ضياء إسكندر: تركيا وإقليم كردستان.. هل نقترب من حلّ مسألة الأكراد؟

ضياء اسكندر
بعد أكثر من أربعين عاماً من الكفاح المسلح والصدام الدموي، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه وإلقاء السلاح في خطوة مفصلية قد تفتح الطريق أمام سلامٍ طال انتظاره. وعلى الرغم من الأسئلة المشروعة التي تثار حول طبيعة التفاهم الذي أدى إلى هذه النتيجة، فإن اللحظة تبدو ناضجة أكثر من أي وقت مضى لطيّ صفحة دامية والانتقال إلى مستقبل قائم على التفاهم والحقوق المتبادلة.
نقطة تحوّل.. رغم الغموض
الخطوة التي اتخذها الحزب ليست مجرد تنازل تكتيكي أو انسحاب مفاجئ، بل يمكن قراءتها كإدراك عميق من طرفي النزاع، أن الحرب – مهما طال أمدها – لا تحل جذور القضايا. وإذا كانت تفاصيل الاتفاق غير معلنة حتى اللحظة، فإن ذلك لا يلغي قيمة الفعل الرمزي الكبير المتمثل بإلقاء السلاح والانفتاح على التسوية.
صحيح أن غياب وثيقة علنية أو إطار دولي واضح قد يُثير قلق البعض، إلا أن الأمل يكمن في تحوّل المزاج الشعبي داخل تركيا وخارجها نحو نبذ العنف، وفي وجود قوى مدنية، كردية وتركية على السواء، باتت تضغط من أجل حلول سلمية قائمة على الاعتراف المتبادل والعدالة.
نحو ضمانات تُبنى على الشفافية والثقة
في الماضي، انهارت العديد من المبادرات بسبب غياب الضمانات أو ضعف الوساطات. لكن هذه المرة، تبدو الأرضية أكثر نضجاً، خاصة في ظل إدراك إقليمي ودولي أن استقرار تركيا – بل واستقرار الشرق الأوسط برمّته – لن يتحقق دون حل عادل للقضية الكردية.
الوساطات الإقليمية والدور المحتمل للأمم المتحدة، وإن لم تُعلن رسمياً بعد، يمكن أن تشكل لاحقاً مظلة داعمة، خصوصاً إذا أُحسِن استثمار لحظة التهدئة وتحوّلها إلى مشروع سياسي حقيقي.
الفرصة الذهبية لتركيا وأردوغان
مهما كانت الحسابات السياسية، فإن ما يحدث اليوم، يمنح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة تاريخية لا تُقدّر بثمن: أن يدخل التاريخ لا كزعيم شنّ الحروب، بل كقائد أنهى واحدة من أعقد الأزمات الداخلية المزمنة في بلاده. التوجّه نحو منح الكرد حقوقهم القومية – من اعتراف بالهوية إلى تعزيز المشاركة السياسية – لم يعد ترفاً أو مطلباً حزبياً، بل ضرورة لبناء دولة مستقرة تحترم تنوعها وتحتضن كل مكوّناتها.
الحقوق القومية: من الحلم إلى الخريطة السياسية
الحديث عن الحقوق القومية الكردية يجب ألّا يبقى في خانة الشعارات، بل يجب أن يتحوّل إلى خطوات واضحة، تشمل: الاعتراف الدستوري بالهوية الكردية، وإدماج اللغة والثقافة الكرديتين في مؤسسات الدولة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفتح المجال لحوار حقيقي حول صيغ من الإدارة الذاتية الثقافية أو السياسية ضمن إطار الدولة التركية الواحدة.
إذا كانت هذه المطالب قد رُفضت سابقاً تحت ذرائع الأمن والانقسام، فإن السنوات الأربعين الماضية أثبتت أن إنكار الهوية الكردية لم يجلب إلا المزيد من الدماء والخسارات للطرفين.
سلامٌ ببطولة الشعوب لا بمسرحيات السياسة
أجمل ما في اللحظة الراهنة هو أنها لم تُفرض بقوة الخارج، بل جاءت من قناعة داخلية بأن طريق الحرب مسدود، وأن لا منتصر في نزاع أهلي يطحن الجميع. المطلوب الآن، أن يكون الشعبان، الكردي والتركي، هما من يرسمان ملامح الحل، عبر حوار شفاف وشامل ومباشر.
السلام الحقيقي لا يُبنى على أوراق سرّية ولا على اتفاقات الغرف المغلقة، بل على مشاركة جماهيرية تحوّل التسوية من مشروع نخبوي إلى عقد اجتماعي جديد يعيد تعريف العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
نهاية النزاع.. بداية الأمل
إن إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه يجب أن يُقرأ كفرصة لا كفخ، وكبادرة حسن نية لا كاستسلام. هذه الخطوة، إن تبعتها إجراءات جادة من الدولة التركية نحو الاعتراف والإنصاف، قد تكون بداية النهاية لأحد أطول النزاعات في الشرق الأوسط.
لقد آن أوان السلام، بعد أن جُرّبت الحرب بما يكفي. وآن للشعوب أن تتنفّس حرية وكرامة، بعد أن أُنهكتها الشعارات والدماء.
نعم للسلام العادل، نعم للحقوق القومية المشروعة، ونعم لمستقبلٍ يشارك في صناعته الكرد والأتراك معاً، لا أن يُفرض عليهم من فوق، أو يُختطف منهم من جديد.
كاتب سوري