ياسين فرحاتي: تحليل لشخصية العقيد الراحل معمر القذافي ورؤيته لمشروع إنشاء الدولة العربية الموحدة في ظل قمة في بغداد وأحداث طرابلس الراهنة.

ياسين فرحاتي: تحليل لشخصية العقيد الراحل معمر القذافي ورؤيته لمشروع إنشاء الدولة العربية الموحدة في ظل قمة في بغداد وأحداث طرابلس الراهنة.

ياسين فرحاتي

استغليت انعقاد قمة جامعة الدول العربية بالعاصمة العراقية بغداد و التي انطلقت صباح يوم السبت 17 ماي 2025، و اصدرت بيانا ختاميا منها ضرورة وقف فوري  للعدوان في قطاع غزة و إدخال المساعدات الغذائية و رفض قاطع لعملية التهجير للفلسطينيين و تحرك المجتمع الدولي من أجل إعادة الإعمار يأتي هذا في أجواء مشحونة بالأسى و الحزن جراء ما يعانيه الشعب الفلسطينيي بعد الحرب الإبادة الجماعية الهمجية الصهيونية المتواصلة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تاريخ انطلاق عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس بتخطيط من القائدين البطلين يحي السنوار و محمد الضيف رحمهما الله رحمة واسعة و أسكنهما فراديس جنانه. و أمام حالة الوهن العربي الجلي خصوصا الموقف الرسمي العربي الذي لم يحرك موحدا أي ساكن بإستثناء المبادرات القطرية المصرية التي ترميها إسرائيل بعرض الحائط ففي أحدث  مفاوضات تدور في الدوحة، و إلى غاية يوم الأحد 18 ماي، لا يزال نتانياهو يناور و يربح الوقت مصرا على  مطالبه بإطلاق سراح الأسرى مع تواصل الحرب لأشهر أخرى حتى القضاء على حركة حماس حسب زعمه. فيما تواصل المقاومة الفلسطينية الباسلة صامدة و تكبد العدو خسائر في العدة و العتاد رغم الوضع الكارثي جدا للقطاع من مجاعة مستشرية و توقف خدمات كل المستشفيات و استشهاد  أكثر من 53 فلسطيني، علما بأن إيهود باراك انتقد بشدة نتانياهو و اقترح العصيان المدني كحل لإسقاط حكومة بنيامين الفاشلة. يأتي هذا فيما  ترتمي الدول العربية و خصوصا الخليجية مثل المملكة العربية السعودية في أحضان الرئيس الأمريكي ترمب و تعقد صفقات تسليح خيالية هي الأكبر في تاريخها، دون أن تحرك شيئا من ملف مأساة الشعب الفلسطينيي.
يطرح موضوع جدوى القمة العربية و الرهان عليها و هي التي لم تطبق شيئا مما تم الاتفاق عليه في آخر قمة قادة. و لا يزال على ما يبدو الفكر القومي العربي حاضرا رغم فشله في نظر عدد من المفكرين إلا أن إحداث نقلة نوعية في ظل هذا الظرف الإقليمي المتعفن أكثر من ضروري و لا زلت أتذكر ما كتبه الكاتب الصحفي القومي العروبي عبد الباري عطوان عن قمة عربية سابقة احتضنتها تونس سماها في مقال له بجريدة القدس العربي ” قمة العجز و الهوان “.
و اليوم، و مع تهاوي معظم صروح القومية العربية في العراق و ليبيا منذ سنوات  و سوريا منذ أشهر، يحن العديد  من العرب إلى زمن العقيد الليبي معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر بدءا من بعض الليبيين الذين خرجوا منذ أيام في العاصمة طرابلس مع  أحداث العنف التي تشهدها البلاد، مطالبين بتولي نجله سيف الإسلام رئاسة البلاد المقسمة سياسيا بين عدة أطراف. و قد أعربت تونس  كدولة جارة شقيقة و صديقة لليبيا عن استعدادها لاستقبال الفرقاء الليبيين للحوار على أرضها.
 و يتداول العديد من الناس تصريحات الزعيم الليبي القذافي المثيرة للجدل عن أوضاع منطقتنا العربية التي استشرفها منذ سنوات قبل رحيله و خصوصا القضية الفلسطينية و مصير النزاع العربي الإسرائيلي و أن كل ما قاله كأنه نبوءة في زمن  كثر فيه العرافون و قارؤو الفنجان.  و في حوار مع الصحفي المصري المعروف صلاح عيسى مع مجلة ” الموقف العربي ” التي كانت تصدر بقبرص و الموالية للجماهيرية اللليبية في سؤال له هذا نصه :
سيادة العقيد.. أنت، في رأي خصومك و ربما بعض أصدقائك، تبدو محيرا، فأنت تقول ” لا لكل شيء ” في حين أنت رئيس دولة طموحة . و يرد العقيد معمر القذافي ( مقاطعا ) : نقطة نظام .. أنا لست رئيسا، أنا قائد ثورة. ليس للجماهيرية رئيس، لأن الشعب هو الرئيس. و في سؤال آخر للصحفي المصري كالآتي :
أنا آسف.. أنت قائد ثورة في بلد صغير، و محدود الموارد، و مع ذلك تقول لا لكل شيء، حتى أن بعضهم يقولون أنك مجرد هدف في التاريخ بمعنى أنك رمز لرفض الأمة لما هو معروض عليها لأن في سياستك جانبا كبيرا من عدم العملية فماذا تقول في هذا الرأي ؟ و يجيب القائد الليبي : أنا لا أقول بما أراه صحيحا و واجبا، من منطلق قومي يعبر عن الأمة … لكن، من واقع اقليمي فيه كل المآسي التي ذكرتها، فنحن دولة صغيرة و فقيرة و صحراوية و عدد سكانها قليل، لكن الواجب هو الواجب، و الصحيح هو الصحيح. هل أقول : نعم لأمريكا، حين تأخذ خليج سرت ؟ أقول : لا .. هل أقول لها : نعم، حين تريد أن تهيمن على الوطن العربي ؟ أقول : لا… هل أقول نعم للاعتراف ب” اسرائيل ” ؟ أقول : لا… هل أوافق ان يتحمل العرب جريمة هتلر و يدفعوا من أرضهم و مستقبلهم ثمن اضطهاد الرومانيين و الأوروبيين و النازيين لليهود ؟ أقول : لا.. لا بد ان أقول لا، مهما كان السبب، و مهما كنت افعل ذلك من بلد صغير و محدود. كما كنت تقول. إذن فهو يقدم نفسه كمدافع عن الحقوق العربية المغتصبة و عن هموم الأمة و يمثل سياسة الرفض للمشروع الغربي و الصهيوني في المنطقة العربية.و قد كان الزعيم الليبي يتهم سابقا بالهذيان و الخروج عن الواقع وعدم استقامة خطابه السياسي و هو الذي يعود في كل خطاب له جماهيري إلى الكتاب الأخضر  الذي يعد بمثابة دستور و مرجع و هو المتضمن لآراءه و مبادئه عن الاشتراكية و اللجان الشعبية و القومية و غيرها.
لكن الأخطر و الأهم أن القذافي كان متهما كإرهابي متورط في تفجير طائرة لوكربي و كتونسي رغم أنني كنت صغيرا جدا إبان الأزمة التونسية اليبية و لم أعايشها إلا أنني سمعت و قرأت عن أحداث قفصة و ممارساته و تآمري على الصحافيين و العمال التونسيين و قد شهدت تدخل أكثر من طرف عربي لحلها مثل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال ثمانيات القرن  الماضي مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. و قد كتب  مؤسس و رئيس تحرير جريدة الشروق  الراحل صلاح الدين العامري في مقال أسبوعي له في عموده “بوضوح” تحت عنوان “لأن القذافي أفلس في ليبيا” بتاريخ الثلاثاء 20 أوت 1985: “أن حكاية الوحدة هي ضرب من الملهاة الدراسية التي تعيشها ليبيا. ملهاش يريد النظام أن يشغل بها جماهيره لأنه يدرك أن هذه المسألة ليست حلم ليبيا وحدها و إنما حلم كل الشعوب العربية و امنيتها السرمدية… إنها وتر حساس لا يفقد مفعوله. لقد حول القذافي مبدأ الوحدة العربية إلى بضاعة في سوق المزاد الدولي.
ويصف الصحفي التونسي العروسي العمري من صحيفة حقائق التونسية عدد 75 ، بتاريخ الجمعة 19 جويلية 1985،  في مقال اختار له عنوانا : “عائد من ليبيا .. القذافي كما رأيته ” يقول فيه : ” كان الرجل متواضعا ، استقبلنا بكل بساطة لغته مباشرة. و كانت  الخيمة التي استقبلنا فيها، في ما عدا الزينة و الزخرف الذي يميزها، عادية جدا. موثوقة إلى الأرض على الطريقة البدوية الأصيلة.
كل المحيط يوحي لك بأن الرجل ليس رئيس دولة على الطريقة التي ألفناها، فليس هناك بروتوكول يذكر. كل المحيطين به بدو في للأسهم ليس هناك أي تكلف. لم نفتش عند الدخول. لكن هذا لا يعني أن الأمن غير موجود، فكل من حولنا مسلح.
و كان رجلا لا يستقر في مكان. اليوم يضع رحاله في مزرعة 6 أكتوبر و غدا يقيم في “الجبل الأخضر” و بعد غد ينتقل إلى ضواحي طرابلس الريفية. ليست له إقامة واضحة. لا قصر و لا حتى فيلا. الترحال دوما و دائما. الجراب و المزود فوق كتفه. على الطريقة البدوية تماما. و ربما الخوف من الاغتيال و من المخابرات الأمريكية.
إلا أنه مع ثورة فبراير 2011، عرف عنه إعلاميا إقامته في قصر العزيزية الذي قصف لأكثر من مرة قبل سقوط النظام و مقتل القذافي على يد قوات حلف شمال الأطلسي و نيكولا ساركوزي الذي تلقى منه أموالا اعتبرت كرشوة لتمويل حملته الانتخابية بعد أن فضحه الزعيم الليبي.
أريد أن أتوقف هنا بعض الشيء مع الكتاب الأخضر ذلك الذي قيل عنه الكثير. فبحسب ما ما ورد في مجلة حقائق عدد 80، بتاريخ الجمعة 23 أوت 1985 بقلم الكاتب أحمد العزعوزي، أنه يضم ثلاثة كراريس من الحجم الصغير جدا خضراء اللون لا تحوي من الكلمات ما يزيد عن صفحات القسم العربي من مجلة “حقائق”.
الكراس الأول يحوي زهاء 3 آلاف كلمة ( 5 صفحات من مجلة “حقائق”) و قسم إلى 8 عناوين : أداء الحكم، المجالس النيابة، الحزب، الطبقة، الاستفتاء، المؤتمرات و اللجان الشعبية، شريعة المجتمع و الصحافة. و ما يلفت الانتباه أنه عند تصفحك للكتاب الأخضر لن تجد و لو مرة واحدة شاهدا تاريخيا أو مثالا حيا أوواقعة تاريخية لإثبات ما يورده الكاتب على أنه حقائق دامغة لا تقبل النقض. كما أنك لا تجد أي نقاش لأفكار المفكرين في التاريخ البشري و لا للفكر السياسي العالمي.
في الخمسة عناوين الأولى هجوم لفظي على المؤسسات التمثيلية و الحزبية و على أدوات التعبير المتعارف عليها مثل ” المجالس النيابية تزييف للديمقراطية ” و ” الحزبية إجهاض للديمقراطية ” و ” من تحزب خان ” و  ” الاستفتاء تدجيل على الديمقراطية ” و هذه أفكار غريبة نجد بعضها متواجد في بعض دول الخليج مثل المملكة السعودية بينما نجد أفضل بلد خليجي له ممارسات سياسية ديمقراطية و حرية تعبير و حركية ثقافية هو الكويت.
يبلغ الكاتب ذروة الاستخفاف بالتراث البشري فكرا و ممارسة عندما يرفض اي تشريع مكتوب و يعتبر الدساتير ” لون من الهزل ” و الحل بالنسبة اليه هو اعتماد الدين الذي يحوي العرف الجاري كشريعة وحيدة صالحة للمجتمعات البشرية. لقد فسخت ” النظرية العالمية الثالثة ” بجرة قلم تراث البشرية. و لسائل أن يسأل أية شريعة يقدمها صاحب ” النظرية الثالثة ” لحل الأزمة اللبنانية وقتها التي تتكرر في كل مرة ؟ أهي شريعة الدين المسيحي أم شريعة الإسلام ؟ هل هي شريعة الشيعة أو السنة ؟.
و بالنسبة لحركة الصحافة يقدم الكتاب الأخضر الحل وهو أنه ليس للإنسان إلا أن يعبر عن نفسه فقط. و تقول ” النظرية العالمية الثالثة ” : ” الشخص الطبيعي يحق له أنيعبر عن نفسه فقط، و لا يحق له ديمقراطيا أن يعبر عن أكثر من نفسه و تنتهي بهذا انتهاء جذريا و ديمقراطيا ما يسمى في العالم بمشكلة حرية الصحافة “. أفهممن هذا القول انتهاء الصحافة انتهاء جذريا.
و في الكراس الثاني و هو اقتصادي بالأساس، حيث يرفض الكاتب العمل المأجور و يعتبره شكلا من أشكال العبودية العصرية. و هذا قول سبقه فيه كل من الاشتراكيين. من الطوباويين الفرنسيين و الانجليز و الماركسيين. و أقرت كل المدارس الاقتصادية على اختلاف مشاربها، من ريكاردو إلى كينز مرورا بماركس، بأن العمل هو مصدر الثروة. و يقدم الكتاب الأخضر حلا لمشكلة الأجر و تحرير العامل يتمثل في أن ” لكل عنصر ثلث الإنتاج ” و ” هكذا يقام نظام اشتراكي تخضع له كل العمليات الانتاجية قياسا على هذه القاعدة الطبيعية “. و حسب ” القاعدة الطبيعية ” سيكون نصيب العمال ثلث الثروة التي خلقوها و لصاحب المعمل الثلثان. فما قول صاحب ” النظرية الثالثة ” لو أقترح هذا ” الحل الاشتراكي ” على النقابات الأوروبية التي لم تسمح بدرجة الاستغلال هذه ( 200  بالمائة ) حتى في القرن التاسع عشر . لذلك ليس غريبا أن يعتنق صندوق النقد الدولي ” النظرية العالمية الثالثة ” و يقترحها على البلدان المتأزمة.
و من الفقرات التي تستحق التنويه أيضا ” البيت لسانه ” و ” الأرض لمن يفلحها ” و هي أفكار بدأت العديد من الشعوب في تطبيقها منذ النصف الأول من القرن العشرين. أمام اقتراح تحرير خدم المنازل على أساس اعتبارهم ” موظفين قابلين للترقية أثناء أداء وظيفتهم المنزلية و لهم الضمانات الاجتماعية… ” .
اما الكراس الثالث فهو الركن اجتماعي للنظرية العالمية  الثالثة “. و تقوم الفكرة الأساسية فيه  على امتداح الأسرة و القبيلة و الأمة و اعتبار روابطها أساسية في التاريخ البشري. ثم يتحدث الكاتب عن المرأة و يدافع عن أنوثتها و يعتبرها مساوية للرجل ” في الحقوق الإنسانية و لكن ليس ثمة مساواة تامة فيما يجب أن يقوما به من واجبات ” و جدير بالتذكير أن الحرس المرافق للعقيد القذافي هي إمرأة و أنه كان يراسل الكاتبة و الروائية الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي و مولع بجمال و سحر المرأة العربية.
و يعتبر صاحب ” النظرية العالمية  الثالثة ” أن الجنس الأسود ” جاء دوره ليسوا العالم ” مثلما ساده الجنس الأصفر و الأبيض و هو ما يفسر ميله و زيارته إلى عديد البلدان الأفريقية و التقاءه بشعوبها و نتذكر صلاته بالبعض منهم و لكن رئيس تحرير القدس العربي وقتذاك يقول بأن النظام الليبي متخلف و أن الدول الأفريقية تعاني من عديد الأزمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لكن اليوم نرى العديد منها و قد حققت نهضة اقتصادية.
و ترفض النظرية العالمية الثالثة التعليم المبرمج و تعتبر ” التعليم الإجباري و التعليم المنهجي المنظم تجهيل إجباري للجماهير ” و تعتبره ” عملا دكتاتورية قاتلا للحرية ” و مرة سمعته يدعو على ما أتذكر في حوار على قناة الجزيرة إلى التعويل على النفس و ضرورة أن يقبل طالب العلم على الدراسة بنفسه و عن طواعية و كأنه يريد أن يستغني عن المعلم و ربما يقصد من ذلك أو يشير إلى العصاميين.
تحت عنوان ” الالحان و الفنون ” تتحدث ” النظرية العالمية الثالثة ” عن ضرورة لغة موحدة بين كل البشر و ” التكيف الوجداني الحقيقي مع لغة الغير ” لكن الكاتب يقول ” أن هذا سيبقى مستحيلا إلى أن ينتهي أثر الوراثة في جسم الإنسان المتحول إلى لغة واحدة ” ( ؟!! ).
تحت عنوان ” الرياضة و الفروسية و العروض ” يدعو الكاتب إلى ممارسة الجماهير و عدم التصفيق في المدارج ( و لكن ما أتذكر و أنا صغير أن المنتخب الليبي لكرة القدم قد حرم لسنوات من ممارسة هذه الرياضة و حسب علمي بقرار منه )  و هذه فكرة محمودة. لكن هناك تهجم على ” الهامشيين الذين يملؤون مقاعد المسارح و العروض ليتفرجوا على أحداث الحياة و يتعلموا كيف تسير “. فهل نلغي كل نشاط ثقافي ( ؟! ).
في اعتقادي الشخصي أن العقيد القذافي و هو العسكري ليس له تكوين ادبي أو علمي  له جرأة فكرية و حاول أن يكون موسوعيا في تفكيره و لقراءته للحياة العامة الليبي و مهما اختلفنا معه أراه مجهودا إنسانية له محاسنه عيوب لكن خطيئة كل نظام عربي قومي هو غياب الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة و دور العائلة و الحاشية السلبيين في الحكم و يتهم كثيرون أنه قد قام بعملية تجهيل متعمدة لشعبه بينما يرى آخرون أن حالة الترف و الرفاهية حرمته من تعليم جيد و صحة جيدة رغم أنه كان متقدما جدا  في مشروع في برنامج التسليح النووي و التصنيع الحربي و الذي تخلى عنه تحت طائلة العقوبات و الضغوط الأمريكية و الغربية.
ثمة بعض الخصال المحمودة للقذافي و هو أنه كان يلتقي بالمفكرين العرب و يحاورهم في أمور السياسة العربية و الدولية و قضايا التنمية و في وثيقة صحفية خاصة بجريدة ” الأنوار ” التونسية بتاريخ 23 جوان 1985، في مقال بعنوان : ماذا اقترح القذافي على بورقيبة ؟ عقب تسليم عبد الله الزوي مبعوث العقيد  ” مشروع الاتحاد العربي ” للأستاذ محمد مزالي الوزير الأول.
و ينص مشروع الاتحاد العربي الذي انكب على إعداده فريق من الخبراء العرب، طيلة أكثر من ثلاثة أشهر، على وضع الهياكل الأولية لإقامة الوحدة العربية، مع احتفاظ كل قطر عربي بحقه في تصور سياسته الداخلية و الخارجية. أما الهياكل التي يطالب المشروع ببنائها، فترتكز على :
– إقامة هيئة رئاسية للاتحاد العربي تتكون من كل الملوك و الرؤساء العرب، على أن تكون دورية.
– انشاء سلطة تنفيذية تشمل رؤساء الحكومات العربية و تجتمع بصفة دورية مرة كل ستة أشهر.
– ضبط سياسة قومية تؤمن الغذاء للمواطن العربي و هو مقترح جيد جدا عمره قرابة النصف قرن نجده مقترحا في القمة التنموية الأخيرة ببغداد.
– إنشاء هيئة تصنيع حربي عربية توظف داخلها جميع الخبرات العربية.
بخصوص الوحدة العربية المشروع الوحيد الذي رأى النور كان في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر بين القاهرة و دمشق و الذي باء بالفشل. أما مشروع القذافي فيعتمد على ” تصور إقامة تجمعات جهوية، مثل اتحاد لدول المغرب العربي، و اتحاد لدول الخليج العربي، و اتحاد لدول منطقة الشرق الأوسط، كمرحلة أولى تمهد لقيام الدولة العربية الموحدة “.
و خلال السنوات القليلة قبل رحيله كان قد اقترح فكرة قيام دولتين دولة فلسطينية و كيان إسرائيلي سماه ” إسراطين “.
القذافي رحل و لكنه لا يزال كثير الذكر في الوطن العربي و هو الذي مزق ميثاق الأمم المتحدة و دافع عن الرئيس العراقي صدام حسين و استهجن و استنكر طريقة إعدامه يوم عيد الاضحى . إنه العربي الوحيد من النظام الرسمي العربي الذي تجرأ على قول ذلك الكلام و اصطحب خيمته معه إلى أحد الدول الأوروبية . كما أنه كثيرا ما كانت له مشادات كلامية حادة مع أحد الملوك العرب اتهمهم فيها بالارتماء في أحضان الأجنبي. رحم الله القذافي و غفر له و نتمنى التوفيق و الخير و السداد للشعب الليبي الشقيق و لكل أبناء أمتنا العربية و الفرج القريب لأشقاءنا الفلسطينيين.

كاتب من تونس.