نورالدين خبابه: تحليل الشرق الأوسط: من كامبل-بانرمان إلى استراتيجيات التحالفات الحديثة

نورالدين خبابه: تحليل الشرق الأوسط: من كامبل-بانرمان إلى استراتيجيات التحالفات الحديثة

نورالدين خبابه

العالم العربي: بين التحولات البنيوية والتدخلات الخارجية شهدت المنطقة العربية منذ سقوط الأندلس عام 1492 سلسلة من التحولات السياسية والاستراتيجية، التي اتخذت طابعًا مأساويًا نتيجة تداخل عوامل داخلية وأخرى خارجية. هذه التحولات كشفت هشاشة البنى السياسية للمنطقة وعجزها عن التعامل مع التدخلات الخارجية بفاعلية، مما أدى إلى تفكك المجتمعات العربية وتراجعها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
أولًا: إرهاصات التفكك منذ القرن الخامس عشر
بدأت إرهاصات التفكك العربي مع موجة الاستعمار الأوروبي، وبدأت فرنسا التوسع في شمال إفريقيا بعد احتلال الجزائر عام 1830، فيما سبقها الاحتلال الفرنسي للجزائر العاصمة عام 1827، بعد معركة نافارين التي كسرت شوكة الدولة العثمانية في المتوسط.
ثانيًا: مؤتمر كامبل-بازمان ووثيقة التقسيم
رغم الجدل حول مدى صحة وثيقة كامبل-بازمان (1907)، فإن الوثائق الرسمية اللاحقة تؤكد نية القوى الكبرى تقويض وحدة المنطقة، تمهيدًا لتقسيمها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهو ما تجسد في اتفاقية سايكس-بيكو (1916)، ثم تصريح بلفور (1917)، وأخيرًا فرض الانتداب الفرنسي والبريطاني بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1922.
ثالثًا: الاستقلالات الشكلية وصراعات ما بعد الاستعمار
رغم حصول عدة دول عربية على استقلالها منذ منتصف القرن العشرين، فإن الاستقلال ظل شكليًا، ولم يؤد إلى التخلص من الهيمنة الأجنبية. الجزائر مثلًا، نالت استقلالها عام 1962، لكن ذلك لم يمنع من استمرار التدخل الخارجي، خاصة في منطقة الساحل، ناهيك عن بناء تحالفات قبلية وعرقية أضعفت الدولة المركزية.
رابعًا: معطيات التثبيت الحديث (1975–2006)
شهدت هذه المرحلة حرب لبنان (1975–1990)، إلى جانب تصاعد الصراعات في أفغانستان والعراق وإيران، إضافة إلى التدخل الإسرائيلي في لبنان، والغزو السوفييتي لأفغانستان، وتكررت نماذج التفكك نفسها في باكستان والهند لاحقًا، مرورا بماحصل خلال احتلال العراق سنة 2003 ما يعكس فاعلية النموذج البنيوي في إضعاف الدول.
خامسًا: السياق المعاصر منذ 2011
انفجرت الثورات العربية عام 2011، لكنها سرعان ما تحولت إلى تدخلات خارجية وصراعات داخلية. ففي سوريا، تحول الحراك إلى حرب مدمرة، وفي ليبيا انتهى الأمر إلى فوضى وانقسامات. أما في الجزائر، فقد شهدت البلاد حراكًا شعبيًا عام 2019، رفع مطالب مشروعة، لكنه واجه محاولات لتشويهه داخليًا وخارجيًا.
سادسًا: التحولات الكبرى المتوقعة بعد 2025
جاءت حادثة اغتيال جمال خاشقجي عام 2018 لتكشف عن صراعات داخل النظام الإقليمي. ويتوقع أن تتصاعد هذه الصراعات بحلول عام 2025، خاصة مع تزايد الخلاف بين السعودية وتركيا وإيران، إضافة إلى محاولات واشنطن لإعادة تشكيل النظام الإقليمي وفق تحالفات جديدة.
سابعًا: البعد التركي والمغاربي
دعمت تركيا الإسلام السياسي وتوسعت في شمال سوريا، كما دعمت حكومة الوفاق في ليبيا. أما في المغرب العربي، فقد برزت بوادر تدخل إقليمي في تونس، في وقت تعاني فيه الجزائر من ضغوط اقتصادية وسياسية، تُستغل أحيانًا لفرض نماذج حكم تتناسب مع السياسات الخارجية.
ثامنًا: الصراعات العرقية والطائفية كأدوات تفكيك
دعمت قوى دولية حركات الانفصال العرقي والطائفي، كما هو الحال مع الأكراد في سوريا والعراق، والانفصاليين في إيران، وصولًا إلى جنوب اليمن، وإقليم التيغراي في إثيوبيا. هذه السياسات ساهمت في تحويل الصراع إلى ساحة دائمة للنفوذ الأجنبي.
تاسعًا: التعدد في إفريقيا من مالي إلى رواندا
أعادت القوى الاستعمارية إنتاج أدوات السيطرة، تحت شعار محاربة الإرهاب، كما جرى في تدخل فرنسا عام 2012 في مالي، وبدعم أمريكي في السودان، حيث سقط نظام البشير عام 2019، ثم دخلت البلاد في أزمة عميقة. وفي تشاد، يتكرر النموذج ذاته، حيث تسعى قوى خارجية لإعادة تشكيل السلطة السياسية والاجتماعية وفق مصالحها.
عاشرًا: رؤية للحلول والمخارج
لا يمكن كسر حلقة التبعية دون بناء مشروع إقليمي متكامل. ويستلزم ذلك تقوية المؤسسات، وتبني الجامعة العربية مشروعًا إصلاحيًا حقيقيًا، يدعم السيادة، ويحترم خصوصيات الشعوب. كما يتطلب الأمر تفعيل العمل الإعلامي العربي المشترك، ومبادرات المجتمع المدني العابرة للحدود.
خاتمة: ما بعد 2025
لن تتوقف محاولات تفتيت الشرق الأوسط والمجال الإفريقي، ما دامت المصالح الكبرى تحكم الداخل وتستثمر في الصراعات المستدامة. غير أن إرادة الشعوب والسياسات الحكيمة قد تفتح الباب أمام واقع جديد، يعيد التوازن إلى المنطقة على أسس من العدالة والسيادة والكرامة الإنسانية.