هل قرر “حزب الله” التخلي فعلا عن سلاحه.. ولماذا يعلن الآن؟ ما هي الاحتمالات الثلاثة التي دفعت أحد قادته لإطلاق تصريحات تؤكد هذه المفاجأة الخطيرة؟ كيف سيكون رد فعل إسرائيل وامريكا؟

هل قرر “حزب الله” التخلي فعلا عن سلاحه.. ولماذا يعلن الآن؟ ما هي الاحتمالات الثلاثة التي دفعت أحد قادته لإطلاق تصريحات تؤكد هذه المفاجأة الخطيرة؟ كيف سيكون رد فعل إسرائيل وامريكا؟

عبد الباري عطوان

هل ينوي “حزب الله” التخلي عن سلاحه والتحول الى حزب سياسي بدون أنياب ومخالب، ويدير ظهره بالكامل لماضيه العسكري الحافل بالبطولات والإنجازات، وأبرزها تحرير جنوب لبنان، وهزيمة إسرائيل مرتين، الأولى عام 2000 عندما انسحبت مكرهة، وتقليصا للخسائر من “الحزام الأمني”، والثانية في حرب تموز (يوليو) عام 2006؟ وماذا سيقول لحاضنته في هذه الحالة؟
هذا السؤال بات يتردد ليس في لبنان فقط، وانما المنطقة العربية بأسرها، استنادا الى التصريح الخطير والمفاجئ، بل والصادم بالنسبة لنا على الأقل، الذي نقلته وكالة الأنباء العالمية “رويترز” عن مسؤول كبير في الحزب، دون تسميته، وقال فيه “ان الحزب مستعد لمناقشة “مستقبل” سلاحه مع الرئيس اللبناني جوزيف عون، شريطة ان تنسحب إسرائيل بالكامل من جنوب لينان، وتوقف انتهاكاتها لقرار وقف إطلاق النار بشن ضربات على أهدف لشخصيات ومخازن ومناطق سكنية تابعة له”.

***

هذا التصريح أثار العديد من علامات استفهام مشروعة، ليس بسبب مضمونه الذي يسجل سابقة خارجة عن المألوف، وإنما بسبب توقيته أيضا، من حيث تزامنه أولا: مع زيارة السيدة مورغان اوريتغاس المبعوثة الامريكية للبنان التي غادرت بيروت يوم امس، والتقت خلال زيارتها بالرؤساء الثلاثة في لبنان، عون وبري وسلام، وأكدت على حتمية نزع سلاح حزب الله قبل الحديث عن أي انسحاب إسرائيلي، وثانيا صدوره مع قرب إجراء مفاوضات “مباشرة” في العاصمة العُمانية مسقط يوم السبت المقبل، بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وستيف ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب الى “الشرق الأوسط” لبحث الخلافات بين البلدين وأبرزها البرنامج النووي الإيراني، وصناعة منظومات الصواريخ والمسيّرات المتطورة، والدعم الإيراني لأذرع المقاومة في غزة واليمن ولبنان والعراق.
 حتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي تكذيب او توضيح رسمي، وبالاسم، من قبل قيادة “حزب الله”، لما نشرته وكالة “رويترز” الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول هذا الصمت، ومدى صحة التصريح المذكور، رغم ان الوكالة المذكورة لا يمكن، وبحكم خبرتنا في التعاطي مع برقياتها لأكثر من اربعين عاما بحكم المهنة، ان تنقل مثل هذا التصريح الخطير وغير المسبوق دون ان تتأكد من صحته، وما إذا كان مغشوشا، فإنها لا تتردد في معظم الحالات ان تعتذر وتسحبه من التداول.
هناك ثلاثة احتمالات يمكن التوقف عندها بتعمق بالنظر الى هذا التصريح الخطير وما وراؤه الذي جرى اختيار كلماته وصياغته بدقة متناهية:

الأول: ان يكون الحزب خضع للضغوط من قبل المؤسسة اللبنانية الحاكمة والمتمثلة بالرئاسات الثلاث الخاضعة للإملاءات الامريكية، وقرر ان يتخلى عن سلاحه فعلا، لان هذا السلاح، وحسب الشروط الامريكية بات حجر عثرة في طريق إعادة الإعمار، والمساعدات المالية الغربية والعربية، وسحب الذريعة الأكبر من إسرائيل، وإجبارها على الانسحاب من التلال الخمسة في الجنوب اللبناني.

الثاني: ان تكون ايران التي تنخرط حاليا في مفاوضات مع الرئيس ترامب ومبعوثه في سلطنة عُمان لوضع حد للتوتر في العلاقات، وتجنيب ايران والمنطقة لحرب كبرى بسبب التهديدات الإسرائيلية والأمريكية بضربة كبيرة جدا، قد اوعزت لحليفها الأكبر في المنطقة (حزب الله) بالتحلي بالمرونة، حتى لو احتاج الأمر التفاوض على القاء سلاحه.

الثالث: حزب الله تعرض لخسائر كبيرة عسكرية وسياسية، بسبب العدوان الإسرائيلي الذي استهدفه، وأدى الى استشهاد أكثر من 4000 من حاضنته اللبنانية، ومن ضمنهم قادة الصف الأول سياسيا وعسكريا وأبرزهم سيد الشهداء حسن نصر الله علاوة على تدمير جزء كبير من ترسانته الصاروخية، واغلاق معظم خطوط الامداد بعد إسقاط النظام السوري، وربما أقدم الحزب على هذه “المناورة” السياسية لكسب الوقت، وتخفيف الضغوط، ولهذا لجأ الى هذه التسريبات المتعمدة ولم يجد أفضل من وكالة “رويترز” لنشرها.

شخصيا أميل أكثر الى الاحتمال الثالث، أي تعمد الحزب تسريب هذه التصريحات التي اعطت حتى الآن العديد من أغراضها، أي شغل الساحة اللبنانية والعربية بمضمونها المفاجئ و”المعتدل” كسبا للوقت وتخفيفا للضغوط.
ما يدفعنا الى هذه النتيجة الكلمات التي وردت في التصريح المسرب، خاصة تلك التي تقول ان الحزب مستعد “لمناقشة مستقبل” سلاحه ومع الرئيس عون الذي لم يكف مطلقا عن تأكيد اصراره على ان احتكار السلاح لن يكون الا من قبل الدولة اللبنانية فقط، والنقطة الأخرى “ان هذه الدراسة” مرهونة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من جنوب لبنان، ووقف الضربات والغارات التي باتت شبة يومية.
دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تريد نزع سلاح “حزب الله” فقط، وانما نزع نهج المقاومة وثقافتها، وحاضنتها من كل لبنان، وتهجير هذه الحاضنة الى خارجه، مثلما لا تسعى الى خروج واستسلام حركة “حماس”، ونزع سلاحها فقط، وانما الى تهجير جميع حاضنتها في القطاع، أي مليونين ونصف المليون من أبنائه، وهو التهجير الذي يدعمه الرئيس ترامب مثلما يدعم حرب الإبادة، وتحويل غزة الى “ريفيرا” الشرق الأوسط، ولكن للإسرائيليين ورجال أعمالهم فقط.

***

نزع سلاح “حزب الله” بالحوار مثلما يؤكد الرئيس عون يحتاج الى سنوات، ولن يبدأ قريبا، وان بدأ هذا الحوار يحتاج الامر الى أشهر وربما سنوات، اما استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف ومن قبل الجيش، سيعني حربا بين الجيش اللبناني وثلث الشعب، ان لم يكن أكثر، مما يعني سنوات من القتل والدمار ومن أجل عودة المستوطنين الإسرائيليين الى الجليل المحتل، وليس لمصلحة لبنان وأمنه واستقراره.
إسرائيل التي اخترقت وقف إطلاق النار أكثر من 1500 مرة في ثلاثة أشهر، لن تحترم أمن وسيادة لبنان حتى بعد نزع سلاح حزب الله، ولنا في سورية خير مثال حيث شنت أكثر من 600 غارة، ودمرت كل المعدات والمطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري المستسلم، واحتلت معظم الجنوب السوري، وشاهدنا افخاي ادرعي يتجول في القنيطرة، وكل هذا بعد مجيء نظام سوري جديد يعلن ليل نهار انه لن يسمح بإطلاق رصاصة واحدة من الأراضي السورية على إسرائيل.
تخلي “حزب الله” عن سلاحه الذي يجسد هويته وأسباب وجوده وشعبيته، يعني نهايته، وزواله من الوجود، وتحوله الى تاريخ، وتقديم صك غفران وبراءة للعدو الإسرائيلي، وهذا غير ممكن، ومستبعد كليا من وجهة نظرنا، خاصة أننا نعلم، ومن مصادرنا الوثيقة، ان هناك مراجعات تجري في صفوفه لكل “أخطاء” المرحلة السابقة وأسباب نكساتها لبلورة استراتيجية جديدة واختيار قيادة شابة بديلة، صمدت بشجاعة بعد اغتيال سيد الشهداء ورفاقه، وسجلت انتصار الاحد العظيم الذي جرى فيه ضرب غرف العمليات العسكرية الإسرائيلية وأضخم مركز مخابرات في العالم، أي مقر الوحدة 8200، وإشعال الحرائق في القواعد العسكرية في حيفا، ولم يوقف هذا الانتصار الاعجازي الا اتفاق وقف اطلاق النار الذي لم يُحترم.
حزب الله “القديم المتجدد” سيحترم إرث ووصية سيد الشهداء حسن نصر الله، وسيكون وفيا لمبادئه وقيمه وشجاعته التي جعلت أمريكا وإسرائيل ترتعدان من مجرد سماع إسمه، ولن يلقي سلاحه ابدا، ولن يتخلى عن غزة وفلسطين وقولوا ما شئتم.. والأيام بيننا.