حمد التميمي: زيارة ترامب إلى الخليج.. التقاء المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية

حمد التميمي: زيارة ترامب إلى الخليج.. التقاء المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية

 

 

حمد التميمي
في عصرٍ تُشكِّل فيه الأخبار المشهد السياسي لحظةً بلحظة، وتتصارع التحليلات في فضاءٍ رقميٍ سريع، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التليفزيونية ساحةً مكتظةً بالنقاشات حول كل حدثٍ عالمي. وبين تأييدٍ واسع وانتقادٍ شديد، اجتاحت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية، قطر، والإمارات العناوين الرئيسية، حيث انقسمت الآراء بين من يراها مجرد جولة اقتصادية هدفها إبرام الصفقات، ومن يدرك أن وراء هذه التحركات ترتيبات سياسية أعمق تُعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط. هذه الزيارة، رغم ما تحمله من عقودٍ بمئات المليارات، ليست مجرد اتفاقياتٍ تجارية، بل خطوةٌ استراتيجية تتداخل فيها الملفات الساخنة، وعلى رأسها سوريا، التوازن الإقليمي، ومستقبل العلاقات الدولية بين واشنطن وحلفائها في الخليج. فهل يُنظر إلى هذه الزيارة بموضوعيةٍ سياسية، أم أنها تُختزل فقط في لغة المال؟
لا شك أن الجانب الاقتصادي كان حاضرًا بقوة في هذه الجولة، حيث تم توقيع اتفاقيات بمئات المليارات من الدولارات في مجالات الدفاع، التكنولوجيا، والطاقة. ولكن هل يمكن اختزال هذه الزيارة في كونها مجرد صفقة تجارية؟ وفقًا لمحللين سياسيين، فإن هذه الاتفاقيات ليست مجرد استثمارات، بل أدوات لتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة، وإعادة ضبط العلاقات بين واشنطن وحلفائها الخليجيين في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة.
من بين الملفات السياسية التي ناقشها ترامب مع القادة الخليجيين كان ملف سوريا، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وتشكيل حكومة انتقالية تسعى لإعادة بناء البلاد. دول الخليج ترى في هذه المرحلة فرصة لإعادة دمج سوريا في الفضاء العربي، ولكن بشروط واضحة تتعلق بإعادة الإعمار والإصلاحات السياسية.
وفقًا لتقرير نشرته واشنطن بوست، فإن ترامب أعلن خلال زيارته للسعودية عن خطط لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، مما يُشير إلى تحول في السياسة الأمريكية تجاه دمشق، وفتح المجال أمام استثمارات خليجية في إعادة الإعمار. هذا القرار أثار ردود فعل متباينة، حيث يرى البعض أنه خطوة ضرورية لدعم الحكومة الانتقالية ومنع سوريا من التحول إلى دولة فاشلة، بينما يخشى آخرون أن يؤدي ذلك إلى تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة.
إلى جانب ملف سوريا، حملت زيارة ترامب أبعادًا أخرى تتعلق بإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، خاصة في ظل المفاوضات النووية الجارية بين واشنطن وطهران. دول الخليج، التي كانت في السابق أكثر تحفظًا تجاه أي تقارب أمريكي-إيراني، بدأت تتبنى نهجًا أكثر براغماتية، حيث تسعى إلى ضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية ضمن أي اتفاق مستقبلي.
الزيارة لم تمر دون انتقادات، حيث أبدت بعض الجهات تحفظها على أهدافها الحقيقية. من بين أبرز الانتقادات التي أُثيرت كان التركيز على المصالح الاقتصادية دون معالجة القضايا السياسية والأمنية بشكل متوازن، إضافة إلى توقيت الزيارة الذي يتزامن مع أزمات إقليمية، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه الزيارة على استقرار المنطقة. كذلك، يرى البعض أن النهج الأمريكي في التعامل مع الخليج لا يزال قائمًا على تعزيز النفوذ دون تقديم حلول حقيقية للأزمات الإقليمية.
في المقابل، يرى مؤيدو الزيارة أنها تحمل فوائد استراتيجية واضحة، حيث يمكن أن تسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، مما ينعكس إيجابيًا على التنمية والاستثمار. كما أنها قد تؤدي إلى إعادة ضبط العلاقات الإقليمية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، إلى جانب تقديم ضمانات أمنية لحلفاء واشنطن في الخليج، مما يعزز الاستقرار الإقليمي.
زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للخليج تظل حدثًا مهمًا يحمل أبعادًا متعددة، بين المصالح الاقتصادية والتوازنات السياسية. وبين الانتقادات والتأييد، يبقى السؤال الأهم: هل ستساهم هذه الزيارة في تحقيق استقرار أكبر في المنطقة، أم أنها مجرد خطوة لتعزيز النفوذ الأمريكي دون حلول حقيقية؟
كاتب قطري