحد الأدنى من معايير الرعاية الطبية التي يحتاجها المرضى والجرحى والتجهيزات الطبية الأساسية، إلا أنها تشكل طوق نجاة لهم من الموت والمضاعفات الصحية الخطيرة.
وأقيمت هذه المستشفيات الميدانية على مدار 19 شهرا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع كبديل اضطراري عن المستشفيات العامة التي عمد الجيش على تدميرها وإخراج معظمها عن الخدمة بالاستهداف المباشر.
وعلى غرار المناطق التي تواجه حروبا وصراعات، فإن هذه المستشفيات الميدانية تكون مؤقتة ومصنوعة من الخيام القماشية التي لا تقي من برد الشتاء ولا حر الصيف ولا تمنع دخول الحشرات والقوارض الذين ينشرون أمراضا مختلفة.
وبحسب مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة في قطاع غزة مروان الهمص، فإن 8 مستشفيات ميدانية تتوزع في محافظات القطاع لتقديم الاستجابة الطبية العاجلة للمرضى والمصابين.
يأتي ذلك في وقت لم يسلم في القطاع الصحي من جرائم الإبادة الجماعية والاستهداف المباشر وتبعات الحصار المفروض على القطاع، حيث خرجت حتى 24 أبريل/ نيسان الماضي، 37 مستشفى عن الخدمة الصحية، وفق بيان لوزارة الصحة في حينه.
وحسب آخر بيانات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة والذي صدر في 8 مايو/ أيار الجاري، فإن 38 مستشفى و81 مركزا صحيا و164 مؤسسة صحية تعرضوا للتدمير أو الحرق أو الإخراج عن الخدمة خلال الإبادة.
**”بلا تجهيزات”
داخل المستشفى الميداني المقام في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يتفقد الطبيب محمد الشنطي أحوال المرضى الذين يتلقون العلاج داخل هذه الخيام.
ويقول للأناضول، إنه تم إنشاء هذا المستشفى لكثرة أعداد الإصابات المتدفقة لمجمع ناصر الذي عجز عن استيعابهم.
وأشار إلى أن هذه المستشفيات غير معدة بالتجهيزات الطبية اللازمة كما أنها “لا تمت للواقع الطبي بصلة”.
وقال عن ذلك: “لا يتوفر فيها أدوية طوارئ، ولا إمكانيات كما في الأقسام العادية داخل المستشفيات العامة، الجو برد في الشتاء وحار في الصيف، والذباب والحشرات تنتشر في المكان”.
إلى جانب ذلك، فإن التجهيزات الطبية الأساسية غير متوفرة داخل هذه المستشفيات مثل “الأكسجين، والشفط المركزي”، وفق قوله.
وأكد أن الطواقم الطبية تستعين بالوسائل البدائية لمتابعة حالات المرضى وتوفير الخدمة.
وشدد على أن المرضى خاصة أصحاب الجروح بحاجة لأقسام مكيفة تحمي جروحهم من الرطوبة والتي تؤدي في نهاية المساق إلى التعفن وهذا ما لا يتوفر في الأقسام الميدانية.
**8 مستشفيات ميدانية
بدوره، قال الهمص، مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة، إن دخول هذه المستشفيات الخدمة جاء كمنقذ للمستشفيات الحكومية التي تعرضت للتدمير خلال حرب الإبادة الإسرائيلية.
وأضاف في حديثه للأناضول، إن عدد المستشفيات الميدانية كانت 10 خلال أشهر الإبادة لكنها تناقصت إلى 8 بعد خروج مستشفيين عن الخدمة.
وتابع، إن المستشفى الأول الإماراتي الميداني بمدينة رفح حيث خرج عن الخدمة بعد العملية الإسرائيلية بمدينة غزة، والثاني كان بمحافظة الشمال وبسبب الاستهداف الإسرائيلي تم نقله للجنوب لكن عملية النقل لم تكتمل فخرج عن الخدمة.
وأوضح أن هذه المستشفيات وبعد استئناف إسرائيل لإبادتها الجماعية منذ 18 مارس/ آذار الماضي، باتت تزدحم بالإصابات.
وذكر أن الحصار الإسرائيلي المتواصل على القطاع أثر بشكل سلبي على عمل هذه المستشفيات التي تفتقد للأدوية والمعدات اللازمة.
وبهذا الصدد، قال إن “جهاز الأشعة داخل غرفة العمليات بالمستشفى الأردني الميداني العسكري تعطل الفترة الماضية، لكن لم يتم إصلاحه لعدم توفر قطع الغيار التي يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخولها”.
وأشار إلى أن المستشفيات الميدانية أيضا تتضرر بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل حيث تطالها شظايا الصواريخ الإسرائيلية التي تستهدف مناطق محيطة بها.
ورغم أن هذه المستشفيات تقدم خدمات منقذة للجرحى والمرضى، إلا أنها لا تشكل منشآت صحية متكاملة، وفق قوله.
وعن ذلك، أضاف الهمص إن المستشفيات العشرة مجتمعة لا تقدم خدمات طبية بما يعادل مستشفى عام واحد.
وأكد على أن قطاع غزة ما زال بحاجة للمزيد من المستشفيات الميدانية في مناطق مختلفة من القطاع من أجل تقديم الخدمات للمرضى والمصابين.
وقبل أسبوع، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، للأناضول، إن الوضع الصحي بغزة “كارثي” والمنظومة قريبة جدا من “الهاوية”.
وأوضحت أن المخاطر الصحية التي يواجهها الفلسطينيون في القطاع تتزايد بسبب عدم دخول أي مساعدات أو مستلزمات طبية منذ قرابة شهرين، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق.
وأوضحت أن الأطباء والممرضين يعانون من نقص جميع المستلزمات الضرورية لمساعدة الجرحى، في وقت يأتي فيه الجرحى بإصابات مختلفة تحمل خطر العدوى بدرجة كبيرة.
**واقع صحي صعب
يجسد الفلسطيني “أبو أحمد” الواقع الصحي الصعب الذي يمر به المصابون أو المرضى في قطاع غزة والذين لا يجدون الأدوية اللازمة لشفائهم.
يقول “أبو أحمد” (لم يذكر اسمه بالكامل)، إنه تعرض قبل فترة لحالة بتر في قدمه إلا أن فقدان الأدوية تسبب بالتهاب الجرح.
وتابع للأناضول، إن هذه المضاعفات أجبرته على الخضوع لعملية بتر ثانية لذات القدم حيث تم بتر جزءا من الساق (أسفل الركبة).
وأوضح وهو يغادر المستشفى الميداني بخان يونس بعد أيام من خضوعه للعملية، أنه سيضطر للبحث عن الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لتغيير جرحه وشرائها على حسابه الخاص.
وأشار إلى أن المستشفيات الميدانية لا تقدم هذا النوع من الخدمات للمواطنين الذين أنهكتهم حرب الإبادة الجماعية المتواصلة وحولتهم، وفق بيانات البنك الدولي، إلى فقراء.
وتعاني مستشفيات قطاع غزة العاملة من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية جراء إغلاق إسرائيل للمعابر ومنعها إدخال المساعدات الإغاثية الغذائية والطبية منذ 2 مارس/ آذار الماضي، ما تسبب بانتشار المجاعة في صفوف المواطنين وجعل المستشفيات والمرافق الصحية على شفا الانهيار.
ولأكثر من مرة، حذرت وزارة الصحة بغزة من تفاقم أزمة نقص الأدوية في القطاع جراء الحصار المشدد وإغلاق المعابر وسط تخوفات من توقف عمل المستشفيات جراء نفاد الوقود.
وفاقم القرار الإسرائيلي بإغلاق المعابر الأوضاع الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون، الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الخارجية نتيجة حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة.
وتواصل إسرائيل حرب إبادة جماعية واسعة ضد فلسطيني قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بما يشمل القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متجاهلة كافة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت تلك الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة أكثر من 172 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.