الدكتور كايد الركيبات: جماعة الإخوان المسلمين في الأردن 1945–2025: تطورات ونقاط تحول وآفاق مستقبلية

الدكتور كايد الركيبات: جماعة الإخوان المسلمين في الأردن 1945–2025: تطورات ونقاط تحول وآفاق مستقبلية

الدكتور كايد الركيبات

من التحالف إلى الحظر، رحلة ثمانية عقود من الصعود والصراع، انتهت بإقصاء أحد أبرز التيارات الإسلامية في الأردن. كيف تحوّلت جماعة الإخوان المسلمين من حليف استراتيجي للنظام إلى كيان يُحظر الانتساب إليه؟
منذ لحظة تأسيس فرع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، بدأت علاقة معقدة ومتشابكة تربط الجماعة بالنظام السياسي الأردني، وقد تميز هذا المسار بعدم الاستقرار والتغير المستمر، تبعاً للتحولات في البيئة الداخلية والإقليمية، وطبيعة السياسات الرسمية، وطبيعة التنظيم ذاته.
إذ شهدت العقود الأولى من العِلاقة بين الطرفين تعاوناً وثيقاً، خاصة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين اتخذ النظام الأردني موقفاً مناوئاً للتيارات القومية واليسارية، ومواجهة حادة مع الاتجاهات الناصرية في المنطقة العربية، خاصة وأن الإخوان تمسكوا بخطاب أممي وديني في مواجهة الطروحات القومية، وقد وجدت الجماعة في هذا التوجه مساحة للتحرك السياسي والاجتماعي، خاصة في ميادين التعليم والدعوة والنقابات، وقد ساهم هذا التحالف في إضفاء شرعية مبكرة على الجماعة، مما عزز من قدرتها على التغلغل في البنية الاجتماعية.
شكّل الانفتاح السياسي الذي رافق التحول الديمقراطي عام 1989 فرصة ثمينة للجماعة، التي دخلت بقوة إلى مجلس النواب والنقابات، وأصبحت تمثل التيار الإسلامي الأبرز في البلاد، لكن هذه المرحلة كانت أيضاً بداية لمرحلة احتواء جديدة من قبل النظام، خاصة بعد أن بدأت الجماعة تُظهر طموحات سياسية متزايدة، مما أثار مخاوف الدولة من تحوّلها إلى منافس حقيقي على السلطة أو على المجال العام.
ازدادت الفجوة بين الجماعة والنظام بعد فك الارتباط مع الضفة الغربية، وتوقيع اتفاقية وادي عربة (1994) حيث أظهرت الجماعة موقفاً معارضاً لتوجهات الدولة، مما عمّق الشقاق وأعاد رسم حدود العلاقة بين الطرفين، ثم مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وجدت الجماعة نفسها في موقع سياسي متقدم، حيث تبنت خطاب الإصلاح والانفتاح، وشكلت جزءاً من الحراك الشعبي المطالب بالتغيير، غير أن تلك الفرصة سرعان ما تحولت إلى عبء، خاصة بعد الانقسامات الداخلية التي عصفت بالجماعة، مثل مبادرة “زمزم” عام 2013 وتأسيس جمعية مرخصة منافسة عام 2015، مما أدى إلى إضعاف بنيتها التنظيمية، وتشتيت حضورها السياسي.
وقع التحول الجذري في العلاقة مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية ضد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بعد عام 2013، وبلغ ذروته في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي دفعت الأردن لإعادة تقييم الجماعة كتهديد أمني وليس فقط كمعارضة سياسية، وصدر قراراً رسمياً بحظر الجماعة وتجريم الانتساب إليها، مبرراً بانكشاف تورط بعض عناصرها في نشاطات مسلحة، وهو ما مثّل لحظة فاصلة في تاريخ الجماعة في الأردن.
كشفت تجربة الإخوان في الأردن أن مسار العلاقة لم يكن خطياً، بل تداخلت فيه اعتبارات سياسية وأمنية وإقليمية، فالدولة الأردنية تعاملت مع الجماعة ضمن حسابات مدروسة ومحددة، فتحت لها المجال حين خدمت مصالحها، وأغلقت الباب حين أصبح وجودها مصدر تهديد محتمل. من جهتها، أظهرت الجماعة مرونة أيديولوجية وتنظيمية عالية مكنتها من البقاء لعقود، لكنها فشلت في تحديث أدواتها وخطابها بما يتلاءم مع تحولات الدولة والمجتمع.
لم يكن الحظر في 2025 نهاية تنظيمية فقط، بل كان تعبيراً عن نهاية مرحلة كاملة من العلاقة بين الإسلاميين والدولة في الأردن، فقد خاضت الجماعة رحلة طويلة من التحالف إلى التوتر فالقطيعة، وانتهت إلى حافة الإقصاء القانوني والسياسي، وهو ما يعكس تحولاً أعمق في الدولة الأردنية نحو إعادة هيكلة المجالين السياسي والديني بما يتلاءم مع ضرورات السيطرة والاستقرار.
كشفت تجربة الإخوان في الأردن عن دروس جوهرية تتعلق بمستقبل الحركات الإسلامية في العالم العربي، فحتى الجماعات ذات الخبرة والمرونة التنظيمية، معرضة للفشل إذا لم تُجدد خطابها، ولم تفهم تحولات الدولة الوطنية، كما أن العلاقة بين الحركات الإسلامية والأنظمة السياسية تظل محكومة بسياقات متغيرة لا يمكن التنبؤ بها، ويظل البقاء رهيناً بالقدرة على التكيّف ضمن حدود النظام لا خارجها.
[email protected]