زيارة الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط: استراتيجيات سياسية لمواجهة القوى العالمية

الدكتورة حسناء نصرالحسين
لطالما شكلت منطقة الشرق الأوسط نقطة ارتكاز في صراع النفوذ والسيطرة على مستوى العالم نتيجة ما تمتلكه من موقع جغرافي استراتيجي هام وتموضعها مكان القلب في الجغرافية السياسية العالمية .
من هنا وعلى مر عقود مضت رأينا الامبراطوريات العالمية تتنافس فيما بينها لفرض سياساتها على هذه المنطقة بما يتناسب ومصالحها الاستراتيجية والآن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على العودة بقوة لهذه المنطقة وما اختيار الرئيس الامريكي دونالد ترامب منطقة الشرق الأوسط كأول وجهة خارجية يحط رحاله فيها الا إدراك منه بضرورة عودة واشنطن بقوة لهذه المنطقة التي شكلت عبر عقود مضت بيضة القبان في صراع النفوذ بين الكبار.
فكانت زيارته للرياض وما تبعها من زيارات مكوكية شملت كل من قطر والامارات وقد تشمل دولا اخرى ضمن إطار العودة بقوة لهذه المنطقة التي تراجعت فيها الهيمنة الأمريكية قليلا لصالح كل من روسيا والصين، وما اختيار ترامب لهذه المنطقة الا لقطع الطريق أمام مشاريع هاتان القوتان العالميتان لنرى توقيع عددا مهما من الاتفاقيات والاستثمارات في عدد من القطاعات الهامة كالتكنولوجية والذكاء الاصطناعي وبيع الطائرات والصفقات العسكرية وقطاع الطاقة ليخرج ترامب بمكاسب اقتصادية واستثمارات قد تتخطى أربع تريليون دولار وهذه مكاسب اقتصادية ضخمة لأمريكا وبذلك قطع الطريق أمام المنتجات التكنولوجية الصينية والروسية في الحصول على هذه الصفقا .
لم يغفل الرئيس ترامب عن الاتفاقيات الامنية وتعزيز الشراكة بين أمريكا وهذه الدول في محاربة الإرهاب والتطرف وبذا يكون الملف الأمني حاضرا مع الملف الاقتصادي لان ما يطمح له ترامب مع دول الشرق الأوسط من مشاريع تجارية يدرك تماما لن تمر في مناخ غير آمن ومستقر فكانت القضية السورية حاضرة وبقوة على طاولة المفاوضات وما نتج عنها من ضرورة محاربة الإرهاب والتطرف في سورية لبناء مناخ استثماري آمن لسورية والدول الطامحة في الاستثمار فيها وما قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية الا خطوة أولى ضمن مسار طويل لاعادة تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة وفي هذا منفعة امريكية كبيرة لناحية الموقع الاستراتيجي الهام للدولة السورية كونها تشكل قلب الشرق الأوسط وبذا تكون أمريكا قد وسعت دائرة النفوذ والسيطرة داخل الدولة السورية لصالح بقية اللاعبين وأعطت دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية دورا كبيرا للحد من دور بقية اللاعبين في الملف السوري وخاصة تركيا.
ومن أهداف هذه الزيارة التي عمل الرئيس ترامب على خطف أنظار العالم قبل عدة ايام من البدء بها هي العمل على افشال مساعي مجموعة بريكس التي تعمل على الحد من الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي وهيمنة الدولار في المعاملات الاقتصادية من خلال طرح عملة موحدة للتعامل بين الدول او التعامل بالعملات المحلية لهذه الدول ، وما طلب ترامب من الأمير محمد بن سلمان العودة للتعامل بالدولار في المعاملات التجارية والاقتصادية الا محاولة للحد من مشروع دول بريكس التي انضمت اليها كل من السعودية والإمارات وبذا يعمل ترامب على إعادة هيمنة الدولار كقوة شرائية ثابتة لهذه الدول وبذا يعيد نفوذ أمريكا في منطقة الشرق الأوسط من خلال تعزيز التواجد الامريكي الاقتصادي والأمني في هذه المنطقة التي طالما ارتبطت بالتوجهات الاستراتيجية للقوى السياسية الفاعلة عالميا.
وفي الخلاصة:
لا نستطيع أن ننكر أهمية هذه الزيارة على المستوى الإقليمي للدول المتمركزة في دائرة النفوذ الامريكي لكن هناك متغير حمله ترامب يتمثل في توسيع نفوذ هذه الدول الحلفاء القدماء لأمريكا في هذه المنطقة واعطاها دور ينتظر أن يكون فاعلا وفعالا في حل ازماتها على حساب دول كبرى داخل الإقليم كإيران وتركيا وهذا كان واضحا في الملف السوري ورفع العقوبات وهذا امتياز قدمه زعيم البيت الأبيض للمملكة، وما نتج عن هذا الملف تقوية الحضور الامريكي في الملف السوري.
لكن هذه الزيارة هدف منها ترامب تخطي حدود الإقليم لتسجيل نقاط في معركة يخوضها ضد كل من الصين المنافس التجاري الشرس وروسيا المنافس العسكري العتيد.
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق