علي محسن المنتصر: قراءة أدبية في رواية “الشيخ والبحر”: استقراء الدلالة الرمزية للرواية وعلاقتها بالمواجهات العسكرية بين القوات اليمنية والبحرية الأمريكية في البحر الأحمر

علي محسن المنتصر
في ظل المواجهات العسكرية بين القوات المسلحة اليمنية و قوات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، يحاول الكاتب استقراء نتائج الأحداث الجارية في صورة أدبية رائعة نظراً للتشابة اللافت بين الهدف العام للراوية و ما يحدث في الواقع الفعلى لمجريات الأحداث و التطورات في اليمن. و كما إن الحرب تعتبر أداة من أدوات السياسة التي تلجأ إليها الدول و يكون لها تداعيات و نتائج كارثية من قتل وتشريد ونزوح للشعوب، فإن الأدب ايضاً يعتبر مراَة الواقع، حيث إنه يحاكي الوضع السياسي و الاقتصادي لأي مجتمع، و يجسد معاناة الشعوب و فضح مؤامرات المستعمر و مقاومته و تبقى الكلمة سواءً كانت تصريحاً او تلميح هي السلاح الوحيد لدى الأديب في أي مجال من مجالات الأدب شعراً كانت أو نثراً او سردا. وإذا كان تصنيع و إمتلاك التكنولوجيا العسكرية يمثل مدى تقدم الدول وازدهارها فإن غزارة الإنتاج الفكري والأدبي و الثقافي يدل على نضج ووعي الشعوب على المستوى الفردي و الرسمي في ظل انتشار شبكات وسائل التواصل الاجتماعي كإحدى وسائل الغزو الفكري في حين ساء إستخدامها، لذلك حرياً على الجهات الرسمية أن تعمل جاهدة في بناء الإنسان فكريا. في هذا المقال يجسد الكاتب أبعاد الهيمنة الاستعمارية الأمريكية قديماً و حديثاً من خلال تقديم قراءة أدبية في إحدى روايات الأدب الأمريكي “الشيخ والبحر” للقاص و الروائي الأمريكي الشهير إرنست همنغواي (1899-1961) الذي حصل على جائزة نوبل للأدب في العام 1954. شارك همنغواي في الحرب العالمية الأولى والثانية، وحصل على أوسمة تقديراً له على مشاركته فيها وقد تركت مشاركته في الحرب بصمات رائعة في جميع رواياته الأدبية الاخرى وأشهرها “سوف تشرق الشمس” (1926)، “وداعًا للسلاح” (1929)، لمن تقرع الأجراس (1940) و “الشيخ والبحر”1952.
تعتبر رواية “الشيخ والبحر” محور مقالنا حيث تدور أحداث الرواية عن رجل عجوز يسمى “سانتياغو” قضى حياته في مهنة الصيد لكنه كان سيئ الحظ دائماً، إذ انه لم يظفر بسمكة واحدة منذ أربعة وثمانين يوماً، حيث غادر معاونه الفتى “مانولين” نزولاً عند قرار والديه ، إذ أكدا عليه ان الشيخ منحوس نحساً لا ريب فيه ولا برء منه و قد ترك الغلام صحبة الشيخ بعد اربعين يوماً من الصيد معه وقد نجح الشيخ في اصطياد سمكة “المارلين” الكبيرة بعد صراع كبير بين السمكة و الشيخ و ما تخللها من مناكفات اسماك القرش التي أكلت السمكة فيما بعد. و كل هذه الشخصيات ذات أبعاد مجازية و رمزية تجسد الهيمنة الأمريكية عبر التاريخ. وقد كُتبت أحداث هذه الرواية في إحدى شواطئ هافانا عاصمة كوبا في وقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم ثورة كاسترو على أمل أن تتمكّن من بسط نفوذها على مواردها الطبيعية. وبالنظر في الصورة التي يرسمها همنغواي للشعب الكوبي، يبدو أنه يلومه على ما آلت إليه أمور كوبا من جهل وفقر. و من خلال الصراع بين الرجل العجوز و سمكة “المارلين” يصور الكاتب قدرة الإنسان على المقاومة و الإستبسال حتى نيل الحرية أو الموت في سبيلها. وفيما يرى البعض إن الفكرة الرئيسية تدور حول الصراع القائم بين الإنسان و الطبيعة و قدرة الإنسان في التغلب على الطبيعة، غير أن الكاتب يؤكد في هذا المقال ان الرواية ذات دلالة رمزية عميقة تجسد النظرة الإستعمارية والهيمنة الأمريكية للشعوب الأخرى وهو ما يستدعي إعادة قراءة الأدب الأميركي قراءة نقدية لكشف الخطاب الذي يزيّف الحقائق والتاريخ، ويسيء إلى دول العالَم الثالث.
بالرغم من التباين في البعدين الجغرافي و الزمني لما ألت إليه الأحداث في كوبا واليمن الا ان النظرة الإستعمارية هي نفسها، لذلك يوظف الكاتب شخصيات الرواية توظيفاً ثنائياً فالشيخ العجوز- “سانتياغو”، من كوبا هو بطل القصة يمثل جميع الشعب الكوبي و دلالته الرمزية إنه رجل شجاع و حكيم أثبت قدرة الشعب الكوبي على إستخراج خيارات بلادهم من خلال قدرته على صيد سمكة “المارلين”.. في المقابل هذا الرجل العجوز يمثل الإنسان اليمني المكافح الشجاع القادر على فرض واقع جديد لليمن و مستقبله ، و دلالالة الشيخوخة تشير إلى المآسي والحروب التي يخوضها الشعب اليمني في سبيل نيل الحرية وبالرغم من الشيخوخة و تقدمه في العمر، الإ أن عيني الشيخ ذات البؤبؤ الأزرق التي تشبه زرقة البحر تجسد الحكمة اليمنية و العنفوان اليمني.
يجسد الكاتب سمكة “المارلين” الخصم الرئيسي للبطل والسمكة ترمز الى الثروة البحرية الهائلة التي تمتاز بها شواطئ هافانا في كوبا و التي كانت محل أطماع الهيمنة الأمريكية أنذاك، وقد استطاع كاتب المقال تصويرها تصوير واقعي-خيالي فريد، إذ شبّه الكاتب سمكة “المارلين” التي تزن 1500 رطل بحاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس هاري ترومان” التي ستكون صيداً ثمين في أيدي القوات المسلحة اليمنية ، مثلها مثل سابقاتها “يو إس إس أيزنهاور” اللواتي هربن يحملن أذيال الهزيمة. لذلك فإن الجمال الفني ليس مقصوراً على الصورة الجمالية أو التشبيه فقط ، بل في استقراء حتمية إصطياد هذه الحاملة التى نراه قربياً عملاً بقول الله تعالى (ولينصرن الله من ينصره).
أما “أسماك القرش” فهي ذات دلالة سياسية بحته و ترمز الى الصواريخ البالستية السوفيتية التي تم تجهيزها في الأراضي الكوبية بناء على تحالف سوفيتي كوبي لمنع أي تهديد أمريكي و عرفت هذه العملية بعملية “أنادير” (ويكيبيديا). نتج بعدها مشاورات مطولة بين السوفيتيين والإدارة الأمريكية، وافق كينيدي على المطالب المتعلقة بإزالة جميع قواعد الصواريخ الموجودة على الحدود التركية السوفيتية بالمقابل أزال خروتشوف جميع المنصات الموجودة بكوبا مقابل تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بعدم أي غزو عسكري على كوبا(ويكيبيديا). وفي الوقت الذي يجسد الراوي أسماك القرش كعدو مناوئ لسمكة “المارلين” في شواطئ كوبا، لكن فيما يخص مجريات المواجهات العسكرية في البحر الأحمر يرسم الكاتب صورة أدبية مختلفة تماماً لأسماك القرش وهي تساند سمكة “المارلين” الكبيرة جنباً الى جنب. حيث يشير كاتب المقال الى التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المسمى “تحالف حارس الإزدهار (سى إن إن) 18 ديسمبر 2023 الذي هدف الى شن حملة عسكرية للرد على الهجمات التي تشنها القوات المسلحة اليمنية على السفن الإسرائيلية والمملوكه لإسرائيليين والمتجهة إلى إسرائيل أو المرتبطة بها في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. و هنا يرمز كاتب المقال لهذا الحلف كأسماك القرش التي تسعى في البحر فسادا، لذلك فإن الحلف ولد ميتاً و لم يستمر لأن ما بُني على باطل، فهو باطل، حيث ان العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر كان مشروطة بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة، فبدل من ان تبادر الولايات المتحدة الأمريكية و اخواتها لإيقاف المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة ، فقد سارعت الى تشكيل هذا التحالف الذي ذهب جُفاءً حاله كحال الزّبد و هذا ما يؤكد حتمية اصطياد الحاملة ترومان أو فرارها كسابقاتها في المدة التي استطاع “سانتياغو” الإمساك بسمكة المارلين أو أقل بإذن الله.
فيما يتعلق بشخصيات “مانولين” ووالديه، فهو فتى كوبي مارس صيد السمك مع “سانتياغو” منذ صغره و كذا تلميذه المخلص، وكان رمز الأمل المشرق لكوبا كبقية شبابها ضد الإمبريالية الإستعمارية لولا إملاءات والديه ، بينما يجسد كاتب الرواية الموقف السلبي لوالديه من خلال التوجيه للابن “مانولين” بالنفور عن الرجل العجوز، حيث إنهم يمثلون التبعية المطلقة للولايات المتحدة الامريكية أمثال “ماتشادو” الذي تم نفيه في عام 1933 و “باتيستا” الذي قام بانقلاب بعد أن تقدم للانتخابات مرة اخرى و لم يفوز في الإنتخابات عام 1952 و تلقى دعم مالي وعسكري ولوجستي من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الشأن اليمني يمثل “مانولين” فئة السذج و المأجورين من أبناء الشعب اليمني الذي يسهل إغواءهم فكرياً و مادياً فقد انصاعوا لتوجيهات الخارج بعدم الوقوف في صف الوطن تحت مبررات واهية أوهن من بيت العنكبوت، ليس هذا فحسب بل إنهم يعلمون علم اليقين ان السبب الجوهري من الغارات الأمريكية على الأراضي اليمنية هو فرض الهيمنة الاستعمارية الأمريكية على سيادة الجمهورية اليمنية. لذلك كان حرياً على الولايات المتحدة الأمريكية وقف مجازر الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة بدلاً من التحرك عسكرياً لمواجهة القوات اليمنية في البحر الأحمر وكأنها شرطي السير في هذا العالم.
يختم كاتب المقال بجملة شهيرة للروائي الأمريكي إرنست همنغواي من نفس الرواية التي تقول “يمكن تدمير الشخص ، لكن لا يمكن هزيمته”. لذلك ينبغي على ساسة البيت الأبيض و الكونغرس أن تفهم جيداً فحوى و أبعاد هذه الجملة قبل فوات الأوان وذلك بسرعة وقف الحرب على الفلسطينيين في غزة وهو الحل الأجدى نفعاً، مالم فسوف تستمر المواجهة العسكرية بين القوات المسلحة اليمنية و قوات الأمريكية حتى إسقاط الهيمنة الأمريكية و على الباغي تدور الدوائر.