حسوني قدور بن موسى: الصحافة المناضلة الملتزمة تخيف الفاسدين.

حسوني قدور بن موسى
الصحافة هي النشرات المطبوعة والسمعية البصرية وغيرها من وسائل الإعلام التي تتناول الأخبار والمعلومات العامة كما تتضمن سير الأحداث والانتقادات والملاحظات الموجهة الى الحكومات ومن يدور في فلكها من زمرة المنافقين و المفسدين وأصحاب المصالح والانتهازيين الذين تزعجهم و تخيفهم الصحافة الحرة المناضلة الملتزمة المدافعة عن هموم الشعب وطموحاته و حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهي مهنة قائمة على جمع الأخبار وتحليلها و على الرغم من أهمية الدور الإيجابي للصحافة المناضلة التقدمية في تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي في كثير من الدول الا أنها تتعرض في كثير من الأحيان لضغوطات واعتداءات عنيفة من طرف المفسدين من أجل اسكات صوتها و يعملون على تحقيق ذلك بكل جد ونشاط ومكر وكيد و خديعة و غالبا ما يكون ذلك عن طريق نصب مصيدة العسل ونشر دعايات التشويه ضد الصحفيين الملتزمين بهموم الشعب و بالدفاع عن الحقوق و الحريات و هي أساليب تستعملها الأنظمة الدكتاتورية الطاغية لاصطياد الفرائس بتوظيف الجنس كأحد الأساليب القذرة الدنيئة و في هذا الصدد تصدر منظمة مراسلون بلا حدود الدولية تقريرها السنوي لحصيلة الصحفيين المحتجزين و الرهائن والمفقودين عبر العالم الذين تعرضوا للاضطهاد و المضايقات وللتصفية الجسدية.
ان دور الصحافة الاستقصائية هو الكشف عن الحقيقة رغم كل الصعوبات و العراقيل التي توضع أمامها لحجب الواقع عن أنظار الشعب، فهذه الصحافة تمثل احدى ضمانات تحقيق النظام الديمقراطي كما أنها قوة متماسكة في مواجهة الظلم والطغيان والفساد السياسي والمالي في الدولة كما أن الصحافة الاستقصائية تستطيع مسائلة السلطة الحاكمة حول كثير من المواضيع المعقدة التي لا يستطيع المواطن العادي معرفتها والاطلاع عليها الا بواسطة هذه الصحافة التي تنقب عن الفساد و تفضح المفسدين الذين لا يرغبون في وجود مثل هذا النوع من الصحافة التي هي قادرة على فضحهم و تعريتهم و خاصة ذوي النفود الذين يعملون في الظلام لنهب خيرات البلاد السطحية والباطنية دون حسيب ولا رقيب و هم بتصرفاتهم هذه يساهمون في تدمير الدولة، و في هذا الصدد قال ابن خلدون : ” لا تولوا أبناء السفلة قيادة الجنود ومناصب القضاء و شؤون العامة لأنهم اذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا فيظلم الأبرياء و أبناء الشرفاء و اذلالهم بشكل متعمد نظرا لشعورهم المستمر بعقدة النقص و الدونية التي تلازمهم و ترفض مغادرة نفوسهم مما يؤدي في نهاية المطاف الى سقوط العروش و نهاية الدول “.
و بالفعل فان المفسدين يساهمون في القضاء على الدولة وهدم أسسها ، و لهذا فانهم يعملون بكل طاقاتهم على اسكات هذا النوع من الصحافة المناضلة ويسعون الى تحقيق انهيار جمهور القراء و مبيعات الصحافة الملتزمة ويبقى الصحفي المناضل متمسكا بضرورة الدفاع عن حقوق و مصالح الشعب في الأنظمة الاستبدادية اعتبارا لدوره الأساسي في مسائلة المسؤولين، ففي غياب الصحافة الحقيقية الملتزمة يكتفي الشعب بالأخبار اليومية و بما تحتويه من أخبار حكومية مدفوعة الأجر تبرز استعراض اجتماعات مسؤولين لا فائدة منها و زياراتهم الى مختلف ارجاء البلاد و ما يرافقها من مظاهر قطع الطرقات مصحوبة بالتهريج والزمامير والتعظيم والتبجيل وإظهار منجزات وهمية لتغليط المواطنين و جعلهم يعيشون على الأوهام والأماني وكل هذه المظاهر الخادعة تساهم في ابرازها مجموعة من الصحفيين المأجورين والعملاء و المفسدين والخونة والسفهاء الذين تكلم عنهم ابن خلدون وحذر من توليتهم المناصب العليا.
و في غالب الأحيان تستعمل الأنظمة الاستبدادية رجال الدين المستفيدين من النظام الحاكم المستبد قصد تضليل المواطنين و جعلهم يعيشون على الأماني والأوهام والأحلام و بذلك فانهم يساهمون في تجهيل المجتمعات عندما يركزون على النصوص دون التفكير النقدي أو الاستفادة من العلوم الحديثة، و هذا يؤدي الى نشر الجهل والتخلف ومزيدا من الخيال والخرافات وإبقاء المجتمعات في حالة من التخلف الفكري وفي نفس الوقت يستغلون الدين لتحقيق مكاسب مالية يستخدمون مكانتهم لجمع الأموال من المواطنين المغفلين سواء عبر التبرعات أو من خلال المؤسسات الدينية التي يديرونها و يسيطرون عليها مما يؤدي الى استغلال العقيدة الدينية لمصالحهم الشخصية و يمكن لهؤلاء رجال الدين فرض أراءهم دون تفكير نقدي من المجتمع وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف العربي ابن رشد: تجارة الأديان هي التجارة الرابحة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل :” اذا أردت أن تتحكم بجاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني ” وفي الأنظمة الاستبدادية يسمح بوجود هيئات تمثيلية مصطنعة عن طريق انتخابات مزيفة لأن نتائج الانتخابات غالبا ما يتم التلاعب بها من طرف أصحاب المصالح ومن هذا المنطلق تتم الهيمنة على جميع قطاعات الدولة التي تصبح مرتعا للمفسدين الذين يحتمون بقوانين أعدوها بأنفسهم خصيصا للحفاظ على مصالحهم ومنها منع المصادقة على قانون : ” تجريم الاثراء غير المشروع ” وكلما احتاج الوطن الى ضمان ظروف معيشية كريمة في الحياة اصطدم بمجموعة من المفسدين يستحوذون على الوظائف وعلى الحياة العامة ويضعون رقابة صارمة على الصحافة التي تفضح الفساد والمفسدين و يفرضون أيدولوجية معينة على حرية الصحافة.
ويخلف اللاحقون منهم السابقين في سبيل القضاء على صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة ليسرقوا وينهبوا دون ازعاج ، هذا الهدف الخبيث الدنيء الذي كرسوا حياتهم كلها من أجله و شغلوا أوقاتهم به وسخروا كل شيء ممكن لتحقيقه سيعود عليهم بالفضيحة والخزي والعار، و على الرغم من أهمية الدور الهام الإيجابي للصحافة الاستقصائية المناضلة في سبيل تحقيق التغيير السياسي والاقتصادي داخل المجتمع الا أنه توجد أبواق مأجورة من بعض الجهات المعادية للتغيير و تحقيق التقدم في جميع الميادين تسعى الى اسكات صوت الصحافة الحرة الملتزمة بقضايا الشعب.
وقد يتخذ البعض الدين ستارا لبث سمومه في شكل الوعظ والارشاد يحتوي على أخبار و معلومات مغلوطة تنشر أفكارها الإرهابية المسمومة داخل أوساط الشباب تأتي من جهات خارجية خططت لبث برامج كاذبة و مفبركة تحث على كراهية الشعوب الساعية الى الحرية والتقدم والتنمية والاستقرار السياسي كما أن هناك دولا عربية وأجنبية تشارك بشكل فعال في نشر أفكار تهدد كيان الدول الأخرى عن طريق صحافتها المعادية لكن المغرب بكل اتجاهاته السياسية يرفض الأفكارالهدامة الانفصالية التي تهدد وحدة المغرب من طنجة الى الكويرة.
و يوجد ما يسمى بصحافة الاستقصاء أو التقصي أو العمق أو التحري أو البحث أو صحافة الدقة أو صحافة المعلومات الخفية و علاقتها بالممارسة الديمقراطية و سمي هذا النموذج الصحفي خلال ظهوره بصحافة ” المنقبين عن الفساد ” وهو ما طبع جميع المراحل التي تشكلت فيها خصوصيته باعتباره جنسا صحفيا و تبلورت فيها قواعده المهنية وهنا نلاحظ أن معظم التعابير الاصطلاحية المذكورة تركز على أحد أبعاد أو خصائص الصحافة الاستقصائية (المعلومات الخفية ) أو طبيعة معالجة القصة (العمق) أو القواعد العلمية والمهنية للاستقصاء (البحث و التحري والدقة…) و هي السمات التي نجدها أيضا متناثرة في التعاريف الاصطلاحية المختلفة واذا أخذنا تعريف رابطة الصحافيين والمحررين الاستقصائيين في أمريكا فهو يحدد ثلاثة مرتكزات تميز العمل الصحفي الاستقصائي و هو اعداد التقارير من خلال المبادرة الفردية و نتيجة العمل الذي يقوم به المحرر وهي تكتسب أهمية خاصة لدى القراء أو المشاهدين والمستمعين وفي كثير من الحالات فان القضايا التي تتطرق اليها الصحافة الاستقصائية تتصل بالملفات التي يرغب المفسدون الى ابقاءها في حيزالسرية والتكتم أوردت احدى الدراسات حول “مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي” أن تسمية الأخبار غير الدقيقة أو غير الحقيقية لا تزال قيد المناقشة والتطوير في الأوساط الصحفية و السياسية و خلصت منظمة التربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” للتفرقة بين مصطلحات ثلاثة هي : المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة والمعلومات الضارة و يستند التمييز بين المصطلحات الى مقصد الناشر ونيته، فالأنواع جميعها تعبر عن معلومات غير دقيقة، فاذا كان القصد من وراء بثها الحاق الضرر بأشخاص أو مؤسسات أو جماعات فهي “معلومات ضارة” و اذا كان عدم دقتها مصدره تناول غير جيد لمعلومة حقيقية عن طريق الخطأ تكون ” معلومة خاطئة ” أما اذا كانت المادة المنشورة غير حقيقية ومفبركة عمدا فهي معلومة مضللة…
المحامي بهيئة وجدة