رفض سلام ترامب على حساب دول المنطقة: الطوفان حرب لتحرير المساحة العالمية

فؤاد البطاينة
لا قضية واضحة العدالة في هذا العصر وعبر القرون أكثر من القضية الفلسطينية، ولا أشد خطراً على أمن واستقرار المنطقة والعالم أكثر من استعصائها. ولا خطر يهدد الوجود العربي والإسلامي أكثر أو غير بقاء الإحتلال . ولا معاناة في التاريخ البشري القديم والمعاصر تداني معاناة الشعب الفلسطيني على مدار مائة عام، ولم ترتكب في التاريخ أقذر وأطول من حرب إلإبداع في الإبادة الجماعية بكل انواعها المبتكرة بحق شعب غزة الأعزل. والسبب هوالتزاوج بين رفض الشعب الفلسطيني القطعي للإستسلام والتخلي عن وطنه، مع مقاومته بلا توقف منذ قرن .
طوفان الأقصى جاء ثورة أخلاقية قيمية في أسوأ مرحلة تمرعلى البشرية بما تتصف به من شيوع الرذيلة والظلم والشر والجريمة على الأرض، وأشبه ما تكون بالمرحلة التي سبقت الطوفان الكبير التاريخي. طوفان انطلق من فلسطين الأشد شعبُها بلاء على الارض بفعل تداعييات المشروع الصهيوني. ليظهر الصالحين من عباده الله في غزة. ولكنهم في هذه المرة لن يبنوا السفينة بل سيواجهوا الشر وسفن الشيطان، وستتحطم تحت أقدامهم العارية .
لنكن واقعيين لا مُطبلين ومزمرين ولا أصحاب أجندات فرعية. المقاومة ليست من أعمال الدول، فالدول لها مصالح غير قابلة للتضحية بها، الدول تخضع وتستجيب لميزان القوة ونوعية التسليح وتفوقه، وتُقهروتُدَمر وتستسلم ما دامت لا تمتلك سلاحا رادعا للقوة الغاشمة أياً كانت. أما المقاومة فهي من أعمال حركات التحرير الشعبية، إنها صمود رجال ونضال وفداء بكر وفر لا يتوقف ما دامت الأسلحة الخفيفة موجودة وما دامت السكين موجودة وأظاقر الأيدي تجرح، ومادامت لا يحدها أو يحكمها المكان والزمان أو قرار دولة عدوة كانت أو حليفة. فالمقاومة وحدها التي تُبطل مفعول التفوق العسكري وتنتصر على الدول وجبروتها. فطبيعة المقاومة لا تحتمل اي تبرير لوقف مواصلة القتال .هكذا ننظر لحماس أو للمقاومة الفلسطينية على أنها تخوض حرب تحرير وستخضع لها أمريكا.
الإنصاف يقتضي الحقيقة فيما نحن فيه كفلسطينيين وعرب. نحن لا نواجه إدارة الإحتلال وجيشه، نحن الوحيدون في هذا العالم من نواجه بقضيتنا قوة أمريكا الغاشمة قائدة الإمبريالية الغربية التي تخضع لها دول العالم وتتعاون معها،وتهرب من مواجهتها بشكل أو أخر. هذا قدرنا أن نخرج من استعمار بضعفنا لندخل أو نُسَلّمُ الى تحالف استعماري أنكى وأشد. القصة معروفة بكل غدرها وخياناتها،وإدانتنا كعرب بعدم القدرة على التغلب على هؤلاء المستعمرين المنتصرين بالحرب العالمية الأولى والثانية في يوم وليلة هي فلسفة الجهل، ومن سقط الكلام.
النصر واحد وله أسباب مسخرة، آدمية كانت أو مادية. ويبدو من واقع وتداعيات طوفان الأقصى التي هزت الضمير العالمي وحقنت في عقله مظلومية القضية الفلسطينية وشعبها وشيطانية الصهيوني، أنها حرب تحرير وصمود.
بوادر التغيير العالمي اليوم تلوح من خلال معطيات من أمريكا ترامب. نترقبها بحذر. والظاهر لنا أنها جاءت لتفتك بالبنية السياسية لأمريكا الأمس من حيث طبيعة الحكم والتوجه بما هو كاف لتغيير النظام الدولي قلبا وقالباً، انطلاقاً من مركزها المتسيد كمحصلة لتحالفاتها القديمة التي زادتها نرجسية وجشعا. والتغيير هذا بأدوات جديدة يهجم فيها ترامب على قاعدة نهج العولمة ويجنح لقواعد ” الدولة القومية ” الرافضة للخسارة المستندة للقيم السياسية ولتحالفتها التقليدية وللتضحية من أجلها ولو بنقطة دم أو بدرهم. الا اذا كان شيء وراء الأكمة.
نشهد أمريكا اليوم متوجهة لسياسة التفاوض مع الأقوياء ذاتياً وأعداء الأمس، بمعزل عن الخلفيات. فعلاقاتها مع أي دولة أصبح يقررها الميزان التجاري الأمريكي بكل جشعه في ثروات الشعوب. وما تفاوض إدارة ترامب مع إيران واليمن الحوثي وحماس إلا رسائل لإسرائيل أولاً وللعالم ثانياً بانتهاء طبيعة التحالف الإستراتيجي بين الكيانين المصطنعين. وفي هذا نتوقع تخليها التدريجي عن تبني الكيان وحروبه وأطماعه كشريك صهيوني عولمي كلفته عالية على أمريكا ونقيض لتوجهها الجديد، ولم يبق له تلك الضرورة ككيان وظيفي. كما نتلمس وقف الحقبة التي تشترط فيها أمريكا على الأنظمة العربية التطبيع مع الكيان لنيل رضاها أو تجنب غضبها.وكل هذا لا يُمكن عزله عن فشل الكيان في كسر إرادة الفلسطيني داخل مدينه محاصرة بأسلحة التدمير الشامل.
ين موقعنا ومصالحنا كعرب عند أمريكا ترامب كقضية احتلال فلسطين الوطن، وكمستقبل وسيادة واستقلال بلداننا وقراراتها ومشاريعها الوطنية وقالبها القومي النهضوي؟ فترامب لم يخجل أو يأبه أن يقول وهو منهمك بصفقات النهب بأنه سيستخدم القوة لاحتلال السلام. هذا كلام امبريالي مستعمر ووقح وحامل سيف. وقول ملتبس وخطير ما لم يقصد باستخدام القوة هو حجبها عن الكيان الصهيوني وعن طاولة التفاوض مع دول المنطقة ؟. فالسلام والإستقرار لن يتحقق في منطقتنا على حساب الحقوق الأصيلة لأي طرف في الإقليم لحساب أخر. هذه لعبة مقبورة، ومنطقتنا وحدة أمنية واحدة، ولن يتحقق السلام الحقيقي من دون تصحيح الخطأ التاريخي لدول الغرب وأمريكا بتفكيك المستعمرة الصهيو أمرو أوروبية من إرض فلسطين. ولا ينسى ترامب وغيره أن مصر والأردن قوتان، سياسيا وجغرافياً وسكانياً وأمنياً لا يمكن القفز عنهما ولا قهرهما.
كاتب عربي اردني