هل انتهت فترة عزلة دمشق؟ ما دلالة تخفيف العقوبات الأمريكية عن سوريا؟

هل انتهت فترة عزلة دمشق؟ ما دلالة تخفيف العقوبات الأمريكية عن سوريا؟

عزيز موسى

إعلان تاريخي خطّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 أيار/ مايو من العاصمة السعودية الرياض حول رفع العقوبات المفروضة على سوريا وذلك في إطار خطوة تعيد رسم وفرض ضوابط سياسية جديدة ومسارات كجزء من إعادة رسم توازنات القوى وخرائها في الشرق الأوسط ، ومن خلال تبني سعودي – تركي بشكل خاص إضافة إلى دعم – قطري- إماراتي تجاه الدفع نحو سوريا بعد أكثر من 15 عاماً من العزلة الدولية والدمار الكبير الذي لحق بها.
هذا التعاطي شكّل مفاجأة ضمن مسارات التحول السياسي التي تشهدها المنطقة والمقاربة الأميركية للملف السوري برفع العقوبات وإتاحة الفرصة ” لبداية جديدة لسوريا” وفق تعبير الرئيس ترامب بما يعيد رسم الاصطفافات و وضع حد للصراع داخل الإدارة الأميركية بين مؤيد ومعارض، وما اقترنت به هذه الخطوة بلقاء جمع الرئيس ترامب بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع وبرعاية مباشرة من السعودية وشخصية من الأمير محمد بن سلمان، التي أرست بدورها رسائل متعددة على مستوى الإقليم والعالم يظهر مدى التأثير الخليجي وأهمية هذا الدور في تقديم ضمانات تجاه الإدارة السورية الجديدة وتمهيد الطريق أمام عملية تأهيلها للانخراط على المستوى الإقليمي والدولي.
إلًا أن عملية رفع العقوبات لا تبدو بالسهولة التي تم الإعلان عنها والتي تحتاج إلى قرار تنفيذي من الرئيس ترامب من جهة يصد على شكل تراخيص أو أوامر تنفيذية والتي تتيح تخفيف العقوبات أو رفعها بشكل جزئي، إضافة للمسار التشريعي الذي يتطلب وقتاً أطول للوصول إلى عملية تسوية شاملة لارتباطه المباشر بالكونغرس الأمريكي و” قانون قيصر” الذي أقرّ عام 2019 كأشد العقوبات المفروضة على نظام الأسد والذي يتطلب إلغائه قراراً من الكونغرس، إضافة إلى ارتباط هذه العملية بمدى تنفيذ الشروط والمطالب الأميركية المتضمنة طيفاً واسعاً من القضايا الأمنية والسياسية والتي عاد الرئيس الأمريكي ليحث على تنفيذها، إذ تبدأ بانضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، ومغادرة المقاتلين والفصائل الأجنبية من سوريا، إضافة لمغادرة العناصر المرتبطة بالفصائل الفلسطينية والمساهمة في مكافحة الإرهاب، ومنح الولايات المتحدة حرية تنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب في مختلف أنحاء سوريا، ومعالجة ملف السلاح الكيميائي وتدميره، أما بالنسبة للجانب السياسي ضرورة الالتزام بعدم ممارسة أية انتهاكات ضد ” الأقليات” وحمايتها، وتشكيل حكومة شاملة متنوعة إلى جانب إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتطهيرها من العناصر الجهادية المتطرفة.
الإعفاءات الرئاسية التي أعلنها ترامب تتيح العديد من التسهيلات الهامة بالنسبة للاقتصاد السوري وإمكانية تقديم المساعدات كما تسمح للشعب السوري بأن يحقق مكاسب حقيقية ويفتح نافذة أمل لمرحلة إعادة الإعمار بما يمكن أن يعد التحدي الأكبر، إلا أن هذه الإعفاءات لا توفر الإطار القانوني المستقر الذي يحتاجه مجمع الأعمال والشركات لتقديم الاستثمارات على المدى لطويل والذي يتطلب بالدرجة الأولى بيئة مستقرة وآمنة وهو ما يصعب تحقيقه في ظل إعفاءات ظرفية.
في خضم هذه التحولات الدراماتيكية المتسارعة تبدو الفرصة تاريخية وذهبية أمام الإدارة السورية لاستثمار عملية رفع العقوبات متن خلال  التزام حقيقي بإصلاحات داخلية والعمل نحو بناء نموذج دولة ناجحة تبتعد فيها عن الإقصاء أو التحيز، وترسيخ الأمن والاستقرار ببناء نموذج وطني يرسخ قيم الديمقراطية والتشاركية و يقوم على حماية كافة المواطنين دون تمييز، وإبداء تقدم في ملفات السياسة الخارجية والانفتاح الدولي والإقليمي التي تخضع للقياس والمراقبة، خاصة أن الإدارة الأميركية مازالت تبدي تحفظات واسعة بالنسبة للخلفية الإيديولوجية الجهادية التي تنتمي لها مجموعات واسعة من الفصائل، ومعرفة مدى القدرة على إحداث تغيير حقيقي غير صوري ينعكس إيجاباً في عملية إعادة سوريا إلى محيطها الإقليمي والدولي.

كاتب وباحث سوري في الشؤون الدولية