نواف الزرو: 77 عاماً على النكبة: الإبادة المستمرة ضد أطفال وفئات الشعب الفلسطيني!

نواف الزرو
ربما أهم الاسئلة التي تتبادر للذهن ونحن نشاهد الإبادة الصهينية الاجرامية على الهواء مباشرة:
لماذا يبيدون العائلات الفلسطينية بالآباء والامهات والاطفال وبالجملة هكذا…؟!
لماذا يقتلون أطفالنا وامهاتنا بدم بارد ولا يرف لهم جفن…؟.
لماذا يعتبر قادة الغرب وصناع القرار فيه ان الامر عادي جادا ولا يستحق ان يطالبوا بوقفه…؟!.
ما الذي يجعل منظومة عالمية مثل المنظومة الغربية تتحول الى حفنة من الكذابين والمجرمين الدوليين، ويتحول خطابهم الى ما يشبه خطاب العصابات الخارجة عن القانون ؟.
وقد يتساءل البعض: لماذا نتحدث عن “المحرقة الصهيونية ضد اطفال فلسطين” على نحو خاص، بينما يتعرض كل الشعب الفلسطيني الى محرقة صهيونية مفتوحة….؟!
نعتقد هنا بمنتهى الوضوح ان الشعب الفلسطيني يتعرض الى محارق صهيونية، كل محرقة منها تحتاج الى مجلدات من التوثيق الحقيقي الموسع لا يترك تفصيلا من تفاصيل المحرقة إلا ويوثقه، كما ان كل القضايا الفلسطينية تحتاج كل منها الى المزيد والمزيد من التغطية المستمرة، نظرا لتطور وتسارع الاحداث هناك على ارض فلسطين، وخاصة ما يتعلق منها بمنهجية الاحتلال الاجرامية ضد نساء واطفال فلسطين وارتفاع منسوبها وتنوع اشكالها، وانكشاف الاجندة والاهداف الصهيونية االحقيقية وراء استهداف اطفال فلسطين على نحو خاص وذلك بالوثائق والشهادات.
ففي المشهد الفلسطيني على امتداد مساحة فلسطين المحتلة، وخاصة على شعبنا في قطاع غزة في هذه الايام، تشن دولة الاحتلال حروبا مفتوحة على الشعب الفلسطيني بشيبه وشبانه ونسائه واطفاله وشجره وحجره، وتحرص تلك الدولة كل الحرص منذ بدايات الاحتلال على استهداف اجيال واطفال فلسطين على نحو خاص في اطار هذا الصراع، قتلا واعتقالا وتشريدا، كما حرصت على تحويل حياة الطفل الفلسطيني إلى جحيم دائم …والأخطر من ذلك حرصت على قتل أحلامه وطموحاته في الحياة والحرية والاستقلال، فأخذت قواتها المدججة بكل أنواع الأسلحة تطارد أطفال فلسطين حتى قبل أن يذوقوا طعم حليب أمهاتهم، وأخذت المطاردة المستمرة تمتد من الطفل الرضيع إلى أطفال التأسيسية والإعدادية والثانوية لتطال الجميع بلا استثناء وبلا رحمة ..ولتتحول حياة الطفل الفلسطيني إلى موت يومي، وإلى يوميات مليئة بشتى أشكال الألم والعذاب والمعاناة المستمرة، ولتغدو قصة الطفل الفلسطيني”قصة موت يومي ومعاناة مفتوحة بلا سقف وبلا حدود “، ولكن أيضاً ليسطر الطفل الفلسطيني عبر ذلك كله أعظم”ملحمة صمودية أسطورية عزّ نظيرها في هذا الزمن القاسي والظالم لدى شعوب العالم كله”.
الهدف الكبير وراء المحرقة الصهيونية هو تحطيم الاجيال ومستقبلهم، وفي ذلك لا تتوقف دولة الاحتلال عن اختراع وتطويرالمزيد والمزيد من ادوات القمع والقهر والقتل ضد ابناء الشعب الفلسطيني، وضد الاطفال على نحو حصري، فمن القمع والتنكيل والقتل، الى الاعتقال والمحاكمة والسجن، الى المطاردة اليومية للاطفال حتى وهم على مقاعد الدراسة…!
فمنذ أن سقطت فلسطين في قبضة الاحتلال، بدأ مسلسل لا يتوقف من المعاناة يحاصر الفلسطينيين جراء سياسات سلطات الاحتلال التي استهدفت الشعب الفلسطيني بكل مقدراته ومكوناته وتفاصيله اليومية، من خلال جملة من الممارسات التعسفية من قتل، وجرح، واعتقال، وتشريد وإبعاد، وإقامة جبرية، ومصادرة أراض واستيطان، وجدران، وحواجز، وبوابات، واقتحامات، وحظر تجول، وحصار؛ والقائمة تطول، ولم يكن الطفل الفلسطيني بمعزل عن هذه الإجراءات التعسفية التي تمارسها سلطات الاحتلال؛ بل كان في مقدمة ضحاياها؛ رغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حقوق الأطفال؛ وفي مقدمتها “اتفاقية حقوق الطفل”، التي تنادي بحق الطفل بالحياة والحرية والعيش بمستوى ملائم، والرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه، واللعب، والأمن النفسي، والسلام.
لقد شكلت عمليات استهداف الأطفال الفلسطينيين وقتلهم سياسة ثابتة اتبعتها القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، واعتُمدت على أعلى المستويات؛ ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء الأطفال؛ حيث وثَّقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين وكذلك المصادر الطبية الفلسطينية استشهاد اكثر من عشرين الف طفل فلسطيني في حرب الابادة على غزة ، بيما أصيب وفقد اكثر من عشرين الف طفل آخر، ناهيكم عن آلاف الشهداء من الاطفال خلال الحروب العدوانية السابقة على غزة منذ عام 2000 وحتى اليوم، ناهيكم عن آلاف الشهداء من الاطفال في الضفة الغربية خلال نفس الفترة.
هذا وتعج الذاكرة الفلسطينية بآلاف الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، مثل: الرضيعة إيمان حجو في قصف دبابات الاحتلال لخانيونس عشوائيا سنة 2001؛ ومحمد الدرة الذي استهدفه جنود الاحتلال وهو يحتمي بحضن والده في شارع صلاح الدين بالقطاع سنة 2000…والخ…الخ…!
وفي المشهد ايضا، لعل من احدث اجراءات الاحتلال على صعيد قمع الاطفال والاجيال، انشاء المحاكم العسكرية الخاصة بالاطفال، اذ قرر الجيش الاسرائيلي انشاء مثل هذه المحاكم، لمحاكمة الاطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية، فوقع قائد المنطقة الوسطى اللواء غادي شميني على أمر رقم 1644 يأمر باقامة”محكمة عسكرية للاطفال– محكمة عسكرية من هيئة واحدة، يجلس فيها قاض واحد هو قاضي الاطفال أو هيئة يكون فيها رئيس المحكمة هو قاضي الاطفال”، وقالت الإذاعة العبرية”إن الأمر الذي وقعه شامني يقضي بتهيئة قضاة متخصصين “للتعامل مع الأحداث الفلسطينيين في المحكمة الجديدة”، وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية نقلت عن مصدر بوزارة الحرب قوله” إن هذا القرار جاء من أجل مواجهة الأعداد المتزايدة فى الأطفال الفلسطينيين المتورطين فى “عمليات ضد قوات الاحتلال-مثل الاحتجاجات او رفع العلم الفلسطيني او حتى القاء حجر صغير على طفل في الرابعة او الخامسة من عمره وهكذا….!
وحسب القضاء العسكري الاسرائيلي فان الامر العسكري رقم 132 بشأن “محاكمة مجرمين اطفال” يعد ثلاثة انواع من القاصرين:”الطفل”يعرف كـ”شخص لم يكمل 12 سنة من العمر”، و”الفتى”، هو من أتم 12 سنة ولكن لم يبلغ 14 سنة من العمر، اما “الراشد الغض” فهو من أتم 14 سنة ولكنه لا يزال دون سن الـ 16، وحسب القانون العسكري لا يوجد تقادم على جرائم مزعومة نفذها فلسطينيون حتى لو كانوا قاصرين في اثناء تنفيذها، والمادة 132 من الامر وان كانت تقضي بنصف سنة سجن كحد اقصى لمن هم”فتيان” 12 – 14 سنة يوم ادانتهم وحتى سنة لـ “الراشد الغض” (14 – 16 سنة) الا اذا كانوا ادينوا بجريمةعقابها اكثر من خمس سنوات”، غير أنهم في جرائم عديدة في القضاء العسكري عقوباتها اعلى من خمس سنوات سجن رشق حجارة مثلا – بين عشر وعشرين سنة، او العضوية في منظمة محظورة – عشر سنوات سجن”.
فهناك حرب تدمير منهجية مبيتة للأجيال الفتية، والجيش الاسرائيلي يعمم استخدام العنف والاهانات والاعتقالات لكسر شوكة أطفال فلسطين.. لتقف البراءة خلف القبضان في محاكم إسرائيل العسكرية…!.
ومما يستدعي التشديد هنا ان هذه المنهجية القمعية الارهابية ضد اطفال فلسطين تقف وراءها خلفيات ايديولوجية سياسية ودينية ،
وهنا يوثق د.يحيعام شورك”الكاتب والمؤرخ والمحاضرالاسرائيلي في” بيت بيرل ” في دراسة حملت عنوان ” جذور البلطجة والقوة في المجتمع الاسرائيلي” طبيعة ذلك المجتمع قائلا:” ان نزعة القوة في المجتمع الاسرائيلي ليست وليدة الامس فهي ترجع الى زوايا الماضي المعتمة قبل تجسيد الفكرة الصهيونية …”..ويؤكد :” لقد تجندت كتب التعليم من جهة وبرامج العمل من جهة اخرى لصالح تحسين وتنمية ال”نحن” وتحطيم ال “هم” او شرعنةال”نحن” وشيطنة ال”هم ” (الفلسطينيون والعرب) ..”ويختتم المؤرخ الاسرائيلي شورك بحثه مؤكدا ايضا :” اذا كانت الحال كذلك ..لماذا لا نفهم بذور البلطجة الكامنة داخلنا وبين ظهرانينا …؟!..واذا اضفنا الى كل ذلك تدخل الصهيونية الدينية في السياسة وهي التي تقدس العمل الصهيوني فان الامر يعني تلقائيا اعطاء المبررات لكل عمليات سلب الارض ومكان العمل وتسويغ كل عدوانية واستعلاء تجاه البيئة المحيطة / ان كانت فليسطينية او عربية /…الا يكفي ذلك …نقلا /عن موقع المشهد الاسرائيلي -2005/9/25 “….؟!!!!
ونقتبس ايضا ما نصحه “بن غوريون” أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل لشارون قائلاً: “لا تقرأ يا أرئيل فأنت لا تصلح إلا للقتل، ونحن نريد قتلة أكثر من مثقفين”، وقال شارون عن نفسه:”لا أعرف شيئًا اسمه مبادئ دولية،أتعهد بأن أحرق كل طفل فلسطيني يولد في المنطقة.. المرأة الفلسطينية والطفل أخطر من الرجل، لأن وجود الطفل الفلسطيني يعني أن أجيالاً منهم ستستمر- من مقابلة مع الجنرال أوزي مرحام، عام 1965م- نقلا عن الاهرام المصرية-11-1-2014”.
كما ان ما كشف عنه المخرج الهولندي اليهودي جورج سلويتسر لصحيفة “فولكسكرانت” الهولندية من أنه” شاهد بأم عينيه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون وهو يقتل بمسدّسه طفلين فلسطينيين على مدخل مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 1982-وكالات-11/20/2010 ” وكان في حينه وزيراً للحرب، انما يضيف وثيقة وشهادة اخرى بالغة الاهمية التجريمية لكم الوثائق والشهادات المتراكمة ضد جنرالات الاحتلال والمجزرة ضد اطفال فلسطين.
ثم ألم يفضح الكاتب الصحفي الاسرائيلي كوبي ينف” الفتاوي الدينية التي تحولت الى تعليمات عسكرية تبيح قنص الاطفال الفلسطينيين حينما كتب بجرأة نادرة مؤكدا :” لقد تبين ان هناك دورة خاصة للقنص .. وكما تلاحظون فان خريجي هذه الدورات – من الجنود – ينجحون في اصابة رؤوس الاطفال من ابناء 11 – 12 سنة وقتلهم واحدا تلو الاخر” .. يضيف ” نيف”: “فكل التقدير والاحترام .. لقد امتلأت المقابر في المناطق الفلسطينية بالاطفال الذين قتلوا بالطلقات البلاستيكية التي لا تقتل – صحيفة عل همشمار العبرية 17/1/1989 “، ويختتم “نيف” متسائلا باستنكار: “.. وما دمنا نتبع سياسة اقتلهم وهم صغار، فلماذا ننتظر حتى يصلوا الى سن الـ 11 سنة؟ فلماذا لا نقتلهم وهم ابناء ثلاثة او اربعة او حتى ابناء شهر ونصف..؟ ولماذا لا نقتلهم اذن حتى قبل ان يولدوا، وهم في بطون امهاتهم..؟!
وفي عددها الصادر لشهرَيْ مايو/أيار ويونيو/حزيران 2009، نشرت مجلة “مومِنت” (Moment) اليهودية الأميركية حوارا مع الحاخام الصهيوني “مانيس فريدمان” حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، وقد أتت إجابة “فريدمان” صريحة: “إنني لا أومن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تُطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون.. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم”. وقد علَّل “فريدمان” ذلك بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة، وأن تلك هي قيم التوارة التي ستجعل الإسرائيليين “النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات (الغربية) المُدمِّرة التي اخترعها الإنسان”- Manis Friedman, “How Should Jews Treat their Arab Neighbors?” Moment (May-June) 2009-“.
فالادبيات والنوايا المبينة والخطط والجاهزية الاجرامية اذن كلها قائمة لديهم .. حصد اكبر عدد من اطفال فلسطين وتدمير الاجيال مبكرا حتى لا تتواصل هذه الاجيال في مواجهة الاحتلال والمشروع الصهيوني.
واستناداً إلى كل تلك الأدبيات الدموية وإلى تلك التعليمات العسكرية التي تبيح قتل أطفال فلسطين ، لم يكن عبثاً ” أن يصبح أطفال فلسطين هدفاً دائماً لآلة القتل الإسرائيلية وكالة قدس برس / عن جمعية القانون لحماية حقوق الإنسان الفلسطيني 9/10/2002″ـ) ، و ” أن إسرائيل أخذت تمعن في انتهاك حقوق الأطفال الفلسطينيين كما أكدت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال صحيفة الأيام الفلسطينية 3/11/2000″ـ) ، و ” أن السياسة الإسرائيلية باتت أكثر تركيزاً على قتل الأطفال الفلسطينيين – عن موقع هولي بال الإلكتروني 24/8/2002) ، و ” أن الأمور وصلت إلى حد التساهل الذي لا يطاق في قتل الأطفال- صحيفة هآرتس العبرية 7/10/2002) ، الأمر الذي ترجم إلى كم ضخم من الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين والمصابين بأمراض نفسية من أطفال فلسطين ، كما سنتابع في الأجزاء التالية من هذا العمل الموسوعي .
وعلى هذه الخلفية الايديولوجية الموثقة التي تستهدف اطفال فلسطين قتلا واعتقالا وترويعا وتدجينا ، ونظرا للتطورات الدرامية على الارض الفلسطينية وعمليات القتل والاعدامات شبه اليومية ضد اطفال وفتيان فلسطين، فانه يحق لنا ان نطلق على ما يجري وبهذه التفاصيل:” المحرقة الصهيونية ضد اطفال فلسطين”..!.
وليس من مبالغة في ذلك أبدا، وليشكل هذا العمل البحثي التوثيقي لائحة اتهام حقيقية ضد جيش ومستعمري وقيادات الاحتلال العسكرية والسياسية والحزبية والبرلمانية، بهدف تقديمهم الى محكمة الجنايات الدولية حينما يجد جد الامم المتحدة ومنظمات وهيئات حقوق الانسان الدولية.
كاتب فلسطيني
[email protected]