زياد أحمد سلامة: من التقاليد والمعتقدات الحديثة في حفل الزواج

زياد أحمد سلامة
إذا قُدِّر لك أن تشهد مجلس عقد قران فلا تندهش إذا ما سمعتَ أحدَهم يطلب من الحضور عدم تشبيك أصابعهم ، أو يطلب آخر من الحاضرين الامتناع عن التدخين ، أو أن لا يضع أحدُهم إحدى رجليه فوق الأخرى وغير ذلك اعتقاداً منهم أن هذه الممارسات وغيرها ستؤثر سلباً على استمرارية الزواج وسعادة الزوجين ، فأين الخطأ والصواب في هذا المجال ؟ وما حقيقة الأفكار التي يعتقدها بعض الناس حول عقد الزواج ؟ في هذا المقال سنحاول البحث في هذه الممارسات الشائعة ومعرفة الحكم الشرعي الصحيح حولها ، آخذين بعين الاعتبار أن البدعة المنهي عنها في هذا المجال هي :” الاعتقاد أنَّ ممارسةً ما ؛ مِنْ قولٍ أو فعل ؛ أثناء عقد الزواج ؛ هي مطلوبة شرعاً ؛ أو منهي عنها شرعاً ، أو أنها جزء من أجزاء العقد وأركانه .”
أولاً : تشبيك اليدين وطرطقة الأصابع والعبث بالمسبحة وربط الخيط وعقده وضع رجل فوق الأخرى
كثيراً ما يطلب أحدُ حضور مجلس عقد القران أن لا يشبك أحد أصابع يديه ، ويطلب أيضاً ممن قام بتشبيك أصابعه أن يفك ذلك التشبيك ! أو الكف عن العبث بالمسبحة، أو ربط الخيط وعقده، وعدم وضع رجل فوق الأخرى ،إذ يعتقد البعض أن هذه الممارسات أثناء إجراء العقد منهي عنها شرعاً ، أو أنَّها ستؤدي إلى تعقيد في حياة الزوجين مما سيسبب الكثير من المشاكل ، وأنَّ هذا الزواج سيؤول مصيره إلى الفشل فالطلاق، أو أنّهاَ ستمنع الزوج من الدخول على زوجته ليلة الزفاف بشكل سليم .
الاعتقاد بالنتائج السيئة التي ستحيق بالزوجين أو أحدهما نتيجة إحدى هذه الممارسات وغيرها هو في الدرجة الأولى تطير وتشاؤم ، ليس لقائليه من الله سلطان عما يقولون، وهذا بحد ذاته اعتقاد محرم ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال :” لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ” . وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ “. ومعنى قوله: (ولا طيرة): لا تشاؤم؛ فالطِيَرة هي التشاؤم بمرئيٍ أو مسموعٍ أو معلوم . والهامَة ؛ “بتخفيف الميم” فسرت بتفسيرين : الأول : أنها طير معروف يشبه البومة ، أو هي البومة ، تزعم العرب أنه إذا قُتل القتيل ؛ صارت عظامُةُ هامة تطير وتصرخ حتى يؤخذ بثأره ، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه .
التفسير الثاني : أن بعض العرب يقولون : الهامة هي الطير المعروف ، لكنهم يتشاءمون بها ، فإذا وقعتْ على بيت أحدهم ونعقتْ ؛ قالوا : إنها تنعق به ليموت ، ويعتقدون أن هذا دليل قرب أجله ، وهذا كله بلا شك عقيدة باطلة . ومعنى قوله : (ولا صفر) : قيل : إنه شهر صفر ، كان العرب يتشاءمون به ولاسيما في النكاح.
فالقول بأن هذه الممارسات لها أثر سيء على مستقبل الزواج هو تطير وتشاؤم يتنافى مع سلامة العقيدة الإسلامية القائلة بأنه لا أثر للمخلوقات أياً كان جنسها على أي مخلوق أو سير حياته وتوجهاته المستقبلية ، وهذا يذكِّرنا بما كان يمارسه بعض الناس في الجاهلية من استخدام (الأزلام) في تحديد تصرفاتهم المستقبلية التي أشار إليه تعالى في قوله الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*المائدة90}، والأزلام هي أعواد كانت في الجاهلية مكتوب على أحدها افعل وعلى آخر لا تفعل والأخير غفل ( أي غير مكتوب عليه ) فيُخْرِج قاصدُ العمل أحدَها ، فإن وَجد عليه افعلْ ، أقدمَ على حاجته التي يقصدها ، أو لا تفعلْ ؛ أعرضَ عنها واعتقد أنها ذميمة ، وإذا خرج العود الغفل أعاد الضرب ، فهو يطلب قسمه من الغيب بتلك الأعواد ، فهو استقسام ، أي طلب القسم ؛ الجيدُ يتبعه ؛ والرديءُ يتركه ، وكذلك مَن أخذ الفأل من المصحف أو غيره(بأن يفتح المصحف بشكل عشوائي ويتبع ما تقع عليه عينه من آيات يرى أن فيها طلباً لعمل أو تركاً له) قال العلامة الفقيه المالكي أبو بكر الطرطوشي في تعليقه إن أخذ : الفأل من المصحف وضرب الرمل والقرعة والضرب بالشعير وجميع هذا النوع حرام ؛ لأنه من باب الاستقسام بالأزلام.
وما يجمع الجاهليين المتطيرين بمانعي تشبيك الأصابع وسائر هذه التصرفات أثناء العقد هو التطير والتشاؤم. وقال صلى الله عليه وسلم (من ردتـه الطيرة عن حاجته فقد أشرك ، قالوا: فما كفارة ذلك ؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ) .
من ناحية أخرى لم يَرد أي أثر صحيح يمنع تشبيك اليدين ونحوها في مجلس عقد الزواج ، وإلى ذلك ذهب الشيخ صالح الفوزان حيث قال : “لا أصل لهذا ، لم يرد النهي عن التشبيك إلا لمن يصلي، أو من ينتظر الصلاة، ما عدا ذلك فلا بأس بالتشبيك “، وإلى ذلك ذهب أيضاً الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان حسب فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .ويرى د. “عارف الشيخ” أن تشبيك الأصابع أو فرقعتها في مجلس عقد النكاح ، ليس من أركان العقد ، ولا من سننه الامتناع عن التشبيك ، لأنه لم يرد في الكتاب أو في السنة نص بذلك ، وربما قال بعض العلماء بذلك ( أي بمنع التشبيك ) تأدباً مع عقد النكاح الذي سماه القرآن ميثاقاً غليظاً، ثم انتشرت تلك العادة بين الناس فصارت عرفاً متبعاً. وقال : والعرف إذا لم تترتب عليه مفسدة ، بل أعان على أداء الواجب والسنة، فلا بأس به إن شاء الله ، لأن ما أدى إلى الواجب فهو واجب . وعلى سبيل المثال فإن الامتناع عن تشبيك الأصابع وفرقعتها يؤدي إلى فرض الهيبة والوقار على مجلس العقد الذي يُعتبر مجلسَ عبادة ، في حاجة إلى الخشوع والهدوء ، ويقول د. عارف الشيخ متابعاً: إذن فإن مثل هذا العمل عند عقد النكاح إن لم يكن ممنوعاً شرعاً ، فإنه ليس بمشروع شرعاً أيضاً ، بل يمكن أن يكون ممنوعاً عرفاً قياساً على منعه في الصلاة أو في المسجد كما ذكرنا، ومن ثم فإنه لا مانع من احترام مثل هذا العرف إذا لم يُعتقد بأنه جزء من الدين .
الصواب الذي نراه أن منع تشبيك الأصابع عند إجراء العقد هو منع لمباح ولا يجوز تحريم المباح نهائياً ، ولا يجوز اعتبار العرف دليلاً شرعياً لأن أصل الأدلة الشرعية هو الكتاب والسنة وما ثبت فيهما أنه دليل شرعي كالإجماع والقياس ، وما لم يثبت فيهما أنه دليل شرعي لا يُعتبر دليلاً شرعياً وبما أنه لا يوجد أصل للعرف والعادة في هذه المصادر فلا اعتبار للعرف مطلقاً ، إذ لا اعتبار لأي دليل شرعي إلا إذا نص عليه الكتاب أو السنة وبالتالي فلا يجوز منع التشبيك أثناء العقد على خلفية التشاؤم والتطير ، ويُترك الأمر لكل شخص وتصرفه الطبيعي إذ أن الأصل في الأفعال الجبلية ( الطبيعية الفطرية) الإباحة .
وما يُقال عن تشبيك الأصابع أثناء عقد الزواج يُقال عن طرطقة الأصابع وربط الخيط وعقده ووضع رجل فوق الأخرى والعبث بالمسبحة ، فقد يعبث بعضُ الجالسين بمسبحته ( أو سبحته ) يمنة ويسرة ويقوم بالعقد بين حباتها كأنه يريد تعقيد أمر الزواج بين الزوجين. فكل هذه الممارسات لا قيمة لها ، ويجب أن يُترك المرء على سجيته ، ولا يجوز أن يفتي إنسان بأي حكم شرعي دون دليل شرعي حسب أصول الفقه .
ثانياً : الامتناع عن التدخين أثناء العقد :
يطالب بعض الذين يشهدون عقد الزواج من المدخنين الامتناع عن التدخين أثناء إجراء العقد بحجة أن التدخين في هذه الأثناء لا يتناسب مع إجراءات العقد ، وأنَّ التدخين في هذه اللحظات بالذات محرم .
الربط بين التدخين في لحظات إجراء العقد والتحريم ، أمر غير صحيح ،فلا علاقة بين صحة العقد والتدخين ، وتناول الدخان عند إجراء العقد ليس من مفسدات العقد ومبطلاته . ويجب التفريق بين حكم التدخين المطلق ، وبين تأثير تناوله على صحة العقد ، فالدخان ليس مسكراً حتى يؤثر على سلامة العاقد العقلية كما يؤثر الخمر والمخدرات ، ومع الأخذ برأي القائلين بحرمة تناول الدخان حرمة مؤكدة ؛ فليس من رابط بين تناول المحرم وممارسته وصحة العقد ، تماماً كما أنَّ العقد يصح إن كانت الزوجة عند العقد مظهرة بعض عورتها من خلال ارتدائها لباساً مكشوفاً ، فإنه وإن كان ارتداء اللباس غير الشرعي الذي يظهر بعض أعضاء المرأة كالذراعين والساقين محرم تحريماً قاطعاً ، إلا أن العقد صحيح لا شية فيه إن تم والزوجة غير ملتزمة بذلك .
بعض الناس يعزو طلب الامتناع عن تعاطي الدخان ساعة العقد احتراماً لهيبة المجلس ، وهذا جيد شريطة عدم القول بتحريم الدخان لأجل صحة العقد فقط .
ثالثاً : الزواج في شهر صَفَر وبين العيدين
يذهب بعض الناس إلى كراهية الزواج في هذه الأشهر والأيام ، فقد كانت العرب في جاهليتها تتجنب الزواج في شهر (صَفَر) وهو الشهر الهجري الثاني ، وقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : ” لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ “. وقيل بأن صفر الواردة في هذا الحديث هو شهر صفر ، كان العرب يتشاءمون به ولاسيما في النكاح. وجاء في الإسلام غير ذلك، فقد ذكرت كتب السيرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقد لفاطمة ابنتِه رضي الله عنها عَلَى عليِّ بن أبي طالب بعد بنائه بعائشة بأربعة أشهر ونصف الشهر، وكان زواجه وبناؤه بعائشة في شوال فيكون زواج فاطمة في شهر صفر، (وذكر بعضهم أنه كان في أوائل المحرّم) .
وأما الزواج بين العيدين (من شوال إلى ذي الحجة) فيذهب الكثير من العوام إلى الاعتقاد بكراهة إجراء عقد القران ما بين عيدي الفطر والأضحى لا سيما في شوال ، وتعود جذور هذا الاعتقاد إلى العصر الجاهلي ، والسبب الذي جعل العرب في الجاهلية يتشاءمون من الزواج في شهر شوال : هو اعتقادهم أن المرأة تمتنع من زوجها كامتناع الناقة التي شولت بذنبها بعد اللقاح من الجمل، وكانت العرب تتطير من عقد المناكح فيه ، وتقول : إن المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها ، فقد كانوا يتطيّرون أي يتشاءمون من شهر شوال، لما في اسمه من معنى الإشالة والرفع، فيقال عندهم: شال لبن الناقة أي ارتفع وقَلَّ، ويقال: شالَت الناقة بذنبِها إذا امتنعتْ عن الفحل أن يطرقَها. فهم يخافون أن تمتنعَ الزوجة عن زوجها إذا أرادها ، فالمُهم أنهم كانوا يتطيَّرون بهذا الشهر ويمتنعون عن الزواج فيه ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم طيرتهم ، وقد ألمحتْ إلى ذلك أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق حيث قالت :” تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟.قال عروة بن الزبير: وكانت عائشة تستحِبُّ أن تُدخل نساءَها في شوال .) قال ابن كثيرـ رحمه الله ـ وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بها – بعائشة- رضي الله عنها- في شوال ردّ لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين ، وهذا ليس بشيء ) قال النووي – رحمه الله ( في شرحه لحديث عائشة ) رضي الله عنها 🙁 فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا الشافعية على استحبابه ، واستدلُّوا بهذا الحديث .وقصدت عائشة بهذا الكلام ردُّ ما كانت الجاهلية عليه ، وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزويج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية ، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع …….) . : ” عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة في شوال وجمعها في شوال وقال: (إن شئت أن أسبع عندك وأسبع ثم صواحباتك وإلا فثلاثتك ثم أدور عليك في ليلتك ، قالت: بل ثلث لي يا رسول الله )
ومهما يكن من شيء فلا ينبغي التشاؤم بالعقد في أي يوم ولا في أي شهر، لا في شوال ولا في المحرّم ولا في صفر ولا في غير ذلك، حيث لم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا أثناء الإحرام بالحج أو العمرة.
إن الشهور والأيام كلها زمان صالح للزواج ، لأنه شعيرة من شعائر الدين وسنة من سنن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ومن تزوج فقد أحرز شطر دينه وطوبى لمن أحرز شطر الدين ، ثم فليتق الله في الشطر الآخر.
وفضلاً عن أن الإباحة هي الأصل في زمان الزواج ومكانه، ولم يرد نص يمنع الزواج في أي وقت ، فالامتناع عن إجراء عقد الزواج بين العيدين هو تشاؤم ، والتشاؤم أمر باطل ؛ لأن التشاؤم عموماً من الطيرة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: (لا عدوى ولا طيرة ) فمثله مثل التشاؤم بشهر صفر .
رابعاً : كراهة إجراء العقد أيام معينة
ورد في أحد مواقع الشيعة الجعفرية جدول يذكر فيه صاحبه أرقام الأيام والشهور الهجرية وأيها جيد مبارك للتزويج ، وأيها يكره فيه التزويج ، وجاء فيه: يكون الزواج جيداً ومباركاً للتزويج أيام 1و2و4و6و7و12و17و18و19و20و23و27و28و30من كل شهر هجري ، وتكون أيام 8و9و10و11و14و15و22أياماً صالحة للتزويج ، بينما يُكره التزويج أيام : 2شوال 4ربيع الأول و8 ذي الحجة و10 صفر و12رجب و12جمادى الثانية و 18ربيع الثاني و18جمادى الأول و22 المحرم و22 من ذي القعدة ، ويكره إطلاقاً الزواج في الأيام التالية من كل شهر:3و5و13و16و21و24و25و26و29 وقال الموقع بأن من تزوج يوم السادس والعشرين من كل شهر فإنه “لا يتوفق ويُطَلِّق” وينبغي تجنب العقد ليلة الأربعاء من كل أسبوع طيلة شهور السنة . ويستحب تزويج وزفاف العرائس ليلا دون الصباح والعصر ، وتأخيره عن أول ساعة الليل . وقد نبه الموقع إلى التفريق بين زمن إجراء العقد وزمن الزفاف فقال:” ينبغي التفريق بين ليالي عقد الزواج وليالي الزفاف ، فيعمل للعقد بما جاء أعلاه وأما بالنسبة إلى إعلان الزواج والزفاف لكونه في الأغلب الأعم تحدث على أثره معاشرة زوجية فتفصيل أوقاته المكروهة والمستحبة كالأتي: أما المكروهة فهي : ليلة الأربعاء من كل أسبوع ، وأول ليلة من شعبان وليلة النصف منه ، والليالي الثلاث من آخر الشهر {ليالي المحاق} الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين ، والليلة التي ينخسف فيها القمر ، والليلة التي يكون فيها القمر في برج العقرب ، واليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وليلة عيد الأضحى وليلة عيد الفطر. أما المستحبة فهي : ليلة الاثنين ، وليلة الثلاثاء ، وليلة الخميس ، وليلة الجمعة من كل أسبوع على امتداد شهور السنة ، وأول ليلة من شهر رمضان . تندفع كراهة العقد في الأيام والليالي المكروهة بالصدقة ، ولو لم يجد الفقير المحتاج قبل العقد جاز له عزلها بنية الصدقة ، ودفعها فيما بعد لمن يجده من الفقراء .
هذا ما عليه رأي بعض الإمامية الجعفرية ، وليس هذا في مذاهب أهل السنة الفقهية بشيء ولا دليل على حرمة أو كراهة الزواج في أوقات محددة باستثناء أيام الإحرام للحج كما سبق .
خامساً : اشتراط وضع الولي يده في يد العاقد حين العقد :
لا يُعرف على وجه التحديد أصل هذه العادة الاجتماعية ، ولكن جرت العادة عند الكثير من الناس أن يضع ولي الزوجة يده في يد الزوج ويقول له : زوجتك موكلتي فلانة على مهر مقداره كذا وكذا ، فيرد الزوج بالقبول ، وبذا بتم العقد ، وربما كان أصل هذه العادة أن البائع والمشتري إذا اتفقا على إتمام صفقة ما وضع كلٌ منهما يده في يد الآخر،جاء في لسان العرب: واصطفق القوم : اضطربوا. وتصافقوا : تبايعوا . وصفق يده بالبيعة والبيع وعلى يده صفقاً : ضرب بيده على يده ، وذلك عند وجوب البيع . ووضع الولي يده بيد الزوج فليس شرطاً ولا ركناً من أركان العقد ، فيكون الأمر مباحاً ، ولا يصح الاعتقاد أنه جزء من العقد.
سادساً : وضع المنديل على يد كل من الولي والزوج:
يمارس الأخوة في مصر عادة وضع المنديل على يد كلٍ من الزوج وولي الزوجة عند إجراء العقد و كأنه شرط أو ركن من أركان العقد ، ومن المعلوم بداهة أن هذا العمل ليس من أركان عقد الزواج أو شروط صحته ، إنما هي عادة اجتماعية تسربت إلى أفراح المسلمين ، وقد وصل الغلو ببعض الناس إن لم يجد منديلَ قماشٍ استبدل به منديلاً من الورق، وهذا يدل على أن الأمر قد استقر في نفوس ممارسي هذه العادة وكأنه من لوازم العقد.
سابعاً : التوبة الجماعية ، والتوبة بقصد الزواج :
حيث يطلب المأذون أو أحد الحضور من الحاضرين أن يرددوا وراءه دعاءً نحو: “تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا وعزمنا ………..إلى آخر ما يقول ، وهذه من البدع المستحدثة ، وليس هناك في الشرع ما يدل عليها. فإذا ما أذنب العبد ذنباً ثم أراد أن يتوب فليس بينه وبين الله حجاب أو وسيط فيرفع يده في أي وقت ويقول يا رب ويطلب منه المغفرة والرحمة دون واسطة أو تأمين جماعي خلف المأذون. ولكن لا بأس بها إن قيلت أحياناً دون الاعتقاد بأنها جزء من العقد ، أو لها صلة به . وكذلك تقوم بعض الفتيات بالاستغفار ألف مرة أو بعدد محدد بنية الزواج ، صحيح أنَّ الاستغفار سبب من أسباب كرم الله تعالى ، فقد حكى الله تعالى عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * نوح 10 -12) فقد وَعَد سيدنا نوح عليه السلام قومه بأن الله سبحانه وتعالى سيرسل عليهم المطر إن هم استغفروا ربهم وآمنوا ، والدعاء سلاح عظيم لمن أحسن استخدامه ، وقراءة القرآن لها أثر عظيم في علاج الهم والقلق ، وجلب السعادة والطمأنينة ، وكذلك الاستغفار .والإكثار من الطاعات بصفة عامة ، من أسباب تحصيل السعادة ، كما قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * النحل/97 (وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرا* الطلاق/2و3) .فمن أكثر من هذه الطاعات ، وحافظ على صلاته وذكره واستغفاره ودعائه وقراءته للقرآن ، رجي له التوفيق والسعادة ، وتحقيق مراده ومطلوبه ، لكن لا يشرع التعبد بتحديد عدد معين أو زمن معين لم يرد في الشريعة ، فإن ذلك من البدع ، وهي من أسباب رد العمل وحرمان صاحبه من الأجر ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) ولم يرد في الشرع المطهر – فيما نعلم – أن قراءة سورة البقرة بخصوصها أو غيرها من السور أو الاستغفار بعدد معين سبب لحصول الزواج ، وإنما طاعة الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم على سبيل العموم هما سبيل السعادة وتيسير الأمور في الدنيا والآخرة .
ثامناً : تقديم قربان لأحد الأولياء
وهنا يقوم أصحاب العلاقة بالتقرب إلى أحد ( الأولياء) قبل العرس بيوم بذبح خروف أو عجل ، ثم يُقدم هذا القربان للمدعوين على أنه بركة من الولي ، وكل من يخالف هذه العادة فلينتظر المصائب من هذا الولي الذي سيغضب عليه.
يجب التنبيه هنا على عدة أمور : الخوف من أذى الولي شرك أكبر ، لاسيما إذا كان الولي ميتاً، أو كان حياً ولكنه غائب. وبمعنى آخر الاعتقاد بأن الولي يملك الضر والنفع وهو في عالم الغيب ، وكذلك التقرب بالذبح لـ (الأولياء ) خوفاً من المصائب، فهوا شرك أكبر أيضا، وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله من ذَبح لغير الله. فالواجب على من يمارس هذه العادات والتقاليد أن يتقوا الله ، وأن يجتنبوا هذه العادات السيئة، والتوبة من ذلك .
وعلينا أن نعرف أن أولياء الله الصالحين الذين أشار إليهم قوله تعالى “(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون*الذين آمنوا وكانوا يتقون*لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة …* سورة يونس 62-64) فقد جاء في تفسير الطبراني عن معنى أولياء الله ؛”أي الذين يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، ويتقون الشرك والفواحش ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن أولياء الله فقال: [ هم المتحابون في الله ] وعلى ذلك فاعتبار أحد الزهاد أو العلماء بعينه ولياً ، أمر غير صحيح .
تاسعاً: قراءة سور معينة لتسهيل الزواج
تلجأ بعض الفتيات لقراءة سور معينة من القرآن الكريم بقصد تسهيل الزواج نحو سور : البقرة والرحمن والنور فكثير من الأخوات تقسم بالله أنها لم تتزوج إلا بعد أن قرأت سورة البقرة لمدة شهر أو أربعين يوما ، وجاء في برنامج على إحدى القنوات الفضائية أن من تريد الزواج عاجلا عليها أن تقرأ سورة الرحمن والنور على كوب ماء وتغسل به وجهها كل يوم . وجاء كذلك في أحد المواقع أن من ميسرات الزواج قراءة سورة المعارج يوميا صباحاً وسورة الواقعة ليلة الجمعة وسورة الذاريات مساءً وقراءة آيات الزواج هذه 100 مرة يومياً في الصباح والمساء ، فمن سورة الأنفال تقرأ الآية 63 🙁 لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفتَ بين قلوبهم و لكنَّ الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) . ومن سورة الروم تقرأ الآية 21 “( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودةً و رحمةً إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ومن سورة الذاريات (و من كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون * 49( ، ومن سورة القصص ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ *68) ومن سورة الإنسان (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً *30) ومن سورة الأنبياء (لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين*87)ومن سورة النبأ (و خلقناكم أزواجا *8) ومن سورة الفرقان (ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين*74 (ومن سورة الأنبياء (ربى إنى مسني الضرُ وأنتَ أرحم الراحمين *83) ومن سورة يوسف ( إنما أشكو بثي و حزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون *86 ( ومن سورة الأعراف ) هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها *189( ومن الأدعية المخصوصة لتيسير الزواج : يا حي يا قيوم برحمتك استغيث-لا حول و لا قوة إلا بالله ، مع صدق النية واليقين و حسن التوكل ، فتقال هذه الأدعية عند صلاة الفجر ويمنع التدخين عند تلاوة هذه الآيات والأدعية ، ويجب الحرص على عدم الوقوع في المعاصي ، وتُكثر صاحبة الحاجة من التصدق ، وتؤدي ركعتي صلاة الحاجة كل يوم بنية الزواج .
لم يرد دليل شرعي على قراءة أية سورة من القرآن الكريم بخصوص تيسير الزواج ، وإثباتُ ذلك لا يكون إلا من طريق الشرع ، والاعتقاد أن لسورة مخصوصة خصوصية في تيسير النكاح بدون مستند شرعي اعتقاد باطل وبدعة منكرة .
وهنا عدة ملاحظات : الأولى ؛ مطلق الدعاء أمر مشروع بل واجب ، ولا بأس بمثل هذا الدعاء : اللهم أسألك بأني أشهد أنك أنت الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ؛ اقض حاجتي ؛ آنس وحدتي ؛ فرج كربتي ؛ اجعل لي رفيقا صالحا كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا فأنت بي بصيرا . يا مجيب المضطر إذا دعاك احلل عقدتي ، آمن روعتي ، يا إلهي مَن لي ألجأ إليه إن لم ألجأ إلى الركن الشديد الذي إذا دُعيَ أجاب … هب لي من لدنك زوجا صالحا / زوجة صالحة واجعل بيننا المودة والرحمة والسكن ، فأنت على كل شيء قدير .. يا من إذا قلت للشيء كن فيكون .. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
وأما صلاة الحاجة فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى مشروعية صلاة الحاجة واختلفوا في عدد ركعاتها وصيغ دعائها، فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وقول عند الحنفية إلى أنها ركعتان، وذهب طائفة إلى أنها أربع ركعات، وقال بعضهم بأنها ثنتا عشرة ركعة. والراجح أنه ليس هناك صلاة مخصوصة بدعاء مخصوص للحاجة، لكن يُشْرَع للمسلم إذا انتابه شيء أو كانت له حاجة أن يستعين على قضائها بالصلاة؛ لقوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * البقرة 45) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حَزَبَه أمر فزع إلى الصلاة، ويدعو في صلاته بما شاء من حوائج الدنيا والآخرة.
عاشراً : قراءة الفاتحة بعد إجراء العقد
جرت العادة في الكثير من البلدان الإسلامية أن يقرأ القوم الجالسون في مجلس عقد النكاح الفاتحة بعد الفراغ من إجراءات العقد ، ومن الناس من يقرأ الفاتحة بنية التوفيق للزوجين ، ومنهم من يقرؤها على أنها إجراء مرافق للعقد ، فما مدى مشروعية قراءة الفاتحة هنا ؟
يقول د . الشيخ فهد بن سعود العصيمي في موقعه على الشبكة العنكبوتية: الفاتحة لها اثر عظيم في التوفيق لمن قام بحقها ، وذكر الإمام ابن القيم عند مَعْرِض كلامه على الإصابة في الفتوى عندما تُشكل أن بعض العلماء يقرأ الفاتحة بل يقول ابن القيم إنه جرب ذلك فوجدها أنها من أقوى أسباب الإصابة . وسَئلتُ الدكتورَ عبدَ العزيز الخياط عن حكم قراءة الفاتحة في هذا الموضع فأفتاني بجواز ذلك وأنها ليست بدعة ، ويقول د . يوسف القرضاوي 🙁 ليست البدعة كل ما استُحدِث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاق، فقد استحدث المسلمون أشياء كثيرة لم تكن في عهده صلى الله عليه وسلم ولم تُعَدّ بدعة، مثل استحداث عثمان بن عفان أذانًا آخر يوم الجمعة بالزوراء لما كثر الناس، واتسعت المدينة . ومثل استحداثهم العلوم المختلفة وتدريسها في المساجد، مثل: علم الفقه، وعلم أصول الفقه، وعلم النحو والصرف، وعلوم اللغة والبلاغة، وكلها علوم لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتضاها التطور، وفرضتها الحاجة ، ولم تخرج عن مقاصد الشريعة، بل هي لخدمتها وتدور حول محورها .فما كان من الأعمال في إطار مقاصد الشريعة، لا يعد في البدعة المذمومة، وإن كانت صورته الجزئية لم تعهد في عهد النبوة ، وقال أيضاً : ومن ذلك: أن كثيرًا من البلاد غير العربية يخطبون الجمعة فيها باللغة العربية، وجمهور الحاضرين ــ وإن لم يكن كلهم ــ لا يعرفون العربية، فلا يستفيدون من الخطبة شيئًا يذكر، ولهذا تكون في العادة قصيرة موجزة .ومن ثم يكملون هذا النقص بدرس باللغة المحلية، قبل الجمعة، يحضره من لا عذر لديه ممن يريد أن يتفقه في دينه.(
فقراءة الفاتحة من باب التبرك بها وبنية التوفيق جائزة، وأما قراءة الفاتحة على أنها على أنها إجراء مرافق للعقد ، فهي هنا بدعة ، كما قال الكثير من العلماء منهم الشيخ محمد بن عثيمين ومحمد جميل زينو وحسام الدين عفانه و د. محمد بن سليمان المنيعي وندا أبو أحمد .
ولا يترتب على قراءة الفاتحة شيء من أحكام العقد ، فقراءة الفاتحة لا تعني إتمام عقد النكاح ، بل العبرة بالقبول والإيجاب مع الولي والشهود . يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: الخطبة لغة وعرفا وشرعا شيء غير الزواج، فهي مقدمة له، وتمهيد لحصوله . والشريعة فرقت بين الأمرين تفريقا واضحاً، فالخطبة ليست أكثر من إعلان الرغبة في الزواج من امرأة معينة، أما الزواج فعقد وثيق، وميثاق غليظ ، له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره .والخطبة مهما يقم حولها من مظاهر الإعلان فلا تزيد عن كونها تأكيدا وتثبيتا لشأنها.. والخطبة على أية حال لا يترتب عليها أي حق للخاطب، إلا حجز المخطوبة بحيث يحظر على غير الخاطب أن يتقدم لخطبتها، وفي الحديث: ” لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ” والمخطوبة أجنبية عن الخاطب حتى يتم زواجه بها، ولا تنتقل المرأة إلى دائرة الزوجية إلا بعقد شرعي صحيح، والركن الأساسي في العقد هو الإيجاب والقبول . وللإيجاب والقبول ألفاظ معهودة معلومة في العرف والشرع .وما دام هذا العقد – بإيجابه وقبوله – لم يتحقق فالزواج لم يحدث أيضًا لا عرفًا ولا شرعًا ولا قانونًا، وتظل المخطوبة أجنبية عن خاطبها لا يحل له الخلوة بها، ولا السفر معها دون وجود أحد محارمها كأبيها أو أخيها”.
حادي عشر : سؤال العرافين عن سبب تأخر الزواج
تذهب بعض الفتيات إلى العرافين بقصد الاستفسار عن سبب تأخر زواجهن ، أو العمل على تسهيله وتيسيره ، فيقوم بعض العرافين والمنجمين بإجراء حسابات معينة فيَخرجوا بنتيجة تقول للسائل بأن فلانة و فلاناً يصلحان ليكونا زوجين أو لا يصلحان ، أو أن الزواج في الموعد الفلاني مناسب أو غير مناسب ، عن طريق معرفة الحساب الشمسي أو حساب الجُمَّل فإذا كانا من برجين متحدين أو متقاربين كأن يكونا من برج السرطان أو العقرب فيكون التناسب بينهما مؤشراً على نجاح الزواج . ويحكمون بأن هذا الزواج مناسب ، وهذا معناه أن للأفلاك والنجوم قوى تؤثر في الناس والطبائع وتجعل هذا مناسبًا لذاك، وهذا تصريح بأنهم يدَّعون أن للنجوم تأثيراً في الخلق، وهذا التأثير هو الذي يسمونه التناسب والتلاؤم ويطلقون عليه أسماءً علمية حديثة كأن يقولوا هو راجع لأمر (سيكولوجي/ نفسي) وربما قالوا (فسيولوجي / عضوي) أي أنه راجع إلى قوانين فيزيائية، وكل هذا من التلبيس عن الناس لتروج بضاعتهم ، إن مجرد ادعاء أن للنجوم تأثيرًا في الناس وفي أخلاقهم وفي طبائعهم هو من التنجيم الصريح الذي يجعل صاحبه إن تعاطاه منجِّماً تنسحب عليه جميع أحكام التنجيم الشرعية، وهو في ادعاء علم الغيب بعينه، يقول شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية –رحمه الله تعالى –: “صناعة التنجيم التي مضمونها الأحكام والتأثير. وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية والتمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الأرضية صناعة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين في جميع الملل؛ قال الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * طه 69}، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى كاهنًا أو عرافًا فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى كاهنًا أو عرافًا أو ساحرًا فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) . ولذلك غلَّظ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حكم من أتى إليهم فسألهم؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: (من أتى عرافًا فسأله فصدَّقه عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) . وقد نصَّ الله سبحانه وتعالىعلى كفر الساحر ومَن في معناه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التصريح بأن علم التنجيم من السحر في الحديث المشار إليه: (من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) ، وقال الله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * البقرة 102}. فقد صرح سبحانه وتعالى بكفر من يتعاطى السحر، وهذا هو الذي عليه أئمة الإسلام – عليهم جميعًا رحمة الله تعالى – وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ومن سحر فقد أشرك) .
الخاتمة
هذه بعض من الممارسات الخاطئة المرتبطة بعقد الزواج ، منها ما يظنه البعض جزءاً من العقد : ركناً أو شرطاً ، ومنها ما يمارسه البعض على أنه ذا علاقة بالخطوبة والزواج والعقد ، وهو من باب الخرافات والأوهام ، ومما يؤسف له أن الكثير من الناس بظنونها شرعية واجبة التطبيق ، نسأل الله الهداية والسداد والتوفيق.