“مجزرة الشجاعية”.. صواريخ إسرائيلية تحوّل مربعًا سكنيًا بغزة لمقبرة وركام مشتعل وبقايا منازل وأحلام

غزة/ حسني نديم/ الأناضول: في لحظة خاطفة، تحولت إحدى حارات حي الشجاعية شرق مدينة غزة إلى ركام مشتعل، وبقايا منازل وأحلام، بعدما نسف صاروخ إسرائيلي عدة مبان سكنية على رؤوس ساكنيها.
صرخات النجدة امتزجت بدخان القصف، وارتفع الغبار محمّلًا بأصوات الأطفال تحت الأنقاض وهم ينادون أمهاتهم، فيما وقف أهالي الحي مذهولين يبحثون عن أحبّتهم بين الردم والركام.
القصف العنيف الذي تسبب باستشهاد 38 شخصاً وإصابة 85 آخرين، حول المنطقة إلى ساحة من الركام والنيران، وترك خلفه مشهدًا مأساويًا تقشعر له الأبدان، وتعجز عن وصفه الكلمات.
وبينما تكافح طواقم الدفاع المدني بأقل الإمكانيات لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة، تتعالى صرخات ذوي الضحايا من هول المشهد والفقد.
وبوجه يملؤه الغبار، يقول محمد سالم، أحد أفراد الدفاع المدني، الذي وصل المكان مسرعاً مع رفاقه: “لا نملك شيئًا.. فقط نعمل بأيدينا وإرادتنا. نرفع الركام حجرًا حجرًا بحثًا عن ناجين وسط هذا الركام”.
ويضيف سالم، للأناضول: “هنا منازل مليئة بالأطفال والنساء.. أين حقوق الإنسان؟!”
وعلى الجانب الآخر، كان المسعفون يحملون الضحايا والجرحى مستخدمين العربات البدائية في ظل نقص المركبات المخصصة والوقود بفعل الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ 18 شهراً.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 166 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
ـ فاجعة عائلية
من بين الشهداء، كان أحمد صلاح البلبيسي، أحد الوجوه التي عرفها سكان الشجاعية، فيما ارتقت 4 شقيقات من عائلة رجب، غادرن الحياة معًا تحت ركام المنزل الذي وُلدن فيه، وكأن القصف أراد محو العائلة دفعة واحدة.
وتقول المسنة أم سامي رجب (67 عامًا)، جدة الشقيقات الأربعة: “كنت جالسة معهم في الغرفة، كن يلعبن، وأنا أوزع عليهن تمرا وماء”.
وتضيف أم سامي، لمراسل الأناضول: “في غمضة عين، الدنيا انقلبت. صوت مثل يوم القيامة، كل شيء وقع فوقنا. أفقت وأنا بالمستشفى، ولم أجد البنات. قالوا لي: راحوا (قتلن)”.
وتبكي المسنة حفيداتها بالقول: “أخذوا حبيباتي الأربعة من حضني، لم أودعهن، ولم أشبع منهن، كانوا نور البيت. ماذا بقي لي بعدهم!؟”
ومنذ استئنافها الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس/ آذار الماضي، قتلت إسرائيل 1482 فلسطينيا وأصابت 3688 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة بالقطاع الأربعاء.
ـ ذهول وصدمة
وقف الشاب محمد أبو العطا (34 عامًا)، أحد سكان المنطقة، مذهولًا أمام ما تبقى من منزله، وقال للأناضول: “كنت جالسًا في الغرفة مع أطفالي، وفجأة دوى الانفجار… ارتجّت الأرض، وتطايرت الجدران من حولنا. خرجت مسرعًا، ولم أرَ سوى الدخان، والجميع من حولي كان يبحث عن أفراد عائلته بين الركام”.
ويضيف أبو العطا، لمراسل الأناضول: “العمارة راحت، وأهلها كأنهم ما كانوا. البيت كان مليئا بالحياة، فيه ضحكات أطفال، والآن أصبح قبراً كبيراً. فما ذنب هؤلاء الأبرياء؟!”
وفي وصف ما جرى، قالت حماس، إنها “واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية”، مؤكدة أنها “وصمة عار على جبين المجتمع الدولي، الذي يقف عاجزاً وصامتاً أمام أبشع فصول القتل الجماعي والإبادة المنظّمة”.
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي، يمنع الجيش الإسرائيلي دخول الإمدادات الأساسية من غذاء ومياه وأغذية لقطاع غزة عقب إغلاقه للمعابر ما تسبب في كارثة إنسانية وتفاقم للمجاعة والعطش.
ـ لوحة أخرى
وفي مستشفى المعمداني، كانت الطفلة جوري، ترقد على سرير بارد، وجهها مغطى بالدماء، وملامحها تعكس الصدمة والخوف.
وبصوت مرتجف قالت جوري، لمراسل الأناضول: “كنا نلعب أنا وشقيقاتي… فجأة سمعنا صوتا قويا، وصرنا نصرخ، لم أعرف ما حدث، ولما فتحت عيوني كنت بالإسعاف والدم على وجهي”.
وتتساءل الطفلة باستغراب: “لماذا قصفونا؟! نحن لم نفعل أي شيء”؟
وتضيف باكية: “أريد الرجوع إلى بيتنا، لكن بابا قال: البيت راح (تدمر)”.
صراخ الأطفال في المستشفى، ونداءات الأمهات اللواتي يبحثن عن أبنائهن بين الجرحى، واكتظاظ الممرات بالجثامين، كلها رسمت لوحة أخرى من لوحات الموت اليومية في غزة.
وعصر الأربعاء، قال الدفاع المدني الفلسطيني بغزة، إن حصيلة المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حي الشجاعية شرق مدينة غزة بقصف مربع سكني مأهول بلغت 23 شهيدا بينهم 8 أطفال وأكثر من 60 مصابا، إضافة إلى نحو 34 مفقوداً.
ولاحقاً في ساعات المساء، تم الإعلان عن انتشال جثامين 15 شهيدا، إضافة إلى 25 مصاباً آخرين من تحت الأنقاض.
وفي 1 مارس 2025 انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين “حماس” إسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، والتزمت به الحركة الفلسطينية.
لكن نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، تنصل من بدء مرحلته الثانية، واستأنف الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس الماضي، استجابة للجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمنية، وفق إعلام عبري.