قمة بغداد وأهمية تنفيذ قراراتها: سمير حباشنة

قمة بغداد وأهمية تنفيذ قراراتها: سمير حباشنة

 

سمير الحباشنة
مع كل إعلان عن قمة عربية، يتجدد فينا الأمل لأن نرى نتائج هذه القمة وقد تحققت على أرض الواقع، بحيث ينتقل العرب بعلاقاتهم من حال إلى حال أرقى، من حيث التنسيق والتعاون، وبالذات في المجالات التنموية والاستثمارية والاقتصادية، لأن تلك المجالات هي التي ترفع من شأن أقطارنا واقتصاداتنا، وترفع من سوية مواطنينا. وهي فرصة مواتية لأن نفعِّل اتفاقات السوق العربية المشتركة، التي هي عملياً من حيث العمر أقدم من السوق الأوروبية المشتركة. وبما أن لدينا مؤسسات شبه مكتملة في الجامعة العربية، مثل المجلس الاقتصادي والمجلس الاجتماعي، واتفاقات لا حصر لها بين العرب في كل المجالات: التجارة والترانزيت والنقل والاستثمار وغيرها، والتي لو نُفِّذ ولو بعضٌ منها لأهَّلنا لتحقيق حالة من التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي. خصوصاً وأن السياسة لم تعد تُباعد أقطارنا كما كان في الماضي، فلم يعد هناك عملياً لا يمين متطرف ولا يسار متشدد، فكلنا تقريباً في خانة الاعتدال، والكل يتبنى نظماً اقتصادية متقاربة جداً، ولم يعد هناك تناقض أيديولوجي، ولم يعد هناك تخمينات وشكوك من تآمر بلد على بلد آخر، أو محاولة بلد العبث بنظام سياسي لبلد عربي آخر. إذ إن أدبيات دولنا السائدة تقضي بعدم التدخل في شؤون الشقيق، ويترك لهذا الشقيق أن يختار بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما يريد، بما فيها طبيعة وشكل وسياسات وتحالفات النظام السياسي الذي تختاره أي من دولنا. ولاحظوا أن مسألة الانقلابات العسكرية قد تلاشت تقريباً.
بل إننا نشهد مؤشرات استقرار في لبنان، خصوصاً بعد ملء الفراغ المؤسسي، وكذلك بعد التغيير الذي حدث في سوريا، والذي نتمنى أن يكون حالة إيجابية تحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وانفتاح سوريا على إخوانها العرب، وبعد أن تم إلغاء العقوبات الأمريكية، وهذا عامل كبير جداً في إعادة تأهيل الاقتصاد السوري.
وعليه، فإن قمة بغداد التي تعقد اليوم، هي قمة اقتصادية وتجارية واستثمارية بامتياز، نرجو أن تتمكن من أن تشقَّ وتعبد طريقاً سالكاً يُيسر لتنفيذ قراراتها، حتى لا تبقى حبراً على ورق، وحتى يحس المواطن العربي بأن القمة العربية ذات جدوى ومفيدة.
صحيح أن للقمة اهتمامات سياسية أخرى، ولكنني أردت التأكيد هنا على الموضوع الاقتصادي والاستثماري والتجاري.

2
وفي ذات السياق، فإن منطقة المشرق العربي المتمثلة في مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق، يمكن أن تكون إقليماً اقتصادياً واستثمارياً واحداً، خصوصاً وأننا لن نبدأ من الصفر، حيث هناك ومنذ سنوات كينونة اقتصادية تنسيقية مصرية أردنية عراقية، يمكن أن تنضم إليها كل من لبنان وسوريا، خصوصاً بعد الاستقرار النسبي الذي تشهده المنطقة بعد دحر واضح للإرهاب.
أعتقد أن من الممكن لهذا الإقليم أن يسارع في التنمية ويسرع في الاستثمار، الأمر لا يحتاج إلا إلى فتح الحدود أمام الأشخاص والشركات، وتوحيد قوانين الضرائب والاستثمار والجمارك، ويترك للاستثمار والمستثمرين التحرك بحرية في هذا المدى الجغرافي والديموغرافي الواسع. وعلى أي حال، فإن المزايا كثيرة، ويعرفها القاصي والداني، لمثل هذا الإقليم الاقتصادي، الذي سوف تكون له روابط طيبة مع إخواننا في الخليج العربي، وكذلك مع جيراننا في تركيا وإيران، والتي نأمل أن نسمع بأن اتفاقاً أمريكياً إيرانياً قد تم بخصوص المفاعل النووي، ما يشيع الأمن والفائدة على شعوبنا كافة.
إن التقارب الاقتصادي العربي يجعل من العرب قوة، فهو الذي يقوي السياسة وبناء نموذج عربي للتعاون، ونموذج خاص بالتعاون بين الأقطار الخمسة، على غرار دول الخليج العربي. وتمنياتي بأن تعاد الحياة إلى الإقليم المغربي، فإن ذلك يعني تأهيل العرب لأن يقفوا بقوة ومعاً، وبفعالية وتأثير، لخدمة قضيتهم المركزية، قضية فلسطين. فكما قالوا: “في الاتحاد قوة، وفي الفرقة ضعف”.
والله ولي التوفيق، ومصلحة العرب من وراء القصد.
كاتب وسياسي اردني