عليان عليان: في الذكرى السابعة والسبعين للنكبة: العودة مرتبطة بالتحرير ورفض مقترحات التسوية.

عليان عليان: في الذكرى السابعة والسبعين للنكبة: العودة مرتبطة بالتحرير ورفض مقترحات التسوية.

 

عليان عليان

يحيي الشعب العربي الفلسطيني  الذكرى أل (77) للنكبة في ظل  استمرار المفاعيل الهائلة لمعركة طوفان الأقصى التي أحدثت انقلاباً في الرأي العام العالمي لصالح القضية والرواية الفلسطينية ، وبرهنت أن تحرير فلسطين أمر ممكن ، ونقلت قضية التحرير والعودة  من زاوية الإمكانية التاريخية إلى دائرة الإمكانية الواقعية  ، وأحدثت زلزالاً وجوديا للكيان الصهيوني، ما دفع الولايات المتحدة ودول الغرب الرأسمالي أن تتدخل لإنقاذ الكيان الصهيوني من ورطته ولتدعمه عسكريا بشتى صنوف الأسلحة ، لشن هجوم مضاد في إطار حرب إبادية على مدى أكثر من عام ونصف، ألقي خلالها على قطاع غزة ما يزيد عن 100 ألف طن من القذائف  أدت إلى ارتقاء ما يزيد عن مائة وسبعين ألف شهيد ومصاب.
ما يجب الإشارة إليه هنا في ذكرى  النكبة  ما يلي :
1-أن المقاومة الفلسطينية  بإمكاناتها العسكرية المتواضعة ، ألحقت هزائم كبيرة بالعدو في الميدان باعتراف كبار قادته العسكريين من خلال وحدتها على أرض المعركة ، وتماسك منظومة القيادة والسيطرة ،  ومن خلال تكتيكاتها القتالية وبسالة مقاتليها ، وتغلبها على معادلة موازين القوى والحرب غير المتناظرة ،عبر اللجوء إلى معارك التوتر المنخفض في إطار حرب العصابات ، بعد أن طورت أرض القطاع المنبسطة إلى أرض صالحة لحرب العصابات من خلال معجزة الأنفاق التي حفرتها في باطن القطاع.
2- أن المقاومة استندت في مواجهتها للعدوان إلى تحالف محور المقاومة ، وهذا المحور رغم ما ألم به من جراح ، لا يزال فاعلاً من خلال الدور العظيم الذي يضطلع به اليمن بقيادة حركة أنصار الله  في نصرة المقاومة والأهل في قطاع غزة والضفة الفلسطينية ، من خلال ضرباته الصاروخية المكثفة للمواقع الاستراتيجية في الكيان الصهيوني ، وتمكنه من فرض حصار بحري وجوي على الكيان من خلال إغلاق البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية  وإغلاق الجو من خلال سلسلة الاستهدافات الصاروخية لمط
3- أن ما شجع العدو الصهيو أميركي على الاستمرار في حرب الإبادة والتجويع هو التحالف الضمني بين أطراف فاعلة في النظام العربي الرسمي مع العدو الصهيوني ، وخاصةً دول التطبيع الإبراهيمي ، وتحول أطراف منه إلى وسطاء يلعب دور ( الميسر- facilater) للإدارة الأمريكية لتمرير صفقات تبادل الأسرى بالمنظور الصهيو أمريكي ، التي تخدم في التحليل النهائي مشروع ائتلاف حكومة اليمين الصهيوني ،في القضاء على المقاومة وإقامة حكم عسكري صهيوني في القطاع .

القرار 194 لا يلبي حق العودة بالمنظور الاستراتيجي

 

لقد جرى  تعامل فصائل المقاومة، مع حق العودة  للاجئين الفلسطينيين سابقاً ، في السياق السياسي والتكتيكي ، عبر ربطه بالقرار الأممي رقم 194 ، الذي ينص على حق العودة والتعويض ، وهذا الحق بالمعنى النظري ، يضمن للاجئين الفلسطينيين العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ، في الجزء المخصص للكيان الصهيوني ، في قرار التقسيم الصادر في تشرين ثاني 1947 ، الذي منح اليهود  حق إقامة دولتهم على (56 ) في المائة من أراضي فلسطين التاريخية  رغم أنهم لم يملكوا منها  سوى أقل من (5) في المائة  حتى عام  1948 وبطرق غير مشروعة  ومطعون  في قانونيتها  ، وحيث تم ربط قبول هذا الكيان الغاصب ، كعضو كامل العضوية  في الأمم المتحدة بتنفيذه القرار 194 .

لكن  بعد توقيع اتفاقات أوسلو 1993 وما تضمنته من اعتراف بالقرار 242 ، تم التراجع عن قرار التقسيم على سؤته وإجحافه بحقوق الشعب الفلسطيني ، لصالح التسليم بوجود الكيان الصهيوني  على  حوالي 80 في المائة  من مساحة فلسطين التاريخية ، حيث تم التراجع عملياً عن قرار 194 ، لأن القرارين مرتبطين ببعضهما البعض ، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن المفاوضات المتعلقة  بقضية اللاجئين الفلسطينيين ،التي تمت على أرضىة اتفاقيات أوسلو  

لم تأت على ذكر القرار 194 ، ناهيك أن  تصريحات عديدة صدرت عن قيادة السلطة  تطمئن الكيان الصهيوني  ، بأن حق العودة  مجرد حق رمزي يضمن عودة بضعة آلاف من الفلسطينيين لا يؤثر على التركيبة الديمغرافية في الكيان الصهيوني.

وفي ضوء ما تقدم برزت المشاريع المعلنة ، لتصفية حق العودة ، على امتداد الفترة من مؤتمر مدريد ، وحتى اللحظة الراهنة ، وأبرزها وثيقة جنيف ” عبد ربة – بيلين ” والفقرة التصفوية لحق العودة ” ، في مبادرة السلام العربية عام   الصادرة عن قمة بيروت عام 2002،  التي تنص  على حل متفق عليه مع الكيان الصهيوني” وهي في مجملها  تحصيل حاصل لاتفاقات أوسلو ، وللاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 ، وفي الذاكرة المشادة التي حصلت بين الوفد السعودي والرئيس اللبناني إميل لحود ، الذي أصر على وضع بند يؤكد على حق العودة ، بعد أن تم تغييب حق العودة في نص مشروع المبادرة ، ما اضطر  السعودية لطرح صياغة ملتبسة بشأن هذا الحق.

 

حق العودة بين الاستراتيجية والتكتيك

 

قد يكون مشروعاً لبعض الأحزاب ، والفصائل الفلسطينية ولمؤتمرات حق العودة ، التي ترفض أوسلو وأخواتها ، التركيز على القرار 194 ، في سياق إدارة الصراع مع العدو الصهيوني وحلفائه ، وفي سياق كسب أصدقاء جدد للقضية ، والنضال الوطني الفلسطيني ، أو في سياق تحييد بعض الدول ، وعدم حشرها في خانة الأعداء ، لكن من غير المشروع لها  أن تعبئ الشعب الفلسطيني والعربي وفق هذا القرار ، على حساب التثقيف والتعبئة ، بضرورة تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني ، وذلك ارتباطاً بعدة عوامل أبرزها ما يلي :

أولاً : لأن الحق التاريخي ، والطبيعي للشعب الفلسطيني ، في فلسطين التاريخية غير قابل للنقاش أو التأويل ، بحكم وقائع التاريخ والجغرافيا ، وهو حق مقدس فردي وجماعي ، وغير قابل للتفاوض أو الإنابة ، وهو حق قانوني من زاوية أن العرب كانوا يملكون في فلسطين  عشية صدور قرار التقسيم ما يزيد عن 95 في المائة من أراضي فلسطين ، علماً أن أل (5) في المائة المتبقية نقلت إلى اليهود بطرق غير شرعية ، بحكم الدور الاستعماري الذي لعبته بريطانيا كدولة منتدبة على فلسطين ، منذ مطلع عشرينات القرن الماضي .

ثانياً : لأن هذا الحق ، حتى وفق منطوق القرار 194 ، وحدوده ،لا يمكن تطبيقه بالعمل السياسي والدبلوماسي ، وسبق أن قدم الباحث الدكتور سلمان أبو ستة خريطة تفصيلية ، للفراغات والمناطق غير المأهولة ، في مناطق 1948 ولم تلاق من المجتمع الدولي غير التجاهل وبالتالي فإن تحقيق حق العودة مرهون بدحر الاحتلال ، وبتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني .

ثالثاً : لأن العدو الصهيوني لا يرفض تنفيذ القرار 194 فحسب ، بل يسعى إلى تحقيق ترانسفير  لسكان البلاد الأصليين في مناطق 1948 ،  البالغ عددهم حوالي مليون ونصف مليون فلسطيني  عبر التضييق عليهم ، وسلب ما تبقى لهم من أراضي ،  ويعمل جاهداً لتهجير  أبناء قطاع غزة  وضم الضفة الغربية ، ناهيك عن سعي حكومات العدو الصهيوني ، إلى كسب الاعتراف ” بيهودية الدولة ” ، من الجانبين العربي الرسمي والفلسطيني.

رابعاً : لأن العدو الصهيوني ، يتعامل بازدراء ، مع تهالك وتهافت النظام العربي الرسمي  على  قرارات الشرعية الدولية والقرار 194 في صيغته المعدلة في مبادرة ” السلام ” العربية ، وعمل على معارضة هذا الحق “بيهودية الدولة ” ، وبنفي صفة اللاجئ عن أبناء وأحفاد الآباء والأجداد ، الذين كانوا في فلسطين قبل عام 1948 ، وبمطالبته بتعويض اليهود ، الذين جاءوا إلى ( إسرائيل) من بعض الدول العربية ، بعشرات المليارات من الدولارات ، متجاهلاً حقيقة أن هؤلاء اليهود ، تم تهجيرهم إلى الكيان الصهيوني ، عبر مؤامرة شاركت فيها الوكالة اليهودية ، والموساد الإسرائيلي ، وبعض الأنظمة العربية العميلة لقوى الاستعمار .

باختصار شديد لا بد من تعبئة الشعب الفلسطيني بحق العودة المرتبط بالتحرير الكامل لفلسطين التاريخية ، بوصفها الوطن التاريخي لشعب الفلسطيني ، بعيداً عن التشدق بالطرح المتهافت : لو قبلتم بقرار التقسيم لما حصلت النكبة .

المقاومة طريق التحرير والعودة
في الذكرى أل(77) للنكبة  لا بد من التأكيد  على ما يلي :
1-أن  الشعب العربي الفلسطيني  بمقاومته  الباسلة وخاصة بعد معركة السابع من أكتوبر التاريخية ، وبالاستناد إلى تحالفاته في إطار محور المقاومة  كفيل بإفشال كافة المخططات، التي تستهدف تصفية حق العودة  ، وما تبدى في عودة (300) ألف نازح  من  أبناء قطاع غزة من الجنوب والوسط  إلى الشمال ،  مشياً على الأقدام  ، بعد  صفقة تبادل الأسرى في (15) كانون ثاني الماضي  ، ليسكنوا بجوار منازلهم المهدمة ،  يؤكد بوضوح أن الشعب الفلسطيني استفاد من تجربة 1948 ، ولن يسمح بتكرار النكبة مرة أخرى.
2-التأكيد مجدداً على أن حق العودة حق مقدس غير قابل للتفويض والإنابة ولا يسقط بالتقدم  وأن العودة لا تتحقق إلا بتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.
3- التأكيد على رفض اتفاقيات أوسلو نهج التسوية عموماً ، لأنه في المحصلة يتم على حساب حق العودة المقرون بالتحرير:
وأخيراً : لا بد من التأكيد  على  استراتيجية المقاومة  بكل أشكالها وفي المقدمة منها الكفاح المسلح  ، بوصفها الآلية الوحيدة   لتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وكذلك رفض كل المحاولات المشبوهة لحرف بوصلة التناقض ، فالتناقض الرئيسي كان ولا يزال مع العدو الصهيوني ، والتأكيد باستمرار أن فلسطين  هي قضية الأمة العربية المركزية،  وأن تحرير فلسطين يقع على عاتق الأمة العربية جمعاء.