آسيا العتروس: من محنة إلى محنة… تتكرر المآسي لكن القضية تبقى حية

آسيا العتروس: من محنة إلى محنة… تتكرر المآسي لكن القضية تبقى حية

اسيا العتروس
قبل سنتين كتبت رئيسة المفوضية الاوروبية اورسولا فوندرلاين  في مدح كيان الاحتلال والاشادة بما تحقق لاسرائيل التي تحولت من صحراء الى جنة “.. اليوم نحتفل بمرور 75 عاما على الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط.. أنتم حرفيا جعلتم الصحراء تتفتح”..طبعا لم تعتذر المسؤولة الاوروبية عن تصريحاتها ولم يذكر لها أنها تراجعت أو اعترفت بأنه من حق الشعب الفلسطيني الذي أخرج من أرضه فلسطين قسرا أن يعيش حرا كريما ككل شعوب الارض ,نستعيد اليوم تصريحات المسؤولة الاوربية فيما تتواصل حرب الابادة الجماعية في غزة وما أفرزته حتى الان من قتل وحشي ومن خراب و دمار تجاوز ما عرفته مدينتي ناكازاكي وهيروشيما خلال القصف الامريكي ..لم تكن تصريحات المسؤولة الاوروبية اعتباطية أو دون حسابات مسبقة و الاكيد أن المسؤولة الاوروبية وهي الالمانية التي اكتسبت خبرتها السياسية في البلد الذي ارتبط ب بالنازيين وبالمحرقة اليهودية  عقدة الذنب التي ستتوارثها  أوروبا و في مقدمتها ألمانيا التي ستمنح بمقتضاها لكيان الاحتلال الاسرائيلي صكا على بياض لاقتراف ابشع واخطر الجرائم في حق الشعب الفلسطيني.. وقد ظل الموقف الالماني ومنذ عملية طوفان الاقصى وما رافقها من ابادة جماعية وجرائم حرب ومن تهجير قسري وتجويع منتصرا للجلاد داعما له سياسيا واقتصاديا وامنيا وظل معاديا للضحية حتى أن السلطات الالمانية ظلت ترصد وتلاحق النشطاء الذين كانوا يتجرأون على التظاهر  في المدن الالمانية ضد جرائم الكيان الاسرائيلي و بلغ الامر حد طرد من اعتبرتهم السلطات الالمانية أعداء السامية وهي بطاقة الادانة الصالحة في كل مكان وزمان كلما تعلق الامر بانتقاد او ادانة جرائم اسرائيل ..
الحقيقة أن ألمانيا لم تكن الاستثناء فقد اعتمدت أوروبا مهد القين الانسانية المشتركة و المواثيق من اجل انسانية الانسان لا موقف الشيطان الاخرس والمتفرج على المذابح بل كانت شريكا متواطئىا بالدعم السياسي والعسكرية و الديبلوماسي والتجييش الاعلامي للرواية الاسرائيلية والتحريض على الفلسطينيين و المقاومة فكانت بذلك صوت الجلاد ولسان دفاعه الذي لا يلين في انكارالحق الفلسطيني ..
يمكن القول لقد خذلت أوروبا القيم  المشتركة التي انتفضت لاجلها و لم تخذل الفلسطينيين وأهل غزة فقط ..
اليوم تعود ذكرى النكبة وقد تضاعفت وتحولت الى نكبات تحمل كل منها تضحيات ومعاناة جيل من الاجيال الفلسطينية التي دفعت ولا تزال تدفع ثمن الاحتلال و الظلم من دماء ابنائها و من أرضها و حقها ..لا خلاف أن الدور الاوروبي و اساسا البريطاني في
تكريس النكبة و تجذيرها يبقى قائما مهما أصرت الحكومات المتعاقبة على انكار هذا الدور الذي شجع الصهاينى على اعادة ارتكاب ما كان العالم يرددبعد محاكمات نورمبروغ  أنه لا يمكن أن يتكررnever again ..الابشع أن ضحايا الامس تحولوا الى جلادي اليوم و هم من يتسترون بالمحرقة اليهودية لتغطية جرائمهم و التسويق لها ..
حتى هذه المرحلة لا أحد ايا كان موقعه يمكن ان يتخيل ما ستكون عليه غزة بعد عقد أو عقدين و لا حتى ما ستكون عليه منطقة الشرق الاوسط بعد انتهاء الابادة في غزة و لكن أيضا بعد انتهاء كل المظاهر الاحتفالية التي ترافق جولة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الخليجية و الحصاد الذي سيعود به الى واشنطن بعد كل الاتفاقيات العسكرية و الاقتصادية و التجارية التي وقعها و التي ستشغل الاف المعطلين في أمريكا ..
رغم مرور سبع و سبعين عاما على النكبة لا يزال الشعب الفلسطيني وحده صامدا  صمودا أسطوريا رغم جرائم الاحتلال و التضييق المستمر من حوله و توسع الاستيطان و السطو على ما بقي من الارض ورغم الخذلان الذي واجهه من القريب قيب البعيد و لا يزال متمسكا بأرضه و حقه في البقاء ..
السؤال المصيري اليوم كيف يمكن لهذا الشعب الذي خبر كل المحن جمع شتاته و استعادة ثقته في امكانياته و اعادة بناء اهدافه بعيدا عن سطوة و مظلة العرب الذين لا يمكنهم أن يتولوا امانة حمل مفتاح القضية و هم المحكومون بمصالحهم و قضاياهم و مشاغلهم و علاقاتهم مع القوى المتحكمة في ادارة اللعبة و نقصد بذلك أمريكا بالدرجة الاولى و أوربا المشتتة بالدرجة الثانية ,سيتعين القيام بالكثير من المراجعات المؤلمة لاعادة تحديد الاولويات في متاهة الصفقات و المصالح ..الشعب الفلسطيني اليوم موجوع و هو ليس في أفضل حالاته و مع ذلك فقدره أن ينهض من جديد و يعيد احياء اسطورة الفينيق فيه لمواصلة المعركة النضالية  الاطول  والاعقد في تاريخ الانسانية ..
سيكون من الغباء اليوم و بعد كل ما سجله العالم من انتهاكات الاحتلال و خروقاته و تجاوزاته في محرقة القرن التعويل على دور او موقف عربي خلال القمة العربية المرتقبة نهاية الاسبوع في بغداد ..لقد كان الفشل  و البؤس سيد الموقف في كل الاختبارات من اجل هدنة تمنح أهل غزة فرصة استعادة الانفاس ,,قد يزداد الخناق على غزة و على كل الفلسطينيين في قادم الايام و لكن سيستحيل على كل القوى الكبرى مجتمعة أن تراهن على خيار تهجير من بقي من الفلسطينيين و الغاء حقهم في حرية البقاء على أرضهم حتى و ان كان الخراب يحيط بهم ..قد نشهد الذكرى المائة للنكبة و ربما اقل من ذلك أو اكثر و لكن هناك قناعة راسخة أن الجيل الذي  تعرض للتجويع و التعذييب و التقتيل وشهد محرقة غزة لن يدير ظهره لفلسطين و لن يسقط من ذاكرته ما شاهده من جرائم الاحتلال و سيعود هذا الجيل بعقيدة و ارادة قد لا يكون بالامكان تخيلها اليوم ,ذلك هو قدر الشعوب و حقها و ارادتها في تقرير المصير اجلا او عاجلا ..
كاتبة و صحفية تونسية