إلى أي حد يؤثر الصراع في غزة على الاقتصاد الإسرائيلي؟

القدس/ الأناضول
بلغة الأرقام وتقديرات خبراء، فإن بنيان اقتصاد إسرائيل مهدد بانهيار دراماتيكي، جراء خسائر متوالية على خلفية حرب الإبادة على قطاع غزة المتواصلة في أكتوبر/ تشرين أول 2023، رغم التدخلات العاجلة الجراحية بمساعدات خارجية لاسيما أمريكية.
ويرى خبراء في الاقتصاد الدولي والإسرائيلي تحدثوا إلى “الأناضول”، أن الخسائر المتوقعة لحرب الإبادة على الاقتصاد الإسرائيلي قد تتجاوز 120 مليار دولار، مشيرين إلى أنه رغم التدخلات الداعمة لبقاء ذلك الاقتصاد إلا أن توسع إسرائيل في حربها بغزة والذهاب لحرب إقليمية مفتوحة مع إيران يعني نهاية دراماتيكية له.
** خسائر متواصلة
على مستوى الأرقام، رصدت “الأناضول” بيانات وتقارير وإحصائيات، تتحدث عن خسائر متوالية لاقتصاد إسرائيل وديون متراكمة وفقر يتزايد على النحو التالي:
12 مايو: صندوق الثروة السيادية النرويجي، يعلن أنه باع جميع أسهمه بشركة باز أكبر مُشغّل لمحطات الغاز في إسرائيل، لتوريد الوقود للمستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة.
11 مايو: اعترف إعلام عبري بتراجع حركة السفر في مطار بن غوريون الأكبر بإسرائيل، عقب نحو أسبوع من ضربة صاروخية للحوثين، مع انخفاض عدد المسافرين بنسبة 26 بالمئة مقارنة بالحجوزات المسبقة، وتراجع بعدد الرحلات بنسبة 34 بالمئة، وفق ما ذكر موقع “واللا” الإخباري العبري.
وجراء تلك الضربات، أعلنت العديد من شركات الطيران الدولية تعليق رحلاتها لإسرائيل خلال الفترة ما بين مايو/أيار الجاري وحتى منتصف يونيو/ حزيران المقبل، وفق رصد “الأناضول”.
9 مايو:
وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني تتوقع نظرة مستقبلية سلبية لاقتصاد إسرائيل بسبب المخاطر المرتفعة للغاية أمنية وجيوسياسية.
وزارة المالية الإسرائيلية، كشفت أن إسرائيل سجلت عجزا في الموازنة بلغ 11.7 مليار شيكل (3.1 مليارات دولار) في أبريل/ نيسان، وعزت ذلك إلى زيادة الإنفاق نتيجة الحرب،
وارتفع العجز في آخر 12 شهرا حتى أبريل/ نيسان إلى 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 6.2 بالمئة في العام المنتهي في مارس/ آذار، ليتجاوز الهدف البالغ 6.6 بالمئة للعام 2024 بأكمله، بحسب تقديرات الوزارة.
كما انخفضت إيرادات الضرائب4.1 بالمئة في الأشهر الأربعة الأولى من العام وتراجع الدخل الضريبي 13.1 بالمئة في أبريل/ نيسان وحده، فيما جاءت إيرادات الدولة لعام 2023 أقل من المتوقع بمقدار 12 مليار شيكل، في حين زادت الحكومة الإنفاق بنحو 26 مليار شيكل بسبب الحرب.
8 مايو: المحلل الاقتصادي الإسرائيلي، ديفيد روزنبرغ، أوضح في صحيفة هآرتس العبرية، أن “التهديد الذي يشكله استمرار حروب إسرائيل في غزة والضفة الغربية وسورية ولبنان وإيران على الاقتصاد الإسرائيلي خطيرٌ وكابوس مالي لا تستطيع إسرائيل تحمله”، محذرا من “دخول إسرائيل في مستنقع اقتصادي”.
22 أبريل: خفض صندوق الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي مؤكدا أنه سيبلغ نسبة 3.2 بالمئة في 2025 و3.6 بالمئة في 2026 في نسب أقل من أحدث توقعات بنك إسرائيل البالغة 3.5 بالمئة و 4 بالمئة على التوالي.
7 أبريل: بنك إسرائيل، قرر الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير عند 4.5 بالمئة وذلك للمرة العاشرة على التوالي، منذ أواخر 2023، في محاولة للسيطرة على التضخم الذي بلغ وفق بيان البنك، 3.4 بالمئة وهو لا يزال أعلى من الحد الأعلى الذي حدده البنك عند 3 بالمئة.
2 أبريل : أبقت وكالة فيتش على نظرة مستقبلية سلبية لاقتصاد إسرائيل.
1 أبريل
أعلن اتحاد “بُناة الأرض”، الممثل الرئيسي لمقاولي البناء الكبار في إسرائيل، في رسالة نشرها عبر صفحته بفيسبوك عن “خسائر مالية بالقطاع تُقدَّر بـ 131 مليار شيكل (نحو 37 مليار دولار)” لافتا إلى أن هناك نقصا يقدر بـ 30 ألف عامل في فرع البناء حاليا رغم تعويض الفارق بعمالة أجنبية مع غياب نحو 100 ألف عامل فلسطيني، وعدّ ذلك “ضربة للاقتصاد الإسرائيلي”.
وسبق أن تحدثت بيانات رسمية مع نهاية عام 2023، أن القطاع يتكبد خسائر أسبوعية تصل إلى 644 مليون دولار.
يناير 2025
تكبدت إسرائيل ما يصل إلى 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار) منذ بدء حرب غزة 2023، بحسب ما أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، لافتة إلى أن إسرائيل سجلت عجزا في الميزانية قدره 19.2 مليار شيكل (5.2 مليارات دولار) في ديسمبر، بسبب الحرب.
وارتفع إجمالي الدين الحكومي إلى 1.33 تريليون شيكل (374.13 مليار دولار) 2024 من 1.13 تريليون (317.87 مليار دولار) في عام 2023، بينما الإنفاق الحكومي في 2024 بلغ 621 مليار شيكل (174.68 مليار دولار)، منها 100 مليار (28.13 مليار دولار) على العمليات العسكرية، بحسب ما ذكرت الوزارة.
ديسمبر 2024
شهد 32.1 بالمئة من الإسرائيليين تدهورا في أوضاعهم المالية خلال 2023، فيما واجه نحو مليون إسرائيلي صعوبة في دفع الفواتير الأساسية، بخلاف أن 22.3 بالمئة من الأسر، أي حوالي 678 ألفا و200 عائلة، يعيشون في فقر، كما أن 28.7 بالمئة من السكان، أي نحو 756 ألف شخص، يعانون من الوضع نفسه، وفق ما نشرت صحيفتا “يديعوت أحرونوت” و”إسرائيل اليوم”.
وخلال هذا الشهر صدرت تقديرات رسمية تفيد بإغلاق نحو 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط أبوابها عام 2024، بزيادة 50 بالمئة مقارنة بالسنوات السابقة، فضلا عن تدهورت صناعة السياحة الوافدة إلى إسرائيل بنسبة فاقت 70 بالمئة خلال 2024، مقارنة بـ2023.
سبتمبر 2024
وكالة موديز تخفض تصنيف إسرائيل الائتماني درجتين.
أغسطس 2024
كشف ياكوف شينين، الخبير الاقتصادي الإسرائيلي الذي يتمتع بخبرة تمتد لعقود في تقديم المشورة لرؤساء الوزراء الإسرائيليين والوزارات الحكومية، إن التكلفة الإجمالية للحرب قد تصل إلى 120 مليار دولار، أو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية في 26 أغسطس/آب 2024.
يونيو 2024
انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إسرائيل إلى 1.1 مليار دولار في الربع الأول من 2024 بتراجع 55.8 بالمئة مقارنة بالربع الأخير من 2023، وفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي.
كما تراجعت استثمارات شركات التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل العام الماضي بنسبة 55 بالمئة بالمقارنة مع عام 2022، حسب ما جاء في تقرير صادر عن هيئة الابتكار الإسرائيلية الحكومية.
مايو 2024
تراجع احتياطي النقد الأجنبي في إسرائيل بنهاية أبريل/نيسان 2024، 5.63 مليارات دولار، إلى 208.1 مليارات مقارنة بمستواه في مارس/آذار2024، وفق ما ذكر بنك إسرائيل.
** واقع مترد
تلك الأرقام التي تكشف عن تراجع حاد، يراها الخبير في الاقتصاد الدولي الدكتور عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لـ”لأناضول” أنها نتاج “خسائر مباشرة وغير مباشرة يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي منذ حرب الإبادة على غزة،”، مشيرا إلى أن “الأرقام المعلنة من البنك المركزي الإسرائيلي تتحدث عن خسائر تصل إلى 67.5 مليار دولار بنهاية عام 2024”.
ويستدرك الشوبكي: “لكن أعتقد أن هذه الخسائر أكبر من ذلك الرقم بكثير جدا وقد تصل لما أكبر من 3 أضعاف (أي أكثر من نحو 120 مليار دولار) إذا ما شملت الخسائر غير المباشرة والأخرى العسكرية التي لا يعلن عن تقديراتها في كثير من الأحيان بخلاف تراجع الاستثمارات بشكل حاد بسبب الوضع الأمني”.
ويرجع الشوبكي استمرار بقاء الاقتصاد الإسرائيلي في منطقة التهديد بالانهيار دون حدوث ذلك بعد إلى “الدعم غير المحدود والمساعدات الضخمة من الولايات المتحدة ومن وكالات وشركات يهودية عالمية، بخلاف ما كان يتمتع به الاقتصاد من قوة بقطاع التكنولوجيا قبل الحرب، لافتا إلى أن “ذلك الاقتصاد لم يتضرر من الحرب الحالية فقط لكن أيضا من حملات المقاطعة بعد تأثيرها على إيرادات وأرباح الشركات الإسرائيلية الداعمة”.
وفي أكتوبر/ تشرين أول 2024، أفاد “تايمز أوف إسرائيل” بأن الولايات المتحدة أنفقت رقما قياسيا لا يقل عن 17.9 مليار دولار مساعدات عسكرية في عام واحد فقط.
كما أن الوضع الاقتصادي داخليا في ظل الحرب ليس على ما يرام، كما يشير الشوبكي، لافتا إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 0.6 بالمئة في يناير 2025 مقارنة ديسمبر 2024 بسبب زيادة أسعار الفواكه والأغذية والسكن، بخلاف إقرار ضرائب وهذا سيكون لها تأثيرا سلبيا كبيرا على الإسرائيليين.
وتعكس مؤشرات وكالات التنصيف الائتماني العالمية السلبية بالنسبة لإسرائيل مخاوف من تفاقم الأوضاع الاقتصادية لها إذا استمرت النزاعات، بحسب الدكتور عامر الشوبكي.
ونبه إلى أن ما يهدد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل جدي بالانهيار إقدام حكومته على حرب إقليمية مفتوحة مع إيران لأسباب منها ارتفاع أسعار النفط لأرقام تلامس 130 دولارا مما يشكل ضغطا مدمرا على الدول المستوردة ومنها إسرائيل.
ويوضح أن أزمة الاقتصاد الإسرائيلي تتسع مع ميزانية 2025 التي أقرت بقيمة 744 مليار شيكل (تقريبا 200 مليار دولار) مع تخصيص 161 مليار شيكل لخدمة الدين مع شمول الميزانية زيادات ضريبة مثل رفع ضريبة القيمة المضافة من 17 الى 18 بالمئة وخفض الإنفاق في مختلف الوزارات.
ولفت إلى أنه رغم تراجع الشيكل بنسبة 10 بالمئة من بداية الحرب لكن تدخل بنك إسرائيل وتخطيطه لبيع ما يصل إلى 30 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي كان واضحا في دعم العملة.
ويخلص الدكتور عامر الشوبكي إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تحديات عميقة وأزمة حقيقية وسيواصل نزيفه طالما استمرت حرب الإبادة، وقد يكتب نهايته لو خاض حكومته حربا إقليمية مفتوحة.
** مستقبل معقد
من جانبه، يؤكد الخبير في الاقتصاد الدولي والإسرائيلي الدكتور وائل كريم، في تصريحات لـ”الأناضول”، أن “هناك تبعات اقتصادية صعبة جدا ستواجه اقتصاد إسرائيل مستقبلا”، مضيفا: “يبدو أن الضغوط الاقتصادية ستتواصل السنوات المقبلة في ظل استمرار تحديات سياسية داخلية حتى لو توقفت الحرب مع استمرار قيادات تفضل مصالحها الشخصية واستمرار النزاعات”.
ويضيف الدكتور وائل كريم سببا آخر لعدم انهيار الاقتصاد الإسرائيلي بعد، وهو أن “تل أبيب لم تخض حربا بما تعينه الكلمة من معنى بعدما دخلت حربا من طرف واحد بهدف الاحتلال دون أن تواجه دولا بجيوش، مما أخر من وتيرة ذلك الانهيار مع اعتبارات أخرى مثل المساعدات الأمريكية غير المحدودة والمساعدات الخارجية والديون التي أنقذتها من الانهيار الاقتصادي الكامل”.
ويرى كريم، أن الأحاديث المتداولة على أن تكلفة الحرب الذي يتكبدها اقتصاد إسرائيل قد تسجل 120 مليار دولار “أقل بكثير من المتوقع إذ هناك تكاليف عسكرية لا تزال تتواصل وتمويل لنحو 300 ألف جندي من الاحتياط يتم استدعائهم من أماكن عملهم، بخلاف خسائر تتواصل جراء إغلاق 66 ألف شركة، وتوقف السياحة بشكل كامل دون حديث زمني لعودتها وتراجع الصناعات التكنولوجية التي كانت تضخ استثمارات كبيرة لإسرائيل قبل الحرب، بخلاف عجز حكومي متوقع كبير بنهاية 2025 مع توجه حكومي لتوسيع الحرب”.
ويوضح الخبير في الاقتصاد الدولي والإسرائيلي الدكتور وائل كريم أن “الحديث عن 120 مليار دولار تكلفة الحرب وخسائر الاقتصاد يمثل تراجعا بنسبة 20 بالمئة من ناتج قومي إجمالي يصل إلى نحو 600 مليار دولار سنويا، وبالضرورة الخسارة أكبر من ذلك وتتجاوز 130 و140 وربما 150 مليار دولار في ظل التراجع الضريبي وارتفاع أسعار السلع والاستنزاف الاقتصادي المستمر الذي يدفع الاقتصاد ثمنه وكذلك المواطنون بخلاف خسائر شركات الطيران التي تشهد عزوفا جديدا بعد الاستهدافات الصاروخية الأخيرة ضد مطار بن غوريون”.
ويعتقد الدكتور وائل كريم أنه “إذا لم يتم إنهاء الحرب فإن سفينة اقتصاد إسرائيل ستقاد للهلاك عاجلا أو أجلا خاصة وهي تواجه تحديات مستقبلية عميقة وكبيرة فضلا عن تزايد خطير في نسب الفقر بين الإسرائيليين وسيطرة مجموعة صغيرة على الاقتصاد والإعلام والسياسة للتعتيم على الوضع الكارثي الذي تعيشه إسرائيل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا الذي لو كان لدى دولة أخرى لقامت الدنيا لديها ولم تقعد إلا بانهيار وإفلاس”.