هل تُقدّم القومية الأمريكية الناشئة (MAGA ترامب) نتنياهو ككبش فداء لتجميل صورة “إسرائيل” وتهيئتها لتحقيق حلم الصهيونية في تأسيس “فدرالية الولايات المتحدة الإبراهيمية”؟

هل تُقدّم القومية الأمريكية الناشئة (MAGA ترامب) نتنياهو ككبش فداء لتجميل صورة “إسرائيل” وتهيئتها لتحقيق حلم الصهيونية في تأسيس “فدرالية الولايات المتحدة الإبراهيمية”؟

الياس فاخوري

هل تُضَحِّي القومية الامريكية الناشئة (MAGA ترامب) بنتنياهو لتلميع صورة “إسرائيل” واخراجها بشكل ناعم نحو الحلم الصهيوني بتحقيق “فدرالية الولايات المتحدة الإبراهيمية” او “فدرالية الولايات الإبراهيمية المتحدة ا- ربما مرورا بالشكل الكونفدرالي!؟
من المعروف ان ترامب يأتي من “ثقافة الالدورادو”، أي الطريق الى الذهب الذي اجتذب الكاوبوي، وغالباً وحيداً، على حصانه، باتجاه الغرب الأميركي .. انه يتحرك نحو هيكلية قومية MAGA  – من لوبي العولمة (مجموعة ضغط وحكومة الشركات، وهم صُنّاع اسرائيل والقاعدة وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام بثقافة التوراة/الغيتو/ابن تيمية/تورا بورا واصحاب سايكس بيكو المتمركزون ضمن بيروقراطية البنتاغون) الى لوبي الأمركة القومي!
ومن هذا المنطلق (المصلحة الأميركيّة/القومية الاقتصاديّة) يُكَرِّس ترامب  المال والأرباح – لا العقيدة – عنصراً أوَّلاً واساسياً في سياسته الخارجيّة وعليه يبني اقتناعه بعقم الحروب الأميركية في المنطقة .. وهذه جولته الخارجية تتمخض عن عقود حكومية وصفقات استثمارية تجارية وهدايا بأرقام فلكية (10 تريليون دولار حسب تصريحات ترامب نفسه مقابل حوالي 60,000 شهيد غزّي = 170 مليون دولار لكل شهيد) لم يحصل عليها غيره من قبل وبدون حروب. وعليه فالتهويل بالقوة لم يعد مُجدٍ خاصةً بعد تجربة أفغانستان والهروب المُذل، واليمن والهزيمة المدوية، وباكستان وتهاوي سمعة السلاح الغربي .. وهذه غزة مازالت صامدة تقاوم، بعد ١٩ شهراً، “إسرائيل” وعالمها الصهيواوروبيكي.
اما نتنياهو فيعمل مع لوبي العولمة، وهذا الديبلوماسي المخضرم ريتشارد هاس (وهو يهودي ليبرالي) يرى أن الائتلاف الحالي في “اسرائيل” ينتهج، ما اسماه، استراتيجية الغباء ليُطرح  السؤال “لمن الشرق الأوسط… لدونالد ترامب أم لبنيامين نتنياهو؟” بين جدران البيت الأبيض!

وهذا توماس فريدمان، القريب من أجواء البيت الأبيض، يخاطب الرئيس الأميركي في “النيويورك تايمز” بهذا العنوان “نتنياهو ليس حليفاً لنا بل يهدد مصالحنا” .. حكومة نتنياهو ليست صديقة للولايات المتحدة؛ انه يحاول تدمير استراتيجية نيكسون/كيسنغر بعد حرب 1973 تحقيقا للهيمنة الاميركية على المنطقة بدءاً بعلاقة أميركا مع السعودية ومصر والأردن.

كما يُؤكِّد “يائير لابيد”، زعيم حزب الديمقراطيين في دولة الكيان، ان “نتنياهو دمر العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة، وقوى العالم تجتمع هذه الأيام لتشكيل نظام إقليمي جديد، و”إسرائيل” خارج المعادلة ومعزولة عالميًا” .. ويضيف ان “حكومة نتنياهو وسموتريتش ترسل الجيش إلى مستنقع غزة بدوافع سياسية وأوهام غيبية، للقتال دون أهداف عملياتية حقيقية ولا رؤية أو إنجازات فنرى “إسرائيل” دولة منقسمة ومنبوذة وفقيرة بغلاء معيشة جنوني تنهار من الداخل” متعهداً باسقاط “حكومة الفشل”!

وهذا يعيدنا لمقال كتبته ديانا فاخوري اواخر كانون الثاني 2019 بعنوان: “كما عبء التوراة على الإنجيل (العهد الجديد)، كذلك عبء اسرائيل على أمريكا والعالم!”

اما تباين الأجندات بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو فلم يعد خافياً كما يتضح  ممّا يجري في ملف التفاوض النوويّ مع إيران وما جرى في الاتفاق مع اليمن وحماس الى جانب زيارة ترامب إلى السعودية والخليج دون “اسرائيل”، والموافقة على النووي السلمي السعودي بلا تطبيع مع دولة الاحتلال، عداك عن فتح “ملف كندي” ورفع السرية عن وثائق اغتيال الرئيس!

هذا، بالتأكيد، لا يُقوِّض الدعم الأميركي للكيان المحتل اذا ما تعرّض للتهديد، لكن “أميركا القومية” لا تبني سياساتها على الحسابات الإسرائيليّة، بل سيقتصر الدعم الأميركي على التمويل والتسليح والحماية الدبلوماسية و”القانونية” .. أما خوض حروب تقرّرها دولة الكيان فأمر مختلف. وستُعْكَس المعادلة حيث على “إسرائيل” ان تلتزم – مقابل ما تلقاه من دعم أميركي – بوقف الحروب التي تؤثر على المصالح الأميركية بدلاً من توقع او السعي لانخراط أمريكا بها كأمر واقع!

وهنا، بدأ التساؤل ماذا يُقَدِّم العرب وماذا يُقَدِّم الاسرائيليون للولايات المتحدة؟ والاجابة شديدة الوضوح: يُقَدِّم العرب كل شيء تقريباً (أراضيهم، وثرواتهم، واستثماراتهم) .. فماذا يُقَدِّم الاسرائيليون: خدمات عسكرية بأموال أميركية، وبأسلحة أميركية، وأحياناً بأرواح أميركية، مقابل حماية الولايات المتحدة لتفوقهم وحتى لوجودهم عداك عن التكنولوجيا التي ما انفكت امريكا تزودهم بها!

 

فهل تكون الجولة الخليجية مقدمة لفصل جديد من العلاقات مع دول المنطقة فيتغيّر الشرق الأوسط وفق الرؤية الأميركية حيث ثقافة الأسواق، لا وفق الرؤية “الاسرائيلية” حيث ثقافة المقابر ..

وبعد، ماذا عن صورة ترامب بثوب البابا، ليليها انتخاب قداسة البابا الأميركي؟ فهل جاء انتخاب البابا الجديد (الاميركي) تعزيزاً لدور الكنيسة الكاثوليكية وتحقيقاً للتوازن بوجه الهيمنة البروتستانتية والأنجيليين الصهيونيين التي تشكل خلفية عقائدية لسياسة متطرفة حيث تمكّنت الصهيوإمبريالية من تحويل الإيمان الديني العفوي إلى خنجر دام مغروس في عقل المؤمن. لقد تلاعبت هذه السياسة وعبثت في التراث وأعادت ترتيب عناصره وتأويلها محولة إياه إلى خنجر دام يحفر بشدة في الوعي العمومي الانساني لفصله كلياً عن واقعه العياني وتناقضاته وإمكاناته وتشوهاته وكوارثه!

ومن المنتظر ان نشهد حيوية سياسية لتحرّك البابا الجديد نحو السلام، خصوصاً بعدما شعرت أوروبا ومعها دول كثيرة بالقلق من السياسات الأميركيّة/الصهيوإمبريالية المتغطرسة والغارقة بتطرفها!

وهكذا تأتي ازاحة نتنياهو ضمن أكوام من مساحيق التجميل لتلميع صورة “اسرائيل” واخراجها بشكل ناعم غب التطبيع نحو “الولايات المتحدة الإبراهيمية” – المتحدة كونفدرالياً كخطوة تمهيدية نحو الفدرالية!

وهنا لا بد من الإشارة للصورة التي نشرها (ثم حذفها) جيمس كومي (المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي – FBI) على إنستغرام Instagram .. تظهر هذه الصورة صدَف البحر مصطفًا ليشكّل الرقم “8647” .. في عالم المافيا، يُستخدم المصطلح “86” بمعنى أخذ شخص “ثمانية أميال خارج المدينة” ودفنه “على عمق ستة أقدام تحت الأرض” .. اما قاموس ميريام-ويبستر Merriam-Webster، الذي تعتمده وكالة أسوشيتد برس، فيُعرّف المصطلح/الرقم “86” بوصفه تعبير عامي يعني “التخلّص من”، أو “طرد”، أو “رفض تقديم الخدمة لشخص ما” .. فهل نحن امام إشارة لتهديد الرئيس ال 47 (ترامب) من بعض أدوات الدولة العميقة المتحالفة مع لوبي العولمة الذي يتعاون مع نتنياهو!؟

وبعد، الا يدرك المخططون الاستراتيجيون الأميركيون أن “اسرائيل” لم تعد قادرة على الصمود من دون وجود مباشر للولايات المتحدة، وأنها فقدت دورها كقوة صدم أميركية في الشرق الأوسط، ولم يعد للاميركيين حاجة بها خاصة وقد أسقطت ساعة 7 أكتوبر/تشرين الأول “اسرائيل” الوظيفة والدور وجعلت منها عبئاً استراتيجياً!!؟
وهل ندرك، نحن العرب، وقد كُنّا “خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (آل عمران – 110)، أنه آن لنا ان نشفى من “المرض الأميركي” ونتعافى من “اللعنة الأميركية”؟ لا يَرَى الأميركيون فينا سوى نسخة عن قبائل الهنود الحمر، وها هم اليوم يعملون على تصدير النموذج الليبي الى سوريا، وما فتئوا يحاولون حمل مصر الى مشرحة التفكيك .. نعم، آن لنا ان نشفى من “المرض الأميركي” ونتعافى من “اللعنة الأميركية” فنخرج من الستاتيكو القبلي، ومن ثقافة داحس والغبراء، ومن قاع الازمنة ومن قاع الأيدولوجيات، ومن ثقافة شهرزاد والف ليلة وليلة!
نعم، المقاومة والديموغرافيا لهم بالمرصاد.. وبالعودة الى السيدة زينب، أكرر: “فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.”!

نعم، كيدوا كيدكم – فما ايامكم الا عدد، وما جمعكم الا بدد .. وهذه فيزياء المقاومة وعلوم الديموغرافيا تهزم سياسة الغزاة ومُشغّليهم والاذناب بحروب المسافة صفر والحافة الأمامية .. و”سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ” (القمر – 45).

الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..

كاتب عربي أردني