ياسر رافع: مصر.. ما بين المقاومة وجهود العزل غرب قناة السويس؟

ياسر رافع: مصر.. ما بين المقاومة وجهود العزل غرب قناة السويس؟

 

 ياسر رافع

إنتهت زيارة الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب “لدول الخليج وهى الزيارة التى أثارت ردود أفعال كبير ، ليس لحجم الأموال والصفقات التى عقدت بين دول الخليج وأمريكا ، بل لعدة أسباب ، لعل أبرزها هو غياب مصرعن المشهد والتى كانت حاضرة فى قمة سابقة مشابهة، وهو الأمر الذى برهنه البعض علي تراجع دور مصر أمام الدور الخليجي فى المنطقة ، خصوصا وأن القمة تطرقت لقضايا تمس أمن المنطقة  والتطبيع مع إسرائيل من خلال إتفاقيات إبراهام التى تتيح دمج إسرائيل في المنطقة.

وبعد بضعة أيام ، أختتمت أعمال القمة العربية فى العراق ، وقد لفت إنتباه الجميع عدم الحضورعلى مستوي القادة من قبل دول الخليج كافة بإستثناء أمير قطرالذى غادر القمة لسبب برتوكولى. وفى كلمة مصر أمام القمة تحدث الرئيس المصرى ” عبد الفتاح السيسي”  قائلا ” حتى لو نجحت إسرائيل في تطبيعها مع الدول العربية ، فالسلام العادل لن يتحقق إلا بوجود دولة فلسطينية”، وهو ما عد تلميحا صريحا بأن مصر ترفض ما تم فى غيابها عن قمة أمريكا والخليج ، وأن التطبيع وقضايا الأمن القومى في المنطقة يجب أن لا تتجاوز الدور المصري .

لماذا غابت مصر عن القمة الخليجية ؟ ولماذا غاب الخليج عن قمة العرب فى بغداد؟ وماذا يعنى حضورالرئيس السورى للخليج ولقاء ترامب؟ هل هذا مؤشر على عزل مصر عن المشرق العربى؟

يخطئ من يظن أن محاولات عزل مصر التى تجرى حاليا وليدة التطورات الجيوسياسية الحالية، بل هى محاولات دؤوبه ومستمرة عبرالتاريخ القديم والحديث، ودائما تكون سيناء هى المنطقة التى تمارس فيها تلك المحاولات ، وزادت تلك المحاولات خصوصا بعد حفر قناة السويس.

ففى بداية الدولة الحديثة فى مصر مع تولى “محمد على باشا”، الذى حلم بتكوين إمبراطورية مركزها القاهرة، فكان الإتجاة شرقا، وحارب الدولة العثمانية بمساعدة غربية، ومع تمدده الكبير والذى هدد المصالح والمطامع الغربية، تحالفت روسيا وبريطانيا وفرنسا ضده، وهزموا جيشه بل حجموا دوره داخل الحدود المصرية بعيدا عن المشرق. وتلك كانت المحاولة الأولى للعزل فى العصر الحديث.

المحاولة الثانية ، جاءت على وقع نشأة جامعة الدول العربية 1945 فى القاهرة ، والتى أرخت لعودة الدور المصرى للمشرق مرة أخرى ، وواكب هذا  بداية هجرة اليهود لفلسطين والذى تطور لاحقا إلى إعلان قيام دولة إسرائيل 1948، ومن خلال عودة الروح للدور المصرى فى المشرق ، دخلت مصر حرب فلسطين مع الدول العربية ضد الكيان الصهيونى ، وبرغم هزيمة الجيوش العربية إلا أن مصر فطنت إلى أن وجود القوات الإنجليزيه فى قناة السويس، لم يكن وجودا لحماية الملاحة العالمية بل لعزل مصر عن المشرق عبر جعل مساحة سيناء كاملة بمثابة عازل طبيعى يمنعها من التمدد شرقا .

المحاولة الثالثة ، كانت بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 ، والتى قام بعدها الرئيس ” جمال عبد الناصر” بتأميم قناة السويس وهو الأمر الذى إستدعى تحالف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل للقيام بهجوم عسكرى لإعادة إحتلال قناة السويس ، يسبقه إحتلال إسرائيلى لسيناء من أجل عزل مصر التى أصبحت الخطر الأكبر على إسرائيل ، ولكن تلك المحاولة فشلت وإنتصرت مصر وفرضت كامل سيادتها على أرضها .

المحاولة الرابعة، وتلك التى تزامنت مع صعود تيار القومية العربية بزعامة مصر ،والذى أعطاها نفوذا كاسحا فى المشرق الأمر الذى أقلق الإمبراطورية الأمريكية الجديدة والتى حاولت تحجيمه عبر إنشاء ” حلف بغداد ” ولكن هذا الحلف سرعان ما سقط، وكذلك أقلق السعودية الدولة العربية الناشئة ، والتى تحالفت مع تركيا من أجل تحجيم النفوذ المصرى والقومية العربية وذلك عبر إنشاء منظمة رابطة العالم الإسلامى 1962 ، ولم تفلح تلك المحاولة أيضا .

المحاولة الخامسة، وتلك التى بدأت بهزيمة مصر 1967، والتى بنتائجها تراجعت مصر غرب قناة السويس وأصبحت مصر فعليا معزولة عن محيطها العربى ونفوذها فى المشرق بعرض مساحة سيناء المحتله ، وأستمر هذا الوضع حتى قيام حرب أكتوبر 1973 وأنتصار مصر ودخولها سيناء . ولكن ؟!

المحاولة السادسة ، وهذه بدأت مع مباحثات فك الإشتباك عقب حرب أكتوبر، وصولا لعقد إتفاقية صلح مع إسرائيل فى كامب ديفيد برعاية أمريكية ، والتى أرجعت إسرائيل إلى الحدود الدولية وخروجها من سيناء ، وعودة سيناء لمصر ولكن مع تراجع القوة المسلحة المصرية غرب خط قناة السويس ، وسيادة شبه منقوصة على سيناء فى شبه تكرار لما حدث مع ” محمد على باشا ” .

المحاولة السابعة ، وهى التى نعيش فيها حاليا وتلك الممتدة من بداية حكم الرئيس الراحل ” حسنى مبارك” وإلى الأن ، والتى شهدت تراجعا مصريا واضحا فى قضايا المشرق لصالح دول الخليج وعلى رأسها السعودية ، وهو ما واكب إحتلال العراق 2003 وسقوط سوريا بعد الربيع العربى وتمدد إيرانى وتركي ، وهو الأمر الذى أعلن من خلاله أن الكلمة العليا فى المشرق أصبحت لإسرائيل وتركيا وإيران والسعودية ودول الخليج ، وأن مصر أصبحت شبه معزوله عن المشرق ، بالجغرافيا وبالسياسة ولم يتبقى لمصر فى قضايا المشرق إلا القضية الفلسطينية وذلك لسببين ، الأول هو أهمية القضية الفلسطينية للأمن القومى المصرى والثاني مقاومة ضد محاولات عزلها عن المشرق . وأن وجود الرئيس السورى ” أحمد الشرع ” فى السعودية جاء بإتفاق تركى قطرى سعودى لتدشين شرعيته أمام الرئيس الأمريكى ، بعدما بذلت السعودية وقطرأموالا ضخمة ودعم مخابراتى قوي من أجل إسقاط نظام ” بشار الأسد ” بمعاونه عسكرية تركية ، وهذا كان بمثابة محاولة أخرى ناجحة لعزل مصر    

لماذا يحاول الغرب وأمريكا والسعودية وإسرائيل وتركيا عزل مصر عن المشرق ؟!

من بديهيات السياسة  والأمن القومى أن تحاول كل دولة أن تحافظ وتقاتل من أجل أمنها القومى ، لهذا لا عتاب على الدور التركى والسعودى الخليجي كلا منفردا وعلى حدا ، لكن أن تتلاقى رؤى تلك الدول مع الرؤية الأمريكية والغربية فهنا نسأل لماذا إتفق الكل على عزل مصر داخل حدودها ، بل غرب قناة السويس تحديدا وبقاء سيناء معزولة وحاجزا أمام أى تمدد أو محاولة للتدخل فى شؤون المشرق العربى ؟

الإجابة : هى عملية تسليم وتسلم لخروج مصر من المشرق وترتيبات المنطقة الأمنية والسياسية ، فى مقابل عملية دخول ممنهجه لإسرائيل وإحتلال مكانتها ، وذلك عبر ضمان ضعف وإضعاف مصر إقتصاديا وجعلها دولة منكفأه على نفسها ، ضعيفة وفقيره  

لهذ فإن الحديث عن تهجير الفلسطينين ساكنى قطاع غزة إلى سيناء ، ليس تصفية للقضية الفلسطينية كما وصفته القيادة المصرية وتم ترويجه إعلاميا فقط !! بل هو تصفية للدور المصرى بالكامل فى المشرق العربي ، حيث لم يعد لدى مصر من أوراق تلعب بها فى المشرق غير القضية الفلسطينية ، ولهذا فليس بغريب أن يصرح رئيس وزراء قطر السابق ” حمد بن جاسم أل ثان ” في وقتا سابق قائلا ” مصرأصبحت طبيب المريض الواحد ونحن سنأخذه منها ” فى إشارة واضحة إلى أنه لم يتبقى للقاهرة غير القضية الفلسطينية فى قضايا المشرق العربي وأنه آن الأوان لخروج مصر من أخر معاقلها  فى المشرق  العربي .

ماذا بعد ؟!

مصر بعد ظهور جحافل الجيوش وبوارج السلام الأمريكى بالقرب من حدودها وشواطئها فى كامل المشرق العربى ، لم يعد لديها إلا مقاومة هذا التحالف الخليجى الإقليمى الإسرائيلى برعاية أمريكية ، وأظن أن الفرصة لا زالت سانحة وإن كان هامش المقاومة ضعيف بسبب الحالة الإقتصادية ، وهامش هذه المقاومة هو الإستماته فى عدم التفريط فى سيناء وعدم جعلها بمثابة مقبرة للقضية الفلسطينية ونهاية للدور المصري نهائيا فى المشرق العربى . وأن أى محاولة لجر مصر فى عمل عسكرى ضد إسرائيل فى تلك المرحلة هو بمثابة خيار النهاية لأخر معاقل الأمل فى إحداث تغيير أمام الشعوب العربية حتى ولو إختلفت مع النظام السياسي المصرى .

هل ينجح مخطط عزل مصر، وحصر قوتها غرب قناة السويس وجعل سيناء خالية وأرضا عازلة بينها وبين المشرق العربى  وإحلال إسرائيل مكانها ؟ كل هذا مرهون بقدرة مصر على المقاومة ومدى نجاح التحالف التركى الخليجى فيما فشل فيه سابقا أيام الرئيس ” عبد الناصر” .

الأحداث تتسارع بشده فى المنطقة ، ونتائجها مفتوحه على كل الإحتمالات ، ولكن المؤكد أنها الفرصة الأخيرة أمام مصر حاليا ولسنوات قادمة لفرض كلمتها قبل فوات الأوان ، وأن المزيد من التنازلات تحت ضغط الحالة الإقتصادية فأن ذلك سيعد النهاية للدور المصرى لسنوات قادمة وأن تنمية سيناء ضمانه إضافية لصد محاولات العزل 

كاتب مصري