السفير محمد محمد السادة: تفاصيل الربح والخسارة في اتفاق وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن

السفير محمد محمد السادة: تفاصيل الربح والخسارة في اتفاق وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن

 

 

السفير محمد محمد السادة
اثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي سابقاً إجتمع الرئيس الامريكي حينها جون كينيدي بمستشارية العسكرين، وطرح عليهم تساؤل رئيس حول مدى إمكانية إصابة الصواريخ النووية السوفيتية المُنصبة في كوبا أهدافاً في الأراضي الأمريكية، وكان الرد يؤكد إمكانية إصابة الصواريخ السوفيتية لأهدافاً أمريكية، لذا ولإعتبارات الأمن القومي الأمريكي قرر الرئيس كينيدي الدخول في مفاوضات مع الجانب السوفيتي أفضت إلى إتفاق أنهى الأزمة.
دوافع القرار الأمريكي في إنهاء أزمة الصواريخ الكوبية لاتختلف كثيراً عن دوافع القرار الأمريكي ومتطلبات الأمن القومي بإنهاء الضربات العسكرية المتبادلة بين واشنطن وصنعاء، فقد نجحت صنعاء من خلال ما تمتلكه من إرادة، وقدرات وتكتيكات عسكرية متقدمة  في إظهار الإرهاق والتفسخ العسكري الذي تُعاني منه الولايات المتحدة، الذي يتضح في عدم قدرتها على ردع اليمن في موقفه المساند لفلسطين، وفشل حملتين عسكريتين على اليمن في الحد من قدراته العسكرية، الأولى خلال فترة الرئيس الامريكي الأسبق جوبايدن،والثانية التي قادها الرئيس الحالي دونالد ترامب، والأهم من ذلك هو أن  فشلها الإستخباراتي في اليمن زاد من مخاوفها بإحتمال توجيه ضربة يمنية قاصمة لهيبة الولايات المتحدة العسكرية كقوة أولى عالمياً من خلال إصابة مباشرة لحاملات الطائرات الأمريكية والمجموعة المرافقة لها، أو إنهاء التفوق الجوي الأمريكي، خصوصاً وأن الدفاعات الجوية اليمنية كما سبق أن أشار قائد الثورة اليمنية السيد عبدالملك الحوثي، وبشهادة مسؤولين أمريكيين كانت على وشك إسقاط مقاتلات (اف16) و (اف35) وهما فخر الصناعات الجوية الأمريكية.
خلال شهر ونصف من حملتها العسكرية الثانية على اليمن والتي كان مُقرراً لها أن تمتد لعشرة أشهر خسرت الولايات المتحدة مقاتلتين من طراز (اف18)، و 7 طائرات مسيرة من طراز (ام كيو9)،بالإضافة لخسائر عسكرية كبيرة تُقدر بأكثر من 4 مليار دولار، مع إستنزاف لمخزون الذخائر الإستراتيجية الأمريكية المخصصة لمنطقة الأندو-باسفك.  لذا لاغرابة أن يصف الرئيس ترامب إتفاق وقف إطلاق النار مع اليمن بالنصر، وأن تصفه المتحدثة بأسم البيت الأبيض أنا كيلي بقولها  ”  لقد نجح الرئيس ترامب في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو اتفاق جيد لأمريكا وأمنها”.
المعطيات السابقة هي الدافع الرئيس للإدارة الأمريكية لإعادة تقييم حساباتها والتوصل لإتفاق وقف إطلاق النار، لاسيما في ظل تأثيرات تلك المعطيات على الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الأندو-باسفك المخصصة لإحتواء الصين، بالإضافة إلى حرص الرئيس ترامب على المحافظة على صورته لنفسه كشخص مهووس بالبطولة، وعدم تدهور شعبيته في الداخل الامريكي، الأمر الذي دفعه لإتخاذ قرار إنهاء الحملة العسكرية الثانية على اليمن بعد سبعة أسابيع.
الربح والخسارة في إتفاق وقف إطلاق النار
بغض النظر عن شكل إتفاق وقف إطلاق النار المُعلن في 6 آيار/مايو الجاري بين صنعاء و واشنطن، من حيث كونه مكتوب أو شفوي، المهم أن من أعلن عنه بشكلٍ رسمي هي سلطنة عُمان، وهي وسيط محايد ومقبول لدى الطرفين، والمهم أيضاً الإلتزام بهذا الإتفاق الذي صُمم من أجل وقف الضربات العسكرية اليمنية للبحرية الأمريكية في البحرالأحمر، وحفظ ماتبقى من الهيبة العسكرية للولايات المتحدة، وعدم تعميق مأزقها في اليمن بعد فشل عمليات الردع .
من الواضح أن جوهر الإتفاق المُعلن بين صنعاء وواشنطن يُعيد الوضع على ما كان عليه قبل شن العدوان العسكري الأمريكي على اليمن في 15أذار/ مارس الماضي، وهذا يعني أن موقف صنعاء المُعلن بفرض حصار بحري على العدو الإسرائيلي ظل دون تغيير، ويعني أيضاً تراجع في الأهداف الأمريكية المتمثلة برفع الحصار البحري عن الكيان الإسرائيلي، وما أسماة  الرئيس ترامب “سحق الحوثيين”  وتدمير قدراتهم العسكرية، وإجبارهم على وقف عملياتهم العسكرية المساندة لفلسطين، وبالتالي فصنعاء هنا هي الرابح الأكبر، لاسيما وأن الإتفاق صُمم من أجل مصالح الولايات المتحدة وبحريتها، دون إعتبار لإسرائيل ومصالحها، مما يُعزز موقف اليمن في حصاره البحري والجوي على العدو الإسرائيلي.
إن إفتراض صحة إدعاءات الرئيس ترامب بأن من يُسميهم”الحوثيين” إستسلموا، وأنهم سعوا للإتفاق، يُضاعف مكاسب صنعاء ،ويدحض ادعاءات الإستسلام، فكيف لمن يستسلم عدم تغيير موقفه وأهدافه، وكيف لمن ينتصر التراجع عن موقفه أهدافه ؟! . أما بالنظر إلى معايير الربح والخسارة لكل طرف، وفق معاييره وما يراه من مصالح، يُعد الإتفاق ربحاً ونصراً لكلا الطرفين، مع فارق أن خسائر الولايات المتحدة كقوة عسكرية أولى على مستوى العالم هي خسائر كبيرة جداً معنوياً وعسكرياً ومادياً، مقارنة بخسائر اليمن وتضحياته المستعد والمُهيئ لتحملها في إطار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس التي سبق أن أعلن عنها .
إضافة لما سبق، فمديح الرئيس ترامب لمن يُسميهم “الحوثيين”  بالشجاعة والتحمل، هي حقيقة وإن كانت لتبرير فشل الحملة العسكرية، وشرعنة إتفاق وقف إطلاق النار معهم، كما تدحض إدعائه أنهم إستسلموا، أو حتى سعوا لوقف إطلاق النار ، وهنا تحاول صحيفة نيويورك تايمز في مقال لها بعنوان: “لماذا أعلن ترامب فجأة النصر على الحوثيين” التخفيف من شطحة ترامب قائلةٍ بأن الوسيط العُماني هو من إقترح على المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف مخرجاً للوضع، فيما الحقيقة التي تنكرها الولايات المتحدة، رغم إتساقها مع منطق وسياق الأحداث، وستُكشف لاحقاً، هي أن الولايات المتحدة طلبت من العُمانيين التواصل مع صنعاء من أجل التوصل لإيقاف متبادل لإطلاق النار.
ختاماً، فقد مثلت عمليات اليمن البحرية والجوية في مواجهته العسكرية مع الولايات المتحدة وكيان العدو الإسرائيلي تجربة هامة على مستوى اليمن والمنطقة والعالم كشفت عن معطيات وتحولات جديدة، عززت مواقف الدول الكُبرى والإقليمية المناوئة للهيمنة الأمريكية  كالصين وروسيا وإيران ،كما كشفت عن تحول اليمن إلى قوة إقليمية ناشئة،وجزء لايتجزء من معادلة الأمن والإستقرار على المستوي الدولي، و رقم لايُمكن تجاوزه في حسابات القوى الكُبرى تجاه المنطقة العربية وقضاياها، وفي المقدمة القضية الفلسطينية، كما أكدت مصداقية موقف اليمن المتقدم الذي يتجاوز الحسابات والمصالح في دعم الحق الفلسطيني كونه موقف ديني وأخلاقي وإنساني أولاً، وليس موقفاً طارئاً، وهو ما سبق التأكيد عليه قبل عملية طوفان الأقصى بست سنوات، عندما أعلن السيد عبدالملك الحوثي عام 2018م، بأن اليمن يتطلع ومستعد للمشاركة في أي حرب قادمة يشنها الكيان الصهيوني على أبناء فلسطين أو لبنان.
إن ما قام به اليمن من إسقاط لهيبة الولايات المتحدة كقوة أولى عالمياً، وكشفه لهشاشة كيان العدو الإسرائيلي الذي ينظر إليه البعض كقوة عسكرية أولى في المنطقة  يُشكل درساً عملياً لشعوب الأمة العربية والإسلامية وحُكامها في حتمية النصر على أعداء الأمة، وفي مقدمتهم كيان العدو الصهيوني الذي يحاول فرض (معادلة الاستباحة) على المنطقة العربية وشعوبها الحرة، وأن ذلك النصر يستوجب تحمل أبناء الأمة لمسؤولياتهم الدينية والاخلاقية والإنسانية، والإلتحاق بموقف اليمن المشرف ومعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس لإنهاء حالة الهوان والذُل، وإستعادة المكانة والدور الحضاري المشرف للأمة.
سفير يمني