المصطفى صوليح: إلغاء دعم الأونروا ليس مجرد تصرف متهور من الكيان الصهيوني الاستعماري ضد الأمم المتحدة ومواثيقها، بل هو أيضاً تعزيز لأساليب الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة وتسريع لهذه العملية.

المصطفى صوليح
– توطئة: في يوم الإثنين 28 أكتوبر 2024 صادق الكنيست (برلمان كيان الاحتلال الصهيوني) بما يشبه الإجماع، اي بأغلبية 92 صوتا تعود لجميع النواب غير العرب، مقابل 10 أصوات معارضة تعود جميعها للنواب العرب، على مشروعين قانونيين يمنعان عمل الأونروا في إسرائيل و في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة كما يمنعان الاتصال بها من قبل المؤسسات الإسرائيلية،،، و ذلك بعد مرور 90 يوم على صدور هذا القانون. فما هي الاونروا؟ و ما تاريخيتها؟ و ما ولايتها و ما الوظائف التي تؤمنها، و ما هي الأسباب الحقيقية وراء معاداة كيان الإحتلال لها؟ ثم ما المتوقع من القضاء الدولي تجاهها و تجاه باقي الوكالات الأممية ذات الصلة؟
أولا – ما الاونروا ،ما ولايتها و كيف يتم تمويلها؟
1 – الاونروا (UNRWA) اختصار بالإنجليزية لتسمية “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة و تشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى”. تأسست بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 302 في دجنبر/ كانون الأول 1949؛
2 – بدأت هذه الوكالة عملياتها في 01 ماي / أيار 1950، و قد تطورت مهامها على مر السنين، و هو ما تسعفنا الوثيقة التي تقدمت بها الأونروا نفسها بتاريخ 22 شتنبر/ أيلول 2021 إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بغرض توصيف ولايتها، اي ولاية “الأونروا” أو “الوكالة”، والخدمات القادرة على تقديمها، والمحددات ذات الصلة (..)”، حيث نقرأ ما يلي:”أنشئت الأونروا في الثامن من دجنبر/ كانون الأول لعام 1948 بموجب القرار رقم 302 (رابعا) الصادر عن الجمعية العامة ًالأمم المتحدة بغرض تنفيذ إلإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل للاجئي فلسطين عقب تهجيرهم وتجريدهم من ممتلكاتهم كنتيجة للصراع العربي الإسرائيلي في 1948 وفي ظل غياب تسوية عادلة ودائمة لمحنتهم، جددت الجمعية العامة بصورة متكررة ولاية الأونروا، كان آخرها بموجب القرار رقم 74/83″ تقديم المساعدة للاجئي فلسطين” بتاريخ 13 كانون ألأول 2019 حيث تمتد لغاية يونيه / حزيران 2026″;
3 – كما نقرأ ايضا: “بينما تركز ولاية الأونروا على لاجئي فلسطين، فإنها تشمل أشخاصا آخرين يقعون ضمن نطاق اهتمام الأونروا ممن يحق لهم التسجيل لدى الوكالة للحصول على الخدمات وذلك وفقا للإطار التنظيمي ومعايير الاستحقاق المنصوص عليها في تعليمات الأونروا والتسجيل للعام 2009، بما في ذلك ،من بين أمور أخرى، “الأشخاص غير المسجلين الذين هجروا كنتيجة للاعمال العدائية في عام 1967 وما تلاها”. اليوم، بلغ عدد النساء والأطفال والرجال المسجلين لدى الوكالة بصفة لاجئي فلسطين قرابة 7.5 مليون .كما يوجد قرابة,700 شخص مسجلين لدى الوكالة باعتبارهم مستحقين للحصول على الخدمات فقط”؛ ثم المساعدة الطارئة، بما في ذلك في حالات النزاع المسلح؛
4 – و في نفس السياق، و اعتمادا على نفس الوثيقة، “تشمل مناطق عمليات الأونروا كلا من الأردن، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة. و لا يوجد لدى الوكالة ولاية للعمل خارج هذه المناطق الخمسة. وبالتالي لا يوجد لها مكاتب في أي مكان آخر. تسعى الأونروا لتحقيق مهمتها في مناطق عملياتها الخمس من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الواقعة ضمن ولايتها؛
5 – أما الانشطة و الخدمات التي تقع ضمن ولاية الأونروا فتتعلق بما يلي: – التعليم الأساسي، حيث، مثلا، تتوفر الاونروا في فلسطين المحتلة وحدها (غزة، الضفة الغربية و القدس الشرقية) على 183 مدرسة كانت قبل الغزو الإسرائيلي الاخير توفر ظروف التمدرس لما مجموعه 278 ألف لميذ(ة)؛ – الرعاية الصحية؛ – الإغاثة والخدمات الاجتماعية، – البنية التحتية وتحسين المخيمات، – القروض متناهية الصغر؛ – و المساعدة الطارئة، بما في ذلك في حالات النزاع المسلح؛
6 – الهيكل التنظيمي للاونروا: انسجاما مع طبيعة عملها و مع فرادتها في تنفيذها بشكل مباشر لأنشطتها التي من بينها تقديم الخدمات للمستفيدين الفلسطينيين اللاجئين و ذريتهم،، توظف الأونروا ما يزيد عن 30000 شخص موزعين على الأقاليم الخمسة لولايتها المتمثلة في الأردن، لبنان، سوريا، و الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، و قطاع غزة،، كما تتوفر على مكتب اتصال في كل من واشنطن و نيويورك و بروكسل و القاهرة. و يعتبر المفوض العام هو كبير مسؤوليها؛
7 – و باعتبارها من أكبر وكالات الأمم المتحدة و باعتبار ضخامة ولايتها، إن مصدر 92,6 % من مداخيل الأونروا تاتي من الدعم الذي تقدمه الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، و من ضمنها الاتحادات الحكومية الإقليمية، و إن مصدر باقي تمويلاتها تتأتى من عائدات الشراكات التي تعقدها مع شركات و مؤسسات القطاع الخاص و غيرها؛
ثانيا – ما قانون حظر الأونروا المصادق عليه من قبل كينيست كيان الاحتلال الصهيوني و ما دواعيه؟
8 – إنه “أثنان في واحد”، أي مشروعان قانونيين تم التصويت عليهما و تمريرهما منفصلين بالأغلبية من قبل كنيست كيان الاحتلال الصهيوني في قراءته الأولى لهما، قبل ان يصادق عليهما هذا الكنيست، بعد قراءته الثانية و الثالثة لهما، بصفة نهائية يومه الإثنين 28 أكتوبر 2024,.. و هكذا، ففي حين ان مشروع القانون الاول قد نص على منع الاوناروا من أي نشاط مباشر او غير مباشر في “أراضي دولة إسرائيل” و على ألا تقدم أي خدمة او تقوم بتشغيل أي مكتب تمثيلي هناك؛ فإن مشروع القانون الثاني قد نص على تجريد موظفي الاوناروا من “الحصانات و الامتيازات الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة في إسرائيل؛ و يطالب الحكومة الإسرائيلية بقطع العلاقات معها. و بالتالي إلغاء الاتفاقية المبرمة في عام 1967 بين إسرائيل و الاونروا لتسهيل عمليات هذه الاخيرة و انشطتها المرتبطة بولايتها الاممية،،، و قد أصبح هذا القانون، الآن، ساري المفعول بعد مضي ال 90 يوم إياها على صدوره؛
ثالثا – ما دواعي حظر الكيان الصهيوني للاونوروا؟
9 – دواعي تبريرية لهذا الحظر: في موقعها على الويب تورد الأونروا نفسها في منشور تحت عنوان “الأونروا، المزاعم مقابل الحقائق” ثلاثة عشر(13) مزعم و تردف كل واحد من هذه المزاعم بسياقه الموضوعي كاشفة عن المعلومات المضللة و غيرها من المغالطات التي يسعى كيان الاحتلال الصهيوني من خلالها إلى تبرير اجتثاثه لهذه الوكالة الأممية الإنسانية التي اصبحت، بالنسبة إليه، مثل شوكة عالقة في الحلق باعتبارها عنوانا قانونيا، شاهدا تاريخيا، واقعيا، و عيانيا يوميا على وجود و استمرار وجود اللاجئين الفلسطينيين و ذريتهم، سواء أولئك الذين تم تهجيرهم من ديارهم من فلسطين مباشرة منذ 1949، أو أولئك الذين انحدروا منهم، أبناءا و أحفادا، و ينتشرون في فلسطين المحتلة و في دول الجوار العربية الاربعة ما دامت مشكلة عودتهم لم تحل بعد؛
و تتمثل بعض هذه المزاعم في :
أ – الادعاء بأن “مشكلة الأونروا ليست مجرد “بضعة أناس سيئين” متورطين في مذبحة 7 أكتوبر/ تشرين الأول” (المقصود هنا هو عملية “طوفان الاقصى” الجريئة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في التاريخ إياه، و ذلك بعد 16 سنة، على الاقل، من الحصار المتوالي الاقتصادي و الاجتماعي و الصحي و الثقافي، البري و الجوي و البحري الذي طوق به جيش الاحتلال الصهيوني غزة والفلسطينيين في غزة)، وبأن “المؤسسة ككل هي ملاذ لأيديولوجية حماس المتطرفة”؛
ب – و هنا يوجد واحد من أهم مرابط الفرس لدى سلطات كيان الاحتلال، و هو الادعاء بأن الاونروا”بدلا من أن تكون جزءا من الحل، فإنها تعمل على إدامة مشكلة اللاجئين، وذلك يشمل من خلال (التعليم و غيره،،) تذكير لاجئي فلسطين بتاريخهم وإخبارهم بأن وطنهم في إسرائيل”،، و بان الأونروا”استخدمت مدارسها في الأرض الفلسطينية المحتلة، التي تستخدم الكتب المدرسية المعتمدة من قبل السلطة الفلسطينية، موادا تمجد الإرهابيين وتشجع على كراهية إسرائيل”،، و بان “تقرير مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية لعام 2019 زعم أن الأونروا لم تقم دائما بتنفيذ تدابير لمعالجة المحتوى الإشكالي في الكتب المدرسية”؛
ج – الادعاء بان “المساعدات من الأونروا يتم تحويلها باستمرار من قبل حماس”، و بان حماس قامت “بتخزين الأسلحة في مدارس الأونروا وحفرت أنفاقا تحت مباني الأونروا، لكن الوكالة لم تفعل شيئا يذكر لوقف ذلك”،
10 – دواعي عميقة أملتها و تمليها حاجات إستراتيجية للكيان الصهيوني الاستيطاني في القبر النهائي للقضية الفلسطينية: لا داعي للتذكير هنا بأن التساكن الذي جمع بين كيان الاحتلال و الأونروا خلال ال 75 عاما بعد تهجير الفلسطينيين، و من بينها 57 عاما بعد إبرام اتفاق 1967 بين الطرفين لتسهيل عمل الوكالة الأممية إياها بين الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد كان يجد لحمته في الاعتقاد آنذاك، من جهة، بأن الخدمات الرغدة و السخية التي تقدمها الأونروا ستكون بمثابة “رشوة” مهداة، من قبل الأمم المتحدة و على رأس دولها الولايات المتحدة الأمريكية، للفلسطينيين مقابل تنقيل المزيد من صهاينة العالم و مريديهم و توطينهم و مواصلة تسهيل استيطان الوافدين الجدد منهم لاحقا،، و ذلك كله في أرض ليست لهم هي فلسطين،،، و ظل هذا التساكن،من جهة أخرى، ساري المفعول إلى أن نضبت موارد الحياة و اشتد الضيق أمام الفلسطينيين التواقين للحرية و الاستقلال، ما أدى إلى تنفيذ حركة المقاومة الفلسطينية و في مقدمتها حركة حماس لعملية طوفان الاقصى بتاريخ 07 أكتوبر 2023، و بالتالي اتضح لد ى كيان الاحتلال الصهيوني العسكري الاستيطاني أنه لا داعي للاستمرار في التعويل على مرور الوقت للتخلص من حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المكفول لهم، على الأقل، بالقرار الأممي رقم 181 الصادرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نونبر 1947 و هو القاضي بتقسيم فلسطين، و كذا للتخلص من القرار الأممي رقم 194 الصادرهو بدوره عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لكن في سنة 1948 و هو القاضي بحق المهجرين من الفلسطيننين في العودة و التعويض و استعادة الممتلكات،،، و ذلك علما بأنه دون خضوع كيان الاحتلال لمطالب هذين القرارين إن وجوده عمليا يبقى فاقدا للشرعية الأممية، لذلك أختار هذا الكيان التنفيذ الكامل مباشرة لسياسة الإبادة الجماعية و التطهير العرقي ضد الفلسطينيين حتى ينعدم الركن البشري لإقامة الدولة الفلسطينية، و اختار بتزامن مع ذلك تدمير مخيمات الداخل الفلسطيني و الإنهاء التام لخدمات الأونوروا و باقي الوكالات الأممية ذات الصلة بغزة و الضفة الغربية و القدس الشرقية حتى ينهي كل ما يمكن أن يشهد عن أنه كان هناك ذات مرة فلسطينيون تم تهجيرهم من أراضيهم؛
رابعا – ما الجدوى المتوقعة من قرابة اسبوع من جلسات لمحكمة العدل الدولية حول الأونوروا؟
11 – بدءا، لا بد من التذكير بإن هذا المطلب قد جاء بعد مطلب سابق قضت فيه محكمة العدل الدولية في 24 يونيه / تموز 2024 بأن “إستمرار وجود دولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني”، و “أن المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني”؛
12 ـ أما في هذه المرة فانعقدت محكمة العدل الدولية خلال الفترة من الاثنين 28 أبريل إلى غاية الجمعة 02 ماي الجاري، بطلب أعدته دولة النرويج و اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر الماضي يطلب من المحكمة إياها إصدار قرار استشاري حول “التزامات إسرائيل، كقوة احتلال وكعضو في الأمم المتحدة، في ما يتصل بوجود وأنشطة الأمم المتحدة، بما في ذلك وكالاتها وهيئاتها والمنظمات الدولية الأخرى والدول الثالثة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي ما يتصل بها، بما في ذلك ضمان وتسهيل توفير الإمدادات الضرورية بشكل عاجل لبقاء السكان المدنيين الفلسطينيين، فضلاً عن الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية والإنمائية، لصالح السكان المدنيين الفلسطينيين، ودعماً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير؟”.
13 – و رغم أن الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية هو عموما غير ملزم، فإن هذا الرأي بناء على المادة 8 من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1946 في شأن الامتيازات و الحصانات التي تنص على أنه “في حالة نشوء نزاع بين دولة عضو (هنا، دولة الكيان المحتل لفلسطين) والأمم المتحدة(هنا الاونوروا باعتبارها وكالة أممية)، يتعين الحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، ويُقبل هذا الرأي على أنه نهائي من قبل الأطراف”، اي ما يعني، بالتالي، أن الرأي إياه سيكون له، هنا، تأثير يلزم إسرائيل برفع القيود التي فرضتها عبر تشريعها الأخير على الأونوروا و على مختلف موظفي هذه الوكالة الاممية، و هو ما قد يفضي كذلك إلى فرض تعويضات على دولة الاحتلال جبرا للاضرار التي تسببت فيها من جراء تنفيذها لذلك التشريع؛
14 – و بخصوص الشق الآخر الذي تطلب فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا يتعلق بالتزامات إسرائيل، باعتبارها الدولة المحتلة لفلسطين، تجاه “ضمان وتيسير إيصال الإمدادات اللازمة على عجل، لبقاء السكان المدنيين الفلسطينيين، دون عوائق”، و هو الالتزام المنصوص عليه طبق المادة 59 من اتفاقية جنيف الاتفاقية الرابعة، “بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 غشت/آب 1949”:”إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة (و هم هنا سكان كامل غزة) أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب علي دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان وتوفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح به وسائلها.
وتتكون هذه العمليات التي يمكن أن تقوم بها دول أو هيئة إنسانية غير متحيزة كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، علي الأخص من رسالات الأغذية والإمدادات الطبية والملابس.،، وعلي جميع الدول المتعاقدة أن ترخص بمرور هذه الرسالات بحرية وأن تكفل لها الحماية. علي أنه يجوز للدولة التي تسمح بحرية مرور رسالات فيها إلي أراضي يحتلها طرف خصم في النزاع أن تفتش الرسالات وتنظم مرورها طبقا لمواعيد وخطوط سير محدود، وأن تحصل من الدولة الحامية علي ضمان كاف بأن هذه الرسالات مخصصة لإغاثة السكان المحتاجين وأنها لن تستخدم لفائدة دولة الاحتلال”،،،
15 – لكن، قد يقول قائل و ما الفائدة التي ستجنيها “القضية الفلسطينية” عموما من هذا القرار و من غيره من قرارات ذات صلة؟
ــ دفعة واحدة، وجب الإقرار، من جهة، بأنه، إضافة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن القضاء الدولي، ممثلا في محكمة العدل الدولية و محكمة الجنايات الدولية، يبقى إلى غاية الأن هو الجهة المؤسسية الدولية الوحيدة التي تقف بموضوعية و شفافية إلى جانب الحق تجاه القضية الفلسطينية. كما يجب، من جهة ثانية، عدم استسهال دور المرافعات القانونية و التي تتم داخل جلسات أصبح سياق العولمة و التكنولوجيا الحديثة يسمح أكثر بإتاحة مضامينها و محتويات السجالات التي تتخللها أمام الجميع في مختلف أرجاء العالم، الأمر الذي يجعل وجوه رموز كيان الاحتلال العسكري الاستيطاني تصفر و تحمر من وصمة العار،،، و ذلك دون نسيان، من جهة ثالثة، أن التزايد الكبير في عدد الدول المؤيدة للحق الفلسطيني مقابل التقلص الكبير في عدد الدول التي ما تزال تساند “إسرائل” ينمي من عزلة هذه الأخيرة و يحول صورتها السابقة، المرتبطة بيهود أوروبا، باعتبارهم ضحية من ضحايا النازية إلى مجرد عصابة من المجرمين المتعطشين لإراقة دماء الأطفال و النساء و الشيوخ و العجزة في فلسطين،،، و بالتالي تحولت تيمات خطاب “الدفاع عن النفس” و مقاومة “معاداة السامية” إلى مجرد جملة ألفاظ فارغة من محتواها ذي الدلالة التاريخية السابقة،،،