الدكتور جلال جراغي: هل ستقوم إيران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم بشكل عالٍ؟

الدكتور جلال جراغي
قال مستشار قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، علي شمخاني، في مقابلة مع شبكة “إن بي سي”، إنّ إيران مستعدة لتوقيع اتفاق نووي مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشرط الرفع الفوري والكامل للعقوبات الأميركية، مضيفًا أنّه في مقابل رفع جميع العقوبات الاقتصادية، تتعهد إيران بألّا تُنتج سلاحًا نوويًا على الإطلاق، وأن تتخلى عن مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وأن تواصل التخصيب لأغراض سلمية فقط، مع السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية برقابة كاملة.
هذا الجزء من حديث شمخاني تم تداوله على نطاق واسع في المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إن ترامب نفسه أعاد نشره في منصته الاجتماعية “تروث”، ظنًا منه أنّ إيران قدمت تنازلًا كبيرًا أمام الولايات المتحدة.
في هذا السياق، هناك عدّة نقاط تستحق تسليط الضوء عليها:
أولًا، قد يتصور المتابع للوهلة الأولى أنّ شمخاني قدّم تنازلًا كبيرًا وأعلن عن استعداد إيران للتخلّي والتخلص من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، الذي تصل نسبة نقاوته إلى 60٪، ويبلغ حجمه قرابة 270 كيلوغرامًا. وقد اعتبر البعض داخل الأوساط الإيرانية، مثل حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، أنّ شمخاني قال “الكلمة الأخيرة أولًا”، ظنًّا منه أنّ إيران خضعت لشروط وتهديدات ترامب.
لكن إذا تأملنا في حديث شمخاني، وخاصة في هذه الجملة، نجد أنّه تحدث بعمق وذكاء، حيث وضع شرطًا مهمًّا، وهو “الرفع الفوري والكامل للعقوبات”. وهذا الشرط، إن لم يكن شرطًا تعجيزيًا، فهو على الأقل شرطٌ ضخم لا يمكن تنفيذه بسهولة، لأنّه يطالب برفع جميع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل أكثر من 47 عامًا. وهذه العقوبات تشمل مجالات صناعية وعسكرية وكيانات وأشخاصًا كثيرين، ولا يملك الرئيس الأميركي وحده صلاحية رفعها دفعة واحدة، بل يتطلب الأمر موافقة الكونغرس، ما يستدعي جهدًا هائلًا من الرئيس لإقناع التيارات السياسية المختلفة، حتى داخل الحزب الجمهوري، وقد يستغرق ذلك وقتًا طويلًا وجهودًا معقدة. وعليه، يمكن القول إنّ شمخاني وضع ترامب أمام مسؤولية ثقيلة وتحدٍّ كبير.
ثانيًا، أشار شمخاني في جزء آخر من حديثه إلى التناقضات في المقاربات السياسية الأميركية تجاه إيران، قائلًا: إنّ ترامب يتحدث عن “غصن الزيتون”، لكن ما نراه هو “الأسلاك الشائكة”. وهذا يُبرز أنّ الولايات المتحدة لم تتوقف عن سياساتها العدائية تجاه إيران. فـ”غصن الزيتون” يرمز إلى السلام، وهو لا ينطبق على التصرفات الأميركية، لأنّ الأميركيين، قولًا وفعلاً، لم يتخلوا عن سياسات العداء، مثل استخدام لغة التهديد والترهيب وفرض المزيد من العقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إيران. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدل على تزييف خطاب الرئيس الأميركي.
ثالثًا، أكد شمخاني في المقابلة أنّ عملية تخصيب اليورانيوم هي جزء من حقوق إيران الطبيعية، وليست تهديدًا لأي طرف، وأنّ إيران تقوم بذلك ضمن معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبما يتوافق مع معاهدة حظر الانتشار النووي، والهدف من ذلك هو تلبية الحاجات الوطنية في مجالات الطب والصناعة والطاقة.
وقال إنّ إيران لا يمكن أن تتخلى عن هذا الحق، ولن تكرر تجربة توقيع اتفاق غير متوازن، ثم التعرض للعقوبات من جديد.
في الواقع، شدد شمخاني على أنّ التخلّي عن التخصيب يعني تعطيل الصناعات النووية الإيرانية، خاصة في المجالات الطبية والصناعية، وأنّ إيران لن تكرر تجربة الاتفاق النووي لعام 2015، الذي قدّمت فيه التزامات عملية مقابل وعود برفع العقوبات، لكن الدول الأوروبية لم تلتزم بها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.
مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية- العربية