صالح عوض: ترامب جنى الأرباح.. سوريا تحت الولاء!!

صالح عوض: ترامب جنى الأرباح.. سوريا تحت الولاء!!

 

صالح عوض
كما كل الحكام الكبار والامبراطوريين التاريخيين جاء الرئيس الامريكي من وراء المحيطات والبحار يزور قواعده العسكرية ويحل ضيفا عند حلفائه الحكام العرب الذين اكتشفوا ان الكرم على قدر قيمة الضيوف فهناك من الضيوف من لا تستدعي ضيافته أكثر من خبز بلبن وهناك ضيف يسمونه هذا ضيف لحم تذبح له الخراف وهنا يأخذ الكرم تدرجاته العليا وصولا الى الهدايا الثمينة.. وبالتأكيد ان قيمة ترامب عند حكام العرب لا تدانيها قيمة حاكم في العالم وتسابق حكام دول الخليج في تقديم كل ما يبهر من الضيافة وفي هذا كله ليس هناك حكم بالرفض او القبول لان المسألة تخضع للتأويل طالما ان ليس لدى الدول العربية قدرة على المواجهة او طالما ان المال يمكن ان يعدل من غلواء الامريكان ويخفض من ضغوطاتهم على هذه الدول التي لا تحتمل صراعا ودماء وحروب فلعل بعضها كما حال الامارات لا  تحتمل ابراجها يوما واحدا من قصف يشبه القصف على غزة..
ويمكن اعتبار ان هناك اهداف حققها حكام الخليج في فصل الكرم الباذخ اولها ان استعد الرئيس الامريكي بالسماح للسعودية ببناء مفاعل نووي، كما ان الرئيس الامريكي نسي او تناسى تحت ضغط “الكرم” ان يشدد على ضرورة دخول المملكة السعودية دائرة التطبيع مع العدو الصهيوني او محفل الابراهمية.. وايضا يمكن الاشارة الى رفع عقوبات امريكا عن سورية بدون موقف سوري واضح بخصوص التطبيع والمحفل الابراهيمية.. كما ان اعطاء الرئيس الامريكي لقطر دور في اتفاقيات محتملة بين الولايات المتحدة وايران يعتبر بلا شك انجاز عربي مهم حيث يمنح الدول العربية دورا اقليميا.
لكن الذي غاب من المشهد الموقف تجاه فلسطين بشكل عام ومذبحة غزة بشكل خاص.. هنا يحق لنا ان نتساءل هل فتح حكام العرب الموضوع مع ترامب ام ان الملف لم يأخذ نصيبا معتبرا في الحوارات المتبادلة.. ولن يبلغ سوء الظن بنا الى درجة القول ان بعض حكام الخليج حث ترامب على ضرورة التخلص من المقاومة الفلسطينية وسلاحها بل ووجود اشخاصها.. وفي نفس الوقت هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي عدم التفكير بزيارة مصر وعدم التفكير بلقاء رئيسها في الرياض مثلا مع ان مصر هي الجارة لفلسطين وهي من وقع اتفاقيات صلح مع الكيان الصهيوني وهي المعنية بشكل مباشر بالجوار الفلسطيني..
فيما كانت الاحتفالات المبالغ فيها تتم في عواصم عربية بمناسبة استقبال الرئيس الامريكي الذي عبر عن ذهوله بمدى جمال العمران وأبهة الترتيب في العواصم التي زارها.. فيما الاحتفالات المتنوعة عبر اسبوع من العرس الكبير كانت غزة تقدم يوميا عشرات الشهداء وعشرات الجرحى ولقد بلغ الفصف اثناء وجود ترامب في البلاد العربية أقصى مداه.. والكل يعلم ان الذخائر امريكية والطائرات امريكية والدعم امريكي بلا نقصان.. وهنا يقفز المنطق التلقائي بتساؤل يعصف بكل شيء: ترى كيف يقدم الحكام على كل هذا الترحيب المعنوي والمادي لشخص يزود العدو الصهيوني بكل الى القتل والبطش دونما موقف مواضح علني للحكام العرب امام الرئيس الامريكي يعبر عن الالم العربي والعجز العربي والحزن العربي والرجاء العربي من الامريكان.. حتى منطق الضعاف والمساكين والمستولين لم يرتقي اليه الحاكم العربي تاركا فلسطين تنادي وتنادي لعل صوتها يصل.
ترامب زار العيديد القاعدة العسكرية الامريكية في قطر حيث تعهدت الحكومة القطرية باستثمار فيها جديد لتطويرها.. ولقد كانت زيارة ترامب للقاعدة العسكرية مليئة بالايحاءات .. ان هذه القواعد العسكرية هي التي تحقق كل هذه الانجازات المادية وهذه القواعد هي التي انطلقت منها الطائرات والصواريخ التي دمرت العراق قبل 20 سنة.
باختصار شديد كشفت زيارة ترامب للمنطقة ان الحكام العرب لديهم هموم ومهمات أخرى غير فلسطين فانه بإمكانهم التحدث عن اوكرانيا وايران وسورية مع الأمريكان الا عن ملف فلسطين.. انهم غسلوا ايديهم منذ زمن طويل من فلسطين وكما سبق وان قالها جيمي كارتر الرئيس الامريكي الاسبق: لقد التقيت ب 14 زعيم عربي ولم يحدثني أحد منهم عن القضية الفلسطينية.. وهذا من المهم ان يكون واضحا لدى الفلسطينيين لكي يتحرروا من روابط خيوط العنكبوت مع النظام العربي.. وعلى الفلسطينيين ازاء ذلك ان يدركوا ان الحاكم العربي ضعيف وانه لا ينطق الا بما يرضي الامريكان ولا يرى شيئا الا من خلال العين الامريكية.. ان انتباه الفلسطينيين لهذا الواقع لاسيما قادتهم لذلك سوف يحررهم من الاحساس بالاخوة والانتماء لامة واحدة مع من ارتضى لنفسه دور الوسيط بين المقاومة والعدو المجرم..
هل تدخل سورية نادي الابراهيمة
يجاهر السوريون بعد ان اسقطوا النظام المستبد براية بني أمية ويبالغون في رفع راية الامويين قصدا منهم بقطع العلاقة مع إيران و حزب الله والشيعة عموما والنكاية بهم مع كل في هذه العملية من سطحية و تنكر لتاريخ الأمة الذي يدور حول رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه الكبار من ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وابي عبيدة وخالد بن الوليد.. فهل هي مسألة شعار عابر أم أنها منهج وممارسة في المناورة والتكتيك حتى في المسائل الجوهرية كالقضية الفلسطينية.. هل أدرك حكام سورية الجدد البعد النفس اجتماعي لأهل الشام حيث يدينون تاريخيا بمبدأ ما لقيصر لقيصر وللشعب الحياة والتجارة بلا وجع رأس.. وهل المساحة التي يناور فيها الحكم السوري الجديد هي مساحة المباح والهامش المسموح أم أن أول الرقص حنجلة.. كما فعلها يوما معاوية بن أبي سفيان بدأ بالقميص وانتهي بالخلافة.
يقول ترامب -وليس بالضرورة ان يكون صادقا- ان الرئيس السوري وعده بالتطبيع مع اسرائيل والالتحاق بمحفل الابراهيمية وبناء عليه اصدر توجيهاته برفع العقوبات بالتدريج عن سورية الامر الذي استقبله السوريون بترحيب شعبي واسع حيث غصت الميادين بالمحتفلين بالقرار الامريكي.. لم يتطرق ترامب الى الاعتداءات المتوالية على الاراضي السورية وقصف الطيران العسكري الصهيوني مصالح حيوية وسيادية سورية و احتلال مناطق جديدة اضافة الى الجولان المحتل منذ 1967.
وهنا ينبغي أن لا يعزل الحديث عن سورية وتوجهاتها القادمة عن تعميق التحالف الخليجي الاستراتيجي مع امريكا وأثره في تطويع المنطقة ومنه ما تم مع الموقف السوري الذي قدم كلمات وربما تعهدات بالمسير في العملية السياسية السلمية في المنطقة ..
لست مع الذين يستعجلون في الأحكام على النوايا واميل دوما إلى قراءة الوقائع بمنهجية تحليلية وهذا لا يمنع عملية التفكير في استشرافات محتمل.. وهذا يعني بوضوح انه ليس من العبث ان تحاول القيادة السورية الحالية توفير شروط الحياة للمجتمع السوري المشتت والممزق وان هناك احمالا ثقيلة تقع على عاتق الحكام السوريين الجدد وليس من المنطقي مطالبتهم الان بالحديث عن تحرير فلسطين ونصرة غزة لان أي موقف سوري من هذا النوع يعني بوضوح ضياع سورية كبلد وكشعب وانه يعني بوضوح دخول سورية الفصل الخطير من دائرة العنف..
المطلوب من الحكام الجدد اعادة اعمار لاستيعاب ملايين عديدة هاجرت اثناء الاشتباك مع النظام.. عليهم يتجديد البنى التحتية للبلد وبناء مؤسسات حقيقية وتوحيد اطراف سورية تماما وايجاد تفاهمات عميقة مع اللبنانيين والاتراك وفتح مجالات الاستثمار وتطوير الزراعة والصناعة وتحريك العجلة الاقتصادية لشعب مر على اعنف مرحلة من الدمار والفناء والضياع..
سورية امامها مرحلة اعادة بناء واعادة اعمار وترميم تستدعي مزيدا من ضبط النفس وعدم الانخراط في ردات فعل تضيع سورية الى الابد، و هي لا تزال تواجه مؤامرات من الفلول وتجار المخدرات وضباط الامن السابقين كما تواجه ازمة الانفصاليين في اكثر من كان الدروز والعلويين والاكراد.. وهكذا فان توحيد سورية على قاعدة ضبط العملية السياسية من خلال مشروعيات المؤسسسات ودستور ينظم العلاقات بين السوريين حكاما ومحكومين.. وبغض النظر عن بعض الصدامات المسلحة في بعض المناطق الا ان سورية بلد كبير يستدعي دولة مركزية وقوة حاسمة
بوضوح هناك محظورمحدد وهو التطبيع مع العدو الصهيوني كما ان هناك حد ادنى من الواجب انه يكمن في التعامل الايجابي والاخوي مع الكتلة الفلسطينية الكبيرة في سورية بحيث يسمح لهم بلا نقصان التعبير عن مواقفهم ورؤيتهم واستمرار حيويتهم في المجتمع السوري كما انه عليهم الالتزام باستقرار الوضع الامني في سورية حرصا على سورية..
زيارة ترامب كانت بمهمة واحدة فقط انها مهمة جمع الخراج والسطو على عقل المنطقة وتوجيهه حيث يريد.. والموقف السوري جزء في العملية الامريكية ولهذا فان السوريين في ضع حرج وهذا امتحان كبير ينتظر أي خطا في الحسابات لكي يعصف بسورية.
من غير المنظور ان تعمل دمشق على السعي من اجل التطبيع ولا من اجل التخلي العلني عن فلسطين لكن سورية ستنسحب الان من ثبعة خطاب صريح حول فلسطين وواجب الكفاح لتحريرها.
انتظار الحكم على حكام سورية هو حسن ظن والايام القادمة سوف تكشف حقيقة العمل السياسي الذي تنهحه الحكومة السورية.. ولا اعتقد ان المناورة ستستمر كثيرا لان الاسرائيليين يفسرون بطريقتهم الخاصة ومتعجلون لفهم حقيقة الموقف..
ليس هذا هو نهاية العالم .. فهناك شركاء حقيقيون مع فلسطين عالميين احرار اوصلوا صوت فلسطين الى اماد بعيدة وقاموا بالضغط على دولهم ومؤسساتهم لتعديل مواقفها المنحازة.. وهنا لابد من التأكيد على أن اسرائيل تفقد كل يوم جديد انصارا ومؤيدين قديمين ثم ان الرواية الصهيونية تئن بعمق تحت اقدام الرواية الفلسطينية التي اصبحت رواية انسانية تدحر الرواية الصهيونية من العقول والاعلام ولعل هذا ابرز انجازات طوفان الاقصى.. ومن المعلوم ان سقوط الرواية هو المقدمة الطبيعية لسقوط الكيان ولن يجدي اسرائيل أي محاولة لترميم صورتها  وسمعتها.. والله غالب على أمره