الزلازل في مصر: تهديد غير مرئي للتراث الأثري والمعالم السياحية الحديثة

أحمد زكي
في قلب الصحراء وعلى ضفاف النيل، تقف آثار مصر شامخة كأنها تتحدى الزمن، لكنها لا تواجه وحده؛ هناك عدو صامت آخر، يهز الأرض في لحظات وقد يهدد إرث آلاف السنين: الزلازل. فرغم أن مصر ليست من الدول ذات النشاط الزلزالي العالي، إلا أن تاريخها شهد هزّات عنيفة أثرت على معابد ومبانٍ ومزارات، مما يدعو للتساؤل: كيف تؤثر الزلازل على المواقع الأثرية والسياحية؟ وما الجهود المبذولة لحمايتها من التهديد الجيولوجي الصامت؟
تنتشر المواقع الأثرية في مصر على امتداد جغرافي واسع، من معابد الكرنك والأقصر جنوبًا، إلى الأهرامات وأبو الهول في الجيزة، وحتى قلعة صلاح الدين والمساجد الأيوبية في القاهرة. وتستقطب هذه المعالم ملايين السياح سنويًا، لما تحمله من قيمة حضارية استثنائية.
وعلى الرغم من أن مصر تقع على أطراف الصفائح التكتونية، فإنها شهدت زلازل قوية نسبيًا في السنوات الماضية، أشهرها زلزال القاهرة عام 1992، الذي بلغت شدته 5.8 درجات، وأدى إلى تدمير بعض الأبنية الأثرية القديمة وتصدع أجزاء من المساجد والمنازل التاريخية.
وتكمن الخطورة في أن العديد من هذه المواقع مبنية من الحجر الجيري أو الطيني، وهي مواد ضعيفة أمام الزلازل، وتفتقر في الغالب إلى الأساسات الحديثة أو التعزيزات الهندسية التي تقاوم الحركات الأرضية. أما المزارات السياحية الحديثة، مثل الفنادق الفاخرة على ساحل البحر الأحمر، أو المتاحف الجديدة في القاهرة والعلمين، فإن معظمها صُمم وفق معايير مقاومة الزلازل، لكنها لا تزال تواجه تحديات في تطبيق خطط الطوارئ الفعالة.
ولعل أبرز الأمثلة على المواقع المتأثرة، هو مسجد السلطان حسن، الذي تصدع جزء من جدرانه، ومئذنة مدرسة قايتباي التي تضررت بشدة. وحتى الهرم الأكبر تعرّض لهزات طفيفة أثرت على استقرار بعض الحجارة السطحية.
التحليل والتفسير
ما يميّز السياحة في مصر هو الجمع بين التاريخ العميق والبنية السياحية المتطورة، لكنّ هشاشة البنية التحتية للمواقع الأثرية أمام الزلازل تضع تحديًا كبيرًا أمام استدامة هذا التراث.
وقد بدأت الدولة المصرية، بالتعاون مع اليونسكو والهيئة القومية للزلازل، في تنفيذ دراسات جيولوجية وهندسية لحماية المواقع المهمة. ومن أهم الإجراءات:
تعزيز الأساسات في المواقع الأثرية المعرضة للخطر.
استخدام تكنولوجيا المسح ثلاثي الأبعاد لتوثيق الآثار قبل الضرر.
تركيب أجهزة استشعار مبكرة للهزات الأرضية في بعض المتاحف الكبرى.
هذه الجهود تعكس تحولًا نحو نموذج السياحة المستدامة التي تحمي الموارد الثقافية والطبيعية من المخاطر البيئية، وتؤكد على أهمية إدماج مفاهيم الجيولوجيا الوقائية في التخطيط السياحي.
في بلد يحمل إرثًا إنسانيًا لا يُقدّر بثمن، تصبح حماية المعالم السياحية والأثرية من الزلازل مسؤولية وطنية وعالمية. وبينما يتزايد الوعي بضرورة صيانة الآثار، تبقى الحاجة ملحة لتعميم خطط الوقاية على مستوى الدولة، لتستمر تجربة السفر في مصر بين الماضي المجيد والحاضر الآمن.
فهل ننتظر الزلزال القادم لنفكر في الحماية؟ أم نبدأ الآن بوضع العلم في خدمة السياحة؟
أمثلة لمواقع أثرية وسياحية تم ترميمها بعد الزلازل أو لأغراض وقائية
مسجد السلطان حسن (القاهرة).
تأثر بشكل مباشر بزلزال 1992، وظهرت شروخ في جدرانه وسقفه.
خضع لعمليات ترميم دقيقة شملت تعزيز الأساسات باستخدام تقنيات حديثة في الحقن الجبسي وربط الأحجار.
مئذنة مدرسة قايتباي (القاهرة).
تعرضت لتصدعات كبيرة عقب الزلزال، مما هدد بانهيارها.
تم ترميمها بإشراف خبراء تراث عالمي، باستخدام مواد مطابقة للأصل وتدعيم داخلي غير مرئي.
معابد الكرنك (الأقصر).
أظهرت بعض الأعمدة ميلًا طفيفًا نتيجة الاهتزازات الأرضية.
أجريت عمليات مراقبة دورية باستخدام أجهزة ليزر ومسح رقمي، وأُعيد ضبط بعض الأحجار لتثبيت البنية.
المتحف المصري الكبير (الجيزة).
بُني بمعايير مقاومة للزلازل تصل إلى قوة 7 درجات على مقياس ريختر.
يحتوي على نظام استشعار ذكي للهزات الأرضية لتعطيل الأنظمة الإلكترونية أوتوماتيكيًا في حالة الخطر.
قلعة صلاح الدين (القاهرة).
خضعت لعمليات ترميم شاملة في الألفية الجديدة، شملت دعم الأسوار والأبراج تحسبًا لأي تأثير مستقبلي للزلازل، مع الحفاظ الكامل على طابعها المعماري.
معبد فيلة (أسوان).
تم ترحيله بالكامل في الستينيات بسبب تهديد مياه السد العالي، لكنه أيضًا عُرض لهزات أرضية لاحقة.
تم فحص الأساسات وتعزيزها خلال مشروع الترميم الشامل الذي شمل حماية النقوش والمنحوتات.