العراق: موقع جغرافي استراتيجي يساهم في تعزيز الوحدة العربية من أجل دعم أطفال غزة

العراق: موقع جغرافي استراتيجي يساهم في تعزيز الوحدة العربية من أجل دعم أطفال غزة

 

نجاح محمد علي

يقف العراق في قلب الشرق الأوسط الذي يضج بالحروب والصراعات ، كجغرافيا سياسية فريدة، تأريخه غني بالإرث الحضاري وموقعه جسر بين الشرق والغرب، لكنه تحمّل عقوداً من الحروب والاحتلال والتدخلات الأجنبية.
وفي حين تعطي الدول العربية، وحتى قادة مثل دونالد ترامب، الأولوية لمصالح شعوبهم، يبقى العراق عالقًا في عملية سياسية معقدة، لا يملك قراره بالكامل، وثروته مرتهنة لقوى خارجية.
قمة العرب التي تستضيفها بغداد اليوم السبت 17 مايو/أيار 2025، تمثل لحظة تأريخية للعراق لتأكيد دوره الإقليمي وقيادة موقف عربي موحد لدعم أطفال وشعب غزة الذين يواجهون الإبادة عبر القتل والحصار والتجويع.
يجب أن تكون هذه القمة نقطة تحول تسجل فيها الدول العربية موقفًا تأريخيًا ضد فظائع الكيان المحتل، بعيدًا عن المقارنات المجحفة مع دول ذات مثل السعودية والإمارات وقطر التي تتخذ قراراتها بحرية بعيدًا عن الصراعات الداخلية.
وانطلاقاً من الأهمية الجغرافية والسياسية للعراق، ندعو إلى تعاون عربي مع غير مشروط لدعم غزة وتثبيت الدور الإقليمي المستحق للعراق في مواجهة تحدياته خصوصاً ما يتعلق الأمر بمسألة فلسطين.

بغداد تستضيف القمة العربية: نداء لإنقاذ غزة

 

تستضيف بغداد القمة العربية لأول مرة منذ عام 2012، في حدث يرمز كثيرًا لشعب عانى من الحروب والعزلة الدبلوماسية من قبل أشقائه العرب.
من المفترض أن تُعقد القمة على مستوى القادة، لمناقشة قضايا ملحة، على رأسها الحرب المدمرة التي يشنها الكيان المحتل على غزة. كما تتناول القمة النزاعات في السودان وليبيا، التوترات في لبنان واليمن، التحولات في سوريا، والتحديات المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي، وبطالة الشباب.
تهدف القمة كما هو مؤمل ، إلى صياغة رؤية عربية موحدة، تشمل مبادرات كإنشاء غرفة للتعاون الأمني المشترك وصندوق لإعادة الإعمار بعد الأزمات.
لكن الأولوية يجب أن تكون لغزة، حيث يواصل الكيان المحتل، بحسب صحيفة هآرتس، حملته الإبادية، مرتكبًا مجازر، ومهجّراً العائلات، وناشراً الجوع والحصار.
العالم العربي في هذه القمة بقيادة العراق، يتحمّل مسؤولية أخلاقية وتأريخية لاتخاذ موقف شجاع يدعم أطفال غزة ويحاسب الجناة.
أما بالنسبة للعراقيين، فإن هذه القمة ليست حدثاً دبلوماسياً فحسب ، بل فرصة لاستعادة الكبرياء الوطني وإثبات أن بغداد، رغم جراحها ، قادرة على قيادة ردٍّ عربي تحولي على مأساة غزة.
ومع ذلك، يبقى السؤال قائمًا: لماذا يعجز العراق عن خدمة شعبه كما تفعل دول مثل السعودية؟
الجواب يكمن في واقع سياسي واقتصادي معقد يقيد سيادة العراق.

العراق تحت الاحتلال والتأثير الأجنبي

 

منذ الغزو الأمريكي عام 2003، فقد العراق السيطرة الكاملة على قراراته السياسية والاقتصادية. العملية السياسية الراهنة، الموصوفة بأنها “مليئة بالتناقضات”، تضم أطرافاً وشخصيات خاضعة لنفوذ إقليمي ودولي، عالقة في صراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران من جهة أخرى.
هذا الواقع جعل العراق عاجزًا عن اتخاذ قرارات استراتيجية مستقلة، خلافًا لدول مجلس التعاون الخليجي التي تنعم بقدرتها على اتخاذ قرارات دون سجالات داخلية.
فعلى سبيل المثال، استثمرت السعودية، الشريك الرئيسي في مبادرة الحزام والطريق الصينية، تريليونات الدولارات في تقوية اقتصادها، بينما بقي العراق عاجزًا عن مجرد الانضمام للمبادرة بسبب خلافاته السياسية والاقتصادية الداخلية وضغوط خارجية.
ورغم امتلاكه واحدة من أكبر احتياطيات النفط في العالم، لا تُدار ثروة العراق لصالح شعبه.
فبحسب مجلة فورين بوليسي، تُودع عائدات النفط العراقي في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وتخضع لقيود صارمة تمنع بغداد من التصرف بها بحرية، ما يجعل المقارنة مع دول مثل السعودية، التي تدير ثرواتها وتستثمرها بحرية، ظالمة وغير منطقية.
لا أحد يُنكر التعاون الخليجي مع ترامب أو استثماراتهم في أمريكا، فذلك يعكس قدرتهم على اتخاذ قراراتهم  ، أما العراق، الواقع تحت الاحتلال والهيمنة الأمريكية، فمحروم من هذه الخيارات – ومن لا يملك لا يُعطي.

القمة العربية: منصة لنُصرة غزة

 

نعم، تنعقد القمة في ظل تحديات وجودية يواجهها العالم العربي، أبرزها الحرب في غزة التي حصدت أرواحًا لا تُحصى وعمقت الكارثة الإنسانية.
تتطلب جرائم الكيان المحتل – من قتل وتجويع وحصار – ردًا عربيًا موحدًا.
ويتحمل العراق، بصفته دولة محورية، مسؤولية قيادة هذا الموقف، بما يضمن اتخاذ إجراءات ملموسة لتخفيف معاناة غزة، مثل فتح ممرات إنسانية، وفرض عقوبات دولية على الكيان المحتل، ودعم صمود الفلسطينيين.
وتوفر القمة فرصة للعرب لإعادة النظر في العراق كشريك استراتيجي، لا كدولة “معادية للعرب” كما تروّج بعض الوسائل الإعلامية أو بعض العراقيين المنتفعين.
على الدول العربية أن تؤكد التزامها بالعمل الجماعي، مع اعتبار غزة البوصلة الأخلاقية.
يمتلك العراق، بموقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية، إمكانات هائلة ليكون مركزًا إقليميًا. وكما صرّح وزير الخارجية فؤاد حسين خلال الاجتماع التحضيري، فإن المنطقة تمر بـ”مرحلة حرجة” تستدعي تعاونًا عربيًا أعمق.
تناقش القمة 18 مبادرة عراقية تشمل تعزيز الأمن، ومكافحة الإرهاب، والتنمية الاقتصادية، إلى جانب التعاون الثلاثي مع الأردن ومصر.
وتعكس هذه المبادرات طموح العراق في لعب دور بنّاء، إلا أن نجاحها مرهون بتحرر الدول العربية من القيود الخارجية وإعطاء الأولوية لقضية غزة.

لماذا يعجز العراق عن خدمة شعبه؟
فيما تحقق دول مثل السعودية والإمارات إنجازات لشعوبها عبر الاستثمارات والشراكات العالمية، يبقى العراق عاجزًا بفعل الاحتلال والهيمنة الأمريكية.
فترامب، خلال زياراته الإقليمية، وصف السعودية بـ”الشريك الاستراتيجي”، فيما اعتبر العراق “فوضى بحاجة إلى إصلاح”، مما يكشف ازدواجية المعايير: الدول ذات السيادة تُعامل كندّ، أما العراق فكمجال نفوذ تُدار ثروته من قبل واشنطن.
ويعتمد اقتصاد العراق بنسبة 90% على النفط، ويعاني من الفساد وسوء الإدارة، لكن العائق الأكبر يتمثل في السيطرة الأمريكية على عائداته.
فبحسب صحيفة واشنطن بوست، لا يتمتع العراق بحرية تخصيص موارده لخدمة شعبه، إذ تُحوّل الأموال لسداد ديون أو مشاريع  لاتخدم أجنداته المحلية .
في المقابل، تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي العربية ثرواتها في البنى التحتية والتكنولوجيا، ما يجعل المقارنة مع العراق غير عادلة.

التعاون العربي: طريق السيادة والتضامن

 

تشكل القمة العربية فرصة لتعزيز التعاون بين العراق والدول العربية، خصوصًا دول مجلس التعاون التي تقدم نماذج تنموية ناجحة.
يجب على العراق أن يستلهم من هذه التجارب، خصوصًا تجربة الإمارات، لإعادة بناء اقتصاده وتعزيز استقراره.
كما يمكن أن يفتح التعاون مع الأردن ومصر، كما نوقش في القمة، آفاقًا للتنمية الاقتصادية والأمنية، بشرط أن يبقى مستقلاً ويتجنب فخاخ التطبيع.
وتقدم إيران، كجار وشريك دبلوماسي، نموذجًا للصمود في وجه الضغوط الغربية.
وبحسب وكالة إرنا، تدعو إيران إلى التعاون الإقليمي مع العراق، خصوصًا في مجالات الطاقة والبنى التحتية.
يمكن لهذا التعاون أن يساعد العراق في تقليل اعتماده على الولايات المتحدة واستعادة السيطرة على موارده، بما يمكّنه من دعم جهود الإغاثة في غزة.

تحديات وآمال
رغم الفرص التي تتيحها القمة، فإن التحديات لا تزال كبيرة.
فالاستقرار السياسي في العراق هش بسبب نظام المحاصصة وتغليب المصالح الحزبية والطائفية والشخصية على الوطنية.
ويعاني الاقتصاد من اعتماد مفرط على النفط ومن غياب التنويع.
أما ثقة المواطنين بالمؤسسات فهي متآكلة بفعل الفساد والهيمنة الأجنبية.
ومع ذلك، فإن استضافة القمة تُبرز إمكانية نهوض العراق.
فافتتاح فندقين من فئة الخمس نجوم وتجديد مطار بغداد الدولي، بحسب تقرير بي بي سي، يعكسان تزايد الثقة بالبلاد.
وبالنسبة للعراقيين، فإن رؤية أعلام العرب تزيّن شوارع بغداد تعيد إليهم شيئًا من الفخر الذي فقدوه خلال الحرب على داعش.
هذه القمة ليست مجرد حدث سياسي، بل دليل على أن العراق قادر على النهوض من جديد وقيادة الجهود العربية لإنقاذ أطفال غزة من الإبادة.

العراق أولاً، غزة أولاً

 

يجب ألا تُنظر إلى القمة العربية في بغداد كمجرد تجمع دبلوماسي؛ بل هي دعوة للعراق ليلعب دوره المتميز كجغرافيا سياسية محورية، وللعرب كي يتخذوا موقفًا أاريخيًا من أجل أطفال وشعب غزة الذين يواجهون القتل والحصار والتجويع.
وبينما تسعى الدول العربية لتحقيق مصالح شعوبها، فإن العراق وغزة يستحقان نفس الاهتمام.
إن المقارنات المجحفة مع دول مثل السعودية التي تتحكم بقراراتها وثرواتها لا تعكس واقع العراق الواقع تحت الاحتلال.
إن التعاون العربي، مع دول مجلس التعاون الخليجي وجيران مثل إيران، هو مفتاح تحرير العراق من القيود الخارجية ودعم بقاء غزة.
فالشعب العراقي، بتاريخه  العريق وإمكاناته الهائلة، يستحق عملية سياسية تضع مصالحه أولاً، وتعيد بناء وطنه كدولة قوية مستقلة، تقود العدالة من أجل غزة.
كاتب وباحث عربي