ترامب في الخليج: مليارات من الاستثمارات وتصاعد العدوان على غزة

د. معن علي المقابلة
اختتم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيارته إلى ثلاث من دول الخليج – السعودية، قطر، والإمارات – وهي منطقة لا يزال اسمها الرسمي في الوثائق الأمريكية “الخليج الفارسي”. عاد ترامب محملاً بالهدايا الشخصية، إضافة إلى مئات التريليونات من الدولارات الأمريكية في شكل صفقات سلاح واستثمارات ضخمة.
رافق ترامب في هذه الجولة عدد من كبار التنفيذيين في الشركات الأمريكية الكبرى، من أبرزهم لاري فينك (الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك”)، جين فريزر (الرئيسة التنفيذية لـ”سيتي غروب”)، ستيف شوارتزمان (“بلاكستون”)، جيني جونسون (“فرانكلين تمبلتون”)، وروث بورات من “ألفابت”. كما شارك في مؤتمر الاستثمار في الرياض أروند كريشنا (الرئيس التنفيذي لـ”آي بي إم”)، وكريستيانو آمون (رئيس “كوالكوم”)، بالإضافة إلى ديفيد ساكس، المسؤول عن الذكاء الاصطناعي والعملات المشفّرة في البيت الأبيض.
وجود هذه الشخصيات في جولة استمرت نحو أسبوع لم يكن عبثًا، إذ لم يكن من السهل عليهم ترك إدارة شركاتهم لولا الإغراءات الكبيرة التي وُعدوا بها؛ وقد تحقق بالفعل جزء منها من خلال استثمارات بمئات المليارات من الدولارات.
توقع البعض أن تُلقي هذه الزيارة بظلال إيجابية على العدوان الوحشي على غزة، خصوصًا أن حركة المقاومة الإسلامية قدّمت بادرة حسن نية عبر إطلاق سراح الأسير ألكسندر عيدان، حامل الجنسية الأمريكية والإسرائيلية، وذلك قبل وصول ترامب بساعات.
غير أن الواقع جاء مخيبًا؛ فقد غادر ترامب المنطقة محملاً بالغنائم، فيما اشتد العدوان الصهيوني أكثر، حيث ارتقى مئات الشهداء من أبناء شعبنا في غزة أثناء الزيارة نفسها، وكأن الرسالة إلى زعماء الخليج الذين التقاهم كانت أن ما يجري في غزة “شأن داخلي صهيوني”.
بالعودة إلى بداية العدوان على غزة، كانت إدارة الرئيس جو بايدن، ممثلة بوزير خارجيته أنتوني بلينكن، قد أجرت جولات في دول المنطقة. وبحسب ما أورده الصحفي الاستقصائي بوب وودوارد في كتابه “كتاب الحرب” – المستند إلى سجلات وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين ومقابلات مع مسؤولين كبار – فإن جميع الزعماء الذين التقاهم بلينكن آنذاك طلبوا أمرًا واحدًا: عدم وقف الحرب قبل هزيمة حماس.
فما الذي تغيّر خلال أقل من عامين؟ فالمقاومة لا تزال صامدة في غزة، والضغط يزداد على الزعماء العرب، فيما تواصل إسرائيل عدوانها بدعم أمريكي سياسي وعسكري كامل. بل إن إدارة ترامب أفرجت عن شحنة من القنابل تزن ألفي رطل، كانت إدارة بايدن قد علّقت إرسالها للكيان الصهيوني.
تشير المعطيات بعد زيارة ترامب إلى أن المطالب الأمريكية والإسرائيلية لا تزال كما هي: القضاء على المقاومة. فالسعودية ترى أن رؤيتها “2030” قد تعطّلت بسبب ما قامت به حماس، والتي أعادت خلط أوراق الإقليم، في وقت كانت فيه المنطقة تتجه نحو الاستقرار من خلال انسحاب أمريكي جزئي وتنصيب الكيان الإسرائيلي زعيمًا إقليميًا، تتقدمه السعودية عبر التطبيع، بما يؤدي إلى تهميش القضية الفلسطينية بالكامل.
أما الإمارات، فترى في صمود المقاومة تعزيزًا لتيار الإسلام السياسي الذي تعاديه، وقد سخرت مواردها الاقتصادية لمحاربته، كما فعلت في مصر وتونس واليمن والسودان.
بينما تحاول قطر أن تلعب دور “الوسيط”، أو ما يُعرف بـ”دبلوماسية الإنابة”، عبر تقديم خدمات للولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت ذاته تسعى إلى تمييز نفسها في صراع الإخوة الأعداء داخل مجلس التعاون الخليجي، حيث تتنافس الدول على نيل رضا واشنطن.
أخيرًا، يبدو أن الولايات المتحدة أدركت أن مشروع زعامة إسرائيل للمنطقة لم يعد واقعيًا بعد الزلزال الذي أحدثه هجوم 7 أكتوبر 2023، ما دفعها إلى العودة إلى الانخراط المباشر في شؤون المنطقة. وليس هذا بمعزل عن صراعها المتصاعد مع الصين، بل إنه جزء من استراتيجية شاملة تتضمن السيطرة على الموارد الاستراتيجية مثل المعادن النادرة المستخدمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي والموصلات الحديثة.
في هذا السياق، يمكن فهم تصريحات ترامب عن “احتلال” جزيرة غرينلاند، والاتفاقات القسرية مع جنوب أفريقيا وأوكرانيا، ضمن إطار ما يسميه “السلام من خلال القوة”. ويبدو أننا أمام نسخة محدثة من الاستعمار القديم، تعود لتنهب مقدرات الشعوب تحت غطاء الاستثمار والتحالفات الجديدة.
باحث وناشط سياسي/ الاردن
[email protected]